مي سمير تكتب: ترامب وبايدن.. وجهان لعملة واحدة

مقالات الرأي



فى طريقهما المختلف إلى المكتب البيضاوى.. الفساد والفضائح تجمع بين الرئيس الأمريكي ونائب أوباما

فضيحة أوكرانيا كادت تطيح بترامب لكنها كشفت عدم نزاهة بايدن وعائلته

مع استمرار الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى، تزيد فرص جو بايدن فى منافسة الجمهورى، دونالد ترامب، فى الانتخابات الرئاسية، ما يعنى أن العالم فى طريقه لمشاهدة منافسة انتخابية بين اثنين من المرشحين ولد كلاهما فى مرحلة الأربعينيات واختلف مسار حياة كل منهما بشكل ملحوظ لحين وصولهما إلى هذه اللحظة التاريخية.

حسب تحقيق لجريدة «وول ستريت» فإن جيل الحرب العالمية الثانية يظل يحكم الولايات المتحدة الأمريكية فى مرحلة ما بعد أزمة وباء كورونا، إذ ينتمى ترامب وبايدن إلى جيل الحرب العالمية الثانية، أحدهما ولد فى خضم الصراع، والثانى بعد فترة وجيزة من انتهائه، وكلاهما كانا من نجوم الرياضة فى المدرسة الثانوية، وبلغا سن الرشد فى ستينيات القرن الماضى المشهورة بالاضطرابات الاجتماعية واقتحما الحياة العملية فى السبعينيات المتعثرة اقتصادياً.

ومع ذلك، فإن أوجه التشابه بين الرئيس ترامب الذى يريد الفوز بفترة رئاسية ثانية وجو بايدن النائب السابق للرئيس الأمريكى باراك أوباما تتلاشى فى مواجهة الاختلافات فى المسارات التى سلكوها فى طريقهما للبيت الأبيض.

1- ترامب.. مسيرة اقتصادية خالية من السياسة

كان ترامب الابن الرابع من بين 5 أطفال لمطور عقارى ناجح يدعى فريدريك فريد كريست ترامب، وزوجته مارى ماكلويد، وولد ترامب سنة 1946 فى كوينز نيويورك، والتحق بأكاديمية نيويورك العسكرية، وهى مدرسة داخلية خاصة، ثم بجامعة فوردهام فى برونكس، وكلية وارتون للمال والتجارة فى جامعة بنسلفانيا، حيث حصل على بكالوريوس فى الاقتصاد عام 1968، وخلال حرب فيتنام، حصل على تشخيص بأنه مصاب بمرض خلل التنسج العظمى الغضروفى، حصل بموجبه على إعفاء من الخدمة العسكرية.

بعد تخرجه، بدأ ترامب العمل فى شركات والده، وخلال الستينيات وأوائل السبعينيات، كانت مشروعات الإسكان المملوكة لترامب موضوع عدد من شكاوى التمييز العنصرى ضد الأمريكيين من أصل إفريقى ومجموعات الأقليات الأخرى.

وفى عام 1973، تمت مقاضاة فريد ودونالد ترامب من قبل وزارة العدل الأمريكية بتهمة انتهاك قانون الإسكان العادل 1968، وفى أواخر السبعينيات والثمانينيات، قام دونالد ترامب بتوسيع أعمال والده بشكل كبير من خلال الاستثمار فى الفنادق الفاخرة والعقارات السكنية وتحويل تركيزه الجغرافى إلى مانهاتن ثم إلى أتلانتيك سيتى. أثناء القيام بذلك، اعتمد بشكل كبير على القروض والهدايا والمساعدات المالية الأخرى من والده، وكذلك على علاقات والده السياسية فى مدينة نيويورك.

انتعشت ثروة ترامب مع الاقتصاد القوى فى أواخر التسعينيات وبقرار «دويتشه بنك» ومقره فرانكفورت بتأسيس وجود فى سوق العقارات التجارية الأمريكية، إذ موّل «دويتشه بنك» ائتمانات بمئات الملايين من الدولارات لترامب فى أواخر التسعينيات والعقد الأول من القرن الواحد وعشرين بما فى ذلك برج ترامب العالمى فى نيويورك وفندق وبرج ترامب الدولى فى شيكاجو.

وفى عام 1996، عقد ترامب شراكة مع شبكة تليفزيون إن بى سى لشراء منظمة ملكة جمال الكون، التى انتجت مسابقة ملكة جمال الكون، ملكة جمال الولايات المتحدة، ومسابقات ملكة جمال المراهقين فى الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى مشاريعه العقارية، وفى عام 2004، قدم ترامب لأول مرة برنامج تليفزيون واقع «المتدرب» ما حقق له شعبية واسعة النطاق.

ودخل ترامب عالم السياسة من بوابة المال والأعمال، وكان فوزه فى عام 2016 بمنصب الرئيس الأمريكى مفاجئا لجميع الأوساط السياسية، خاصة أن مرشح الحزب الجمهورى لم يكن يملك أى تاريخ سياسى ولم يسبق له أن شغل أى منصب سياسى.

تبنى الرئيس ترامب فى ولايته الأولى سياسة تعكس شعار حملته «أمريكا أولاً» كان متشككاً فى المؤسسات الدولية، وانسحب من الاتفاقيات المتعددة الجنسيات الرئيسية بشأن المناخ وإيران، كما أعاد التفاوض بشأن الصفقات التجارية الأمريكية، ودخل فى نزاعات مع حلفاء الولايات المتحدة، وفرض قيوداً جديدة على الهجرة، وشن معركة جمركية مع الصين.

2- بايدن سياسى مخضرم تطارده شائعة

ولد جو بايدن فى 20 نوفمبر 1942 فى سكرانتون، بنسلفانيا، وهو النائب 47 لرئيس الولايات المتحدة فى الإدارة الديمقراطية لرئاسة باراك أوباما.

تخرج بايدن فى كلية الحقوق فى جامعة سيراكيوز فى نيويورك فى عام 1968، وبعدها عاد إلى مسقط رأسه فى مدينة ديلاوير للعمل كمحام قبل التحول بسرعة إلى السياسة، حيث عمل فى مجلس مقاطعة نيو كاسل من 1970 إلى 1972، وتم انتخابه لمجلس الشيوخ الأمريكى فى عام 1972 وعمره 29 عاماً، ليصبح أصغر سيناتور فى التاريخ. وبعد نحو شهر، قُتلت زوجته وابنته الرضيعة فى حادث سيارة، وأصيب ولداه بجروح خطيرة.

ورغم أن بايدن فكر فى تعليق مسيرته السياسية، إلا أنه تم إقناعه بالانضمام إلى مجلس الشيوخ فى عام 1973، وأعيد انتخابه 6 مرات، ليصبح السيناتور الأطول خدمة فى ديلاوير.

وفى عام 1977 تزوج من جيل جاكوبز، وهى معلمة، وأنجبت فيما بعد ابنة، وبالإضافة إلى دوره كعضو فى مجلس الشيوخ الأمريكى، شغل بايدن أيضاً منصب أستاذ مساعد فى كلية الحقوق بجامعة ويدنر.

كعضو فى مجلس الشيوخ، ركز بايدن على العلاقات الخارجية والعدالة الجنائية وسياسة المخدرات، وعمل فى لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس وترأس اللجنة مرتين، كما كان عضواً فى المجموعة الدولية لمراقبة المخدرات وكان السيناتور الرئيسى فى كتابة القانون الذى أنشأ مكتب «قيصر المخدرات»، وهو منصب يشرف على السياسة الوطنية لمكافحة المخدرات.

خاض بايدن الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الديمقراطى عام 1988، لكنه انسحب بعد أن تم الكشف عن أن أجزاء من خطابه عن الحملة الانتخابية تم اقتباسها من خطاب زعيم حزب العمال البريطانى نيل كينوك دون إسناد مناسب.

ولم تكتسب الحملة الرئاسية لبايدن عام 2008 زخماً على الإطلاق، وانسحب من السباق بعد أن احتل المركز الخامس فى التجمع الديمقراطى فى ولاية أيوا، بعد أن جمع باراك أوباما ما يكفى من المندوبين لتأمين الترشيح الديمقراطى للرئاسة، ثم برز بايدن فى صدارة المرشحين لمنصب نائب الرئيس.

وفى 23 أغسطس، أعلن أوباما رسمياً عن اختياره لبايدن كمرشح لمنصب نائب الرئيس للحزب الديمقراطى، وفى 27 أغسطس، حصل أوباما وبايدن على ترشيح الحزب الديمقراطى، وبعد فوزه مع أوباما فى 2008، استقال من منصبه فى مجلس الشيوخ قبل فترة وجيزة من أداء يمين منصبه كنائب للرئيس فى 20 يناير 2009. فى نوفمبر 2012، أعيد انتخاب أوباما وبايدن لولاية ثانية.

كنائب للرئيس، لعب بايدن دوراً نشطاً فى الإدارة، حيث عمل كمستشار مؤثر لأوباما ومؤيد قوى لمبادراته، بالإضافة إلى ذلك، تم تكليفه بمهام بارزة، حيث ساعد فى تجنب العديد من أزمات الميزانية ولعب دوراً رئيسياً فى تشكيل سياسة الولايات المتحدة فى العراق، وفى عام 2015 توفى نجله الأكبر «بو» بسبب سرطان الدماغ، ما دفعه إلى عدم خوض الانتخابات الرئاسية فى عام 2016.

يعد بايدن رجلاً سياسياً مخضرماً على العكس من الرئيس ترامب، ولكن هناك العديد من الشائعات التى تحيط به قد تضر بفرص فوزه فى انتخابات الرئاسة، بما فى ذلك شائعات إصابته بشكل من أشكال الخرف.

3- المنافسة بين وجهى العملة

بين ترامب وبايدن كثير من الخلافات ورغم ذلك جمعتهما فى العام الماضى فضيحة كادت تنهى رئاسة ترامب وتقضى على مستقبل بايدن السياسى، إذ كشفت فضيحة أوكرانيا عن مكالمة هاتفية للرئيس الأمريكى ترامب مع الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى يربط فيها بين إرسال المعونة الأمريكية وبين فتح أوكرانيا تحقيقاً فى نشاط شركة يملكها نجل بايدن.

وتسببت الفضيحة فى تحقيقات المساءلة بالكونجرس الأمريكى التى كان من الممكن أن تنتهى بإقالة ترامب، ولكن فى النهاية تم رفض محاكمته كما ألقت الفضيحة بظلال حول نزاهة عائلة بايدن.

على الصعيد الشخصى يبدو أن هناك كثيراً يجمع بين بايدن وترامب بما فى ذلك تورط كليهما فى مزاعم تحرش بالنساء، إذ تابع العالم على مدار أربع سنوات تفاصيل علاقات ترامب النسائية، لعل أشهر تلك الفضائح علاقته بفتاة أثناء حمل زوجته الثالثة ميلانيا فى طفلهما بارون، وقيامه بدفع رشوة مالية إلى عشيقته لمنعها من الكشف عن تفاصيل العلاقة. بدوره يواجه بايدن عدداً من اتهامات التحرش. فى مارس 2020، زعمت تارا ريد، وهى مساعدة سابقة لموظفى مجلس الشيوخ العاملين لجو بايدن، أنه اعتدى عليها جنسياً فى مبنى مكاتب فى الكابيتول هيل فى عام 1993، وقال متحدث باسم بايدن إن هذا الادعاء غير صحيح. وعلى الرغم من اختلاف تاريخهما إلى حد كبير إلا أنهما فى النهاية وجهان لعملة واحدة، يعد كل من ترامب رجل المال والترفيه الذى يجلس حاليا فى البيت الأبيض، وبايدن رجل السياسة المخضرم الذى شغل منصب نائب الرئيس على مدار ثمانى سنوات ويحلم حالياً بمنصب الرئيس، نموذج على اختلاط السياسة بالفساد والفضائح فى الولايات المتحدة الأمريكية.