منال لاشين تكتب: أسرار وكواليس قروض كورونا

مقالات الرأي




قروض جديدة من البنك الدولى والإفريقى 

خلاف داخل المجموعة الوزارية الاقتصادية حول توقيت طرح السندات الدولارية 

قرض صندوق النقد الدولى سيدعم الدولار.. وإجراءات التقشف ملازمة للقرض الثانى من الصندوق والسؤال: هل القروض ضرورة أم خطيئة؟

هناك إجماع عالمى على أن عالم ما بعد «كورونا» مختلف ويجب أن نستعد بأفكار وإجراءات جديدة بدلا من الإجراءات الكلاسيكية القديمة

محمد معيط يميل إلى إصدار سندات دولية

فى العالم يتحدث السياسون والاقتصاديون النابغون عن عالم ما بعد كورونا، خاصة اقتصاد ما بعد كورونا، هناك إجماع على أننا سنكون أمام معادلات جديدة ومعطيات جديدة، ولذلك لابد أن نخرج بنتائج جديدة، وإذا كان العالم كله أمام أسئلة جديدة، فلا يجب أن نسمع أو نتصرف فى مصر بالإجابات القديمة المعتادة، على طريقة قل ولا تقل، عالم ما بعد كورونا، ولا تقل العودة إلى ما قبل كورونا، لا طريق للعودة لا من خلال الجو ولا البحر ولا البر، فالوباء الذى قد يستمر معنا مثل الإيدز فجر إعصارا اقتصاديا وانقلابا سياسيا، وفى الحالتين يجب أن نستعد له بأفكار وإجراءات جديدة ومختلفة، بدلا من أن نستعيد نفس الإجراءات القديمة الكلاسيكية.

1- قروض قروض

عندما تطل الأزمة الاقتصادية، أى أزمة اقتصادية فإن الإجابة المحببة والمقربة من عقل الحكومة قروض جديدة، والحقيقة أن الحكومة لم تقصر، وبدأت رحلة جديدة مع الاقتراض، أول الخط هو قرض الطوارئ من صندوق النقد، 2.8 مليار دولار، وقد قلت فى نفس المكان من عدة أسابيع أن قرض الطوارئ نحو 3 مليارات دولار. ولكن يبدو أن هذا القرض سيكون حلقة من سلسلة قروض تتجه فيها المالية والمركزى لمؤسسات مالية دولية، بحسب بعض التحليلات الاقتصادية فإن الحكومة المصرية ستطلب قرضا آخر من صندوق النقد، وبحسب المعلومات المبدئية فإن قيمة القرض تتراوح ما بين 5 و6 مليارات دولار، ولأن صندوق النقد حريص على أن يوفر للدولة المقترضة مناخاً اقتصادياً ملائماً، فقد ندخل فى اتفاق آخر بقرض من البنك الإفريقى، وداخل الكواليس المالية يدور حديث عن طلب قرض ثالث أو بالأحرى رابع من البنك الأفريقى، للأمانة فإن قروض هذه المؤسسات تتميز بأفضل الشروط، وفى الأسواق العالمية توصف قروض المؤسسات بأنها تمويل رخيص مقارنة بطرق التمويل الأخرى، خاصة أن قرض صندوق النقد يوحى للدائنين المحتملين بالثقة فى الاقتصاد المصرى، أو بالأحرى فى قدرته على سداد ديونه.

2- خيار السندات

من ناحية أخرى فإن وزير المالية محمد معيط يميل إلى انتهاز الفرصة وإصدار سندات دولية، والفرصة هنا أن معظم المؤشرات والتقارير العالمية تشير بإيجابية إلى وضع الاقتصاد المصرى ومستقبله واستمرار النمو على الرغم من أزمة وتداعيات وباء كورونا، ويشير تقرير لمؤسسة بلومبيرج العالمية إلى أن قرض صندوق النقد سوف يفتح الطريق أمام الحكومة المصرية لبرنامج إصدار سندات سيادية لسد أى ثغرات مستقبلية فى الحساب الجارى لمصر، وتمثل السندات حلا إضافيا استخدمته مصر فى السنوات الماضية، ولكن مع توابع كورونا فإن الفائدة على السندات ستكون مرتفعة جدا مقارنة بمستوى سعر الفائدة فيما قبل.

3- قرض وشروط

وإذا كان قرض صندوق النقد أو قرض الطوارئ لم ولن يرتبط بشروط اقتصادية أو إجراءات تقشف، لأنه قرض مرتبط بمواجهة أزمة، ويتم إنفاقه لمواجهة توابع كورونا، إلا أن الوضع سيختلف مع القرض الثانى من صندوق النقد والتى يرى معظم أعضاء المجموعة الاقتصادية الوزارية أنه أفضل حل لمواجهة النقص الشديد فى الدولار.

وبالطبع فإن توابع أزمة كورونا تستدعى فى كل أنحاء العالم التقشف، ومصر ليست استثناء من ذلك، ولكن قرض صندوق النقد سيؤثر على وضع الدولار أو بالأحرى سعره فى مواجهة الجنيه، فإجراءات الصندوق ورقابته على إجراءات الحكومة ستدفع بالدولار للارتفاع أمام الجنيه، ولم يستطع أى مسئول إجراء خفض سعر الدولار أو تثبيت سعره أمام الجنيه، وهذا الوضع سيزيد من ارتفاع أسعار السلع، وسيدفع المواطن ثمن هذا الإجراء بالإضافة لما سيتحمله من أعباء، فى نفس اتجاه الأعباء فإن الصندوق يصر على تحرير جميع الخدمات والسلع، ويلح منذ القرض الماضى على تحرير سعر البنزين والمنتجات البترولية الأخرى لتباع بالسعر العالمى، وإذا كانت الأزمة قد هوت بأسعار البترول فإن عودة النشاط الاقتصادى سترفع سعر البترول تدريجيا، وسيضغط الصندوق لمنح مزايا وتسهيلات للقطاع الخاص.

4- لا للعودة

وكفعل رد أولى فإن استمرار القروض والسندات ازعج الكثير من الاقتصاديين والمحللين لأنه سيزيد الدين الخارجى لمصر إلى مستويات أعلى، ولكن القضية بالنسبة لى أكبر وأعمق من زيادة الدين الخارجى على خطورته، الأزمة الحقيقة أن الحكومة لم تع أننا أمام ظرف اقتصادى جديد تماما، وليس مجرد أزمة سيولة أو دولار أو حتى إصلاح عجز موازنة، نحن فى حاجة إلى تغيير فى أولويات النشاط الاقتصادى ليتلاءم مع عالم ما بعد كورونا، لدينا الزراعة والصناعة، فكلا النشاطين يجب أن يكونا هما قاطرة الاقتصاد المصرى، وليس السياحة أو العقارات التى ستواجه أزمات حادة، نحن فى حاجة إلى النظر للداخل بدلا من الاقتراض من الخارج، فيجب أن نعود إلى نظريات تحقيق الاكتفاء الذاتى خاصة فى السلع الاستراتيجية، وأن نعمل على إنهاء مشكلات التعثر الصناعى بحلول حقيقة وجادة.

ولكن أهم من هذه الإجراءات وغيرها يجب أن يكون الاقتصاد معبرا عن المصريين جميعاً، وإذا كنا سنتحمل توابع اقتصادية فيجب أن يشارك الجميع فى هذا الاتفاق على التصور والخطوات القادمة فالأزمات الكبرى تحتاج تضافر كل العقول وليس فقط المسئولين فى الحكومة، وبالمثل يجب أن نتحمل الجميع الأعباء، آن أوان ألا تكتفى الدولة بتحميل العبء لموظفى الحكومة، وآن أوان أن يدفع المتهربون من الضرائب وهم بالملايين حقوق المجتمع، وآن أوان أن نعيد النظر فى المنظومة الضريبية لتكون عادلة، ربما يجب أن تختلف الشرائح الضريبية، وإذا كنا نريد العبور من الأزمة فيجب أن ننسف الطريقة القديمة ونبحث فى الأموال المهدرة والإمكانيات الكبرى الكامنة فى الاقتصاد المصرى والتى لا أشك أنها الوحيدة القادرة على إخراجنا من الأزمة.