عبدالحفيظ سعد يكتب: السراج - باشاغا.. من يتحمل فاتورة مليارات ليبيا المنهوبة على الميليشيات؟

مقالات الرأي



تركيا تتلاعب بحلفائها لاستمرار الفوضى فى ليبيا

بمجرد أن أُعلن وقف إطلاق النار بين الجيش الوطنى الليبى فى الشرق، وميليشيات حكومة الوفاق فى طرابلس، بدأت تتكشف كثير من الخبايا وصراعات المال والسلطة بين قادة الميليشيات الذين يسيطرون على العاصمة طرابلس. ولعل الحراك الشعبى والذى تفجر فى طرابلس الأسبوع الماضى ضد فساد حكومة الميليشيات بقيادة فايز السراج، يكشف جزءا من جبل الجليد فى الصراعات بين حلفاء تركيا وقطر فى ليبيا.

وبالفعل كان رد الفعل الأولى من قبل رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، على الحراك القيام بوقف وزير داخليته فتحى باشاغا عن ممارسة مهام منصبه وتوجيه اتهامات مباشرة له تتعلق بالفساد أو محاولة تدبير انقلاب على حكومة السراج.

وأنذر تصرف السراج الأخير ضد باشاغا بتفجر قتال داخلى بين الميليشيات داخل طرابلس والمنطقة المحيطة بها، والتى تدين بالولاء لتركيا، خاصة أن الخلافات تعبر عن جزء قبلى باعتبار أن باشاغا ينتمى إلى ميليشيات مصراتة، بينما يعتمد السراج على ميليشيات داخل طرابلس ومجموعات من المرتزقة المجلوبين من سوريا، وهو ما دفع الأخير لتعيين رئيس أركان من مصراتة حتى يتجنب انقلابها ضده لصالح باشاغا.

1- صراع الحلفاء

ولعل ما يثير علامات الاستفهام حول تفجر الصراع بين السراح وباشاغا، أن الاثنين حتى وقت قريب يعدان بمثابة أهم الحلفاء لتركيا فى طرابلس، فنجد أن السراج فى الفترة الأخيرة، ارتمى فى أحضان تركيا بالكامل وكشف عن وجهه فى الإعلان أنه رجل تركيا، وذلك بعد توقيعه اتفاق ترسيم الحدود البحرية معها، حتى يضع لها «مخلب قط» فى غاز وبترول شرق المتوسط، وكذلك توقيع السراج اتفاقا أمنيا مع أنقرة، حتى تتمكن من إرسال مرتزقة وأسلحة ومساندتهم بالجنود فى حربهم من قوات الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر.

ورغم أن السراج قدم لتركيا الكثير، إلا أن ذلك لم يمنحه استمرار الدعم الكامل من حكومة أردوغان التركية، بل إن أطرافا من الحكومة التركية، خاصة من صقور حزب العدالة والتنمية والقريبة من الإخوان، بدأت التحرك ضده، خاصة بعد أن وافق السراج على اتفاق وقف إطلاق النار، وقام بإعلانه عنه مع رئيس البرلمان الليبى عقيلة صالح، مما يفتح الطريق أمام تنفيذ المبادرة المصرية للحل فى ليبيا.

ورغم إدراك تركيا أن قرار وقف النار فى ليبيا جاء بناء على تدخلات دولية، إلا أن أنقرة تخشى من أن تحريك العملية السياسية فى ليبيا يقلل من نفوذها فى غرب ليبيا، خاصة لوجود حالة من الرفض الشعبى له، والذى تقوده القبائل الليبية لمنع فرض وجود تركيا على أرضيها، واعتبار أن تدخلها بمثابة احتلال لأراضيها.

ولم يتوقف الأمر فى تفجر الصراع داخل ميلشيات طرابلس على قرار السراج بالموافقة على وقف إطلاق النار، أو حتى تفجرت الاحتجاجات على حكومة السراج نتيجة تدهور الأحوال وانتشار الفساد، واستغلال أموال النفط الليبى لدفع الرواتب الباهظة التى يحصل عليها المرتزقة الذين تجلبهم تركيا من سوريا، ولكن يعد الصراع بين السراج وباشاغا، محاولة من تنظيم الإخوان لفرض عناصره خاصة من مصراتة التى تدين بالولاء الكامل لتركيا، كما أن السراج لا يعد عضوا أساسيا فى الإخوان وكان مجرد ورقة لعبت بها الميليشيات لتضفى الشرعية على وجودها والسيطرة على بنك ليبيا المركزى ومؤسسة النفط، بناء على اتفاق الصخيرات.

ولعل النقطة الأخيرة بوجود يد للإخوان فى محاولة تصعيد باشاغا على حساب السراج فى طرابلس، ليست خافية على السراج والذى سرب معلومات، أن أحد أسباب قيامه بعزل باشاغا من منصب وزير الداخلية وإحالته للتحقيق، هو ضلوعه ورئيس مجلس الدولة خالد المشرى بالتنسيق مع الإخوان فى محاولة انقلاب ضده.

2- الانقلاب على السراج

ووفقا لما روجه القربيون من السراج أن الهدف من الانقلاب ضده، العمل على سيطرة باشاغا على طرابلس وتأمينها وإدارة البنك المركزى ووزارة المالية، والسماح لجماعة الإخوان بالدخول فى حوار الصخيرات والمقرر استئنافه بتنسيق أممى كممثلين عن المنطقة الغربية، خاصة أن سيطرة الإخوان على قبائل ليبيا ضعيفة باستثناء قبائل مصراتة، لذلك يسعى التنظيم أن يكون هناك ممثلون لها من أعضائها التنظيمون، عبر الأطر السياسية القائمة

ونجد أن المعلومات من طرابلس تشير أيضا إلى أن باشاغا بدأ يتصرف مع تركيا بعيدا عن الحكومة. وعقد اتفاقا بروتوكلا مع أنقرة، وذلك للتمهيد للانقلاب على السراج، بل إنه التقى بمسؤولين أمنيين وعسكريين أتراك دون علم حكومة السراج، رغم أنه عضو فيها، وكان آخرها لقاؤه الأسبوع الماضى برفقة خالد المشرى، مع الرئيس رجب أردوغان ووزير خارجيته مولود شاوش أوغلو.

3- المليارات المنهوبة

ولا يقتصر الخلاف بين باشاغا والسراج على محاولة السيطرة السياسية فقط، بل يمتد الأمر لمحاولة، كل منهما تحميل الآخر المسؤولية عن ضياع مليارات الدولارات الليبية الناتجة عن عوائد بيع النفط، والتى تم صرفها على مدار السنوات الست الماضية على الميليشيات، ولذلك يسعى كل طرف لتحميل الآخر فاتورة الفساد والأموال الليبية المنهوبة على مدار ست سنوات، من سيطرة حكومة الوفاق على طرابلس. ونجد أن هناك عملية فساد كبير ونهب قام بها قادة الميليشيات والذين قاموا بتحويلها إلى تركيا لشراء عقارات وإقامة مشروعات بها، ويخشى الطرفان (السراج وباشاغا) أن فتح تحقيق مستقبلى فى حالة استقرار الأوضاع وتحريك العملية السياسية فى ليبيا، حول مصير الأموال المنهوبة، ومن حصل عليها، مما يؤثر على مستقبلها السياسى فى حالة الكشف عن تورط أى منهم فى عملية نهب أموال النفط الليبى.

ولذلك يبدو أن السراج أدرك أن حليفته تركيا تجهز للتضحية به وتحميل فاتورة الفساد وتدهور الأوضاع المعيشية فى الفترة الأخيرة، خاصة بعد انتهاء دور استخدامه، لسهولة إبعاده عن المشهد السياسى، بعد سقوط اتفاق الصخيرات ودخوله مرحلة جديدة، خاصة أن السراج لا يملك ميليشيات قبلية تعمل لصالحه ويعتمد فقط على مجموعة المرتزقة، وقوات الأمن الرئاسى، والتى يسهل تخليها عنه خاصة أن المخابرات التركية والقطرية هى التى تحركها.

ولذلك نجد أن صراع السراج وباشاغا فى ليبيا، يكشف عن مصالح أمراء الحرب والمنتفعين من استمرار الحرب فى ليبيا والتى تتيح لهم فرصة أكبر فى استمرار نفوذهم وعملية النهب، وهؤلاء لن يتقبلوا بحلول سياسية، لأنهم يدركون أن استمرار الفوضى والحرب، سيسهل عليهم استمرار نهب خيرات ليبيا لصالحهم وحلفائهم من الأتراك والإخوان، والذين لا يخفون أن هدفهم فى ليبيا هو السيطرة على خيراتها حتى لو استمرت الحرب عشرات السنوات، طالما كان ذلك كفيلا باستمرار نهب أموال الشعب والذى بدأ يثور ضد حكم هذه الميليشيات.