عادل حمودة يكتب: إسرائيل تصبغ العالم باللون الأزرق ونحن غارقون فى فضيحة الفيرمونت!

مقالات الرأي



إسرائيل ثمرة تاريخية ساهم فى تسميدها وإنتاجها العرب بغفلتهم وخلافاتهم وعاهاتهم القومية

اقتبس علم السياسة من علم الطبيعة مبدأ بسيطا : إن لكل سبب مسببا.

القوى ليس قويا بنفسه وإنما هو قوى بضعف الآخرين.

وعلى ذلك فإن إسرائيل ثمرة تاريخية ساهم فى تسميدها وإنتاجها العرب بغفلتهم وخلافاتهم وعاهاتهم القومية.

بل إن فلسطين القضية المصيرية التى بددت أراضى وثروات وأرواحاً باتت لعبة سلطة بين المنظمات التى تعبر عنها وتطالب بحلول عادلة لها.

بفكرنا التجزيئى اتحدت إسرائيل.. بأمراضنا المستعصية ازدادت وزنا وعافية.. بمواقفنا الارتجالية مدت رجليها فى فراشنا.. بحروبنا الأهلية والمذهبية أكلت لحمنا بشهية.

دخل العرب مرحلة الشيخوخة السياسية وفشلت عمليات التجميل التى أجريت لهم وبقيت جلودهم مجعدة ونفوسهم مجعدة.. إنها لقطة حقيقية.. وليست صورة بلاغية.. أو مجازية.

لكن الحقيقة التى تزيد من مواجعنا أن إسرائيل لم تكتف بما حققت من قوة عسكرية وإنما نجحت فى أن تصبح قوة تكنولوجية تعالج نقص الغذاء لتوفير مزيد من الطعام وتحمى المعلومات السرية من الاختراق وتحمى حسابات البنوك من التسلل وتطرق أبواب المستقبل بالذكاء الصناعى.

على مسرح الإيباك الجمعية الأمريكية الإسرائيلية التى تمثل اللوبى اليهودى فى واشنطن قدم بنيامين نتانياهو عرضا شو يجمع بين أداء يوسف وهبى وحركات شارل شابلن وسط تصفيق من الصالة بين الجملة والجملة.

حدث ذلك منذ سنتين لكننا كالعادة لم ننتبه إليه إلا بعد أن تزايدت الدول العربية التى تعترف بإسرائيل وترحب بعلاقات متكاملة معها فهل ما تفاخر به نتانياهو كان السبب؟.

لنقرأ النص الذى ارتجله نتانياهو بهدوء ثم نسأل : ما العمل؟.

هل تتذكرون فيلم كلينت ستوود : الطيب والشرس والقبيح؟ أريد الحديث عن الطيب والسيئ والجميل.. الأشياء التى تقوم بها إسرائيل تجعل العالم أجمل.. تجعله مكانا أفضل.. والأشياء السيئة تقوم بها القوات الحاقدة.. تحديدا إيران.

تناسى نتانياهو قانون حرمان غير اليهود من الجنسية الإسرائيلية وتهديده بضم الضفة الغربية وبناء المزيد من السجون والمعتقلات للفلسطينيين.

إسرائيل لم تكن أبدا بالقوة العسكرية الهائلة التى عليها الآن.. نمتلك الطائرة إف 35 الأكثر تطورا فى العالم.. وتلك القبة الحديدية نظام للدفاع الجوى إلى جانب العديد من الأسلحة التى طورناها بمساعدة أمريكا.

حسب ما استقر عليه العرف فى الولايات المتحدة تنفرد إسرائيل بأسلحة أمريكية متطورة لا يحصل عليها غيرها إلا بتجهيزات تكنولوجية أقل.

هذا الجيش الذى لا يصدق مدعوم من قبل مخابرات رائعة لا مثيل لها.. فى السنوات الأخيرة أحبطت المخابرات الإسرائيلية هجمات إرهابية مرعبة فى عشر دول.. إنها لا تحمى الإسرائيليين فقط وإنما تحمى الأرواح البريئة حول العالم.

لم يذكر نتانياهو عمليات التصفية الجسدية التى نفذتها المخابرات الإسرائيلية ضد شخصيات علمية بريئة منها سميرة موسى ويحيى المشد وسعيد سيد بدير.

لكن الأخبار الجيدة لا تتوقف عن مدى قوة الجيش الإسرائيلى وإنما تستمر وصولا إلى اقتصاد متين بتحويل إسرائيل للعمل بمبادئ السوق الحرة الذى يطلق شرارة العبقرية المترسخة فى شعبنا وتدفعه للاختراع والتفوق فى البيزنس.

هناك ثورة تحدث فى هذا المجال.. فى عام 2006 ضمت الشركات العشر الرائدة خمس شركات للطاقة وشركة تقنية معلومات واحدة مايكروسوفت.. فى غضون عشر سنوات فقط حدث النقيض.. خمس شركات تقنية معلومات وشركة واحدة للطاقة.. الثروة الحقيقية فى الاختراعات.. جوجل ومايكروسوفت وأمازون وفيس بوك وآبل جميعها لديها مراكز أبحاث رئيسية فى إسرائيل.

زاوجنا بين البيانات والذكاء الصناعى فأحدثنا ثورة فى الصناعات القديمة وخلقنا صناعات جديدة بالكامل.. فى الزراعة ترتبط الحقول ببرنامج متقدم يمنح كل نبتة فى الحقل ما تحتاج من مياه وسماد على حدة ودون إهدار هذه هى الزراعة الدقيقة فى إسرائيل.. شىء لا يصدق.

نقوم بتدوير ما يقرب من 90% من مياه الصرف بعدنا إسبانيا التى لم تحقق أكثر من 20%.. بإمكاننا تغيير العالم بما نملك من تكنولوجيا متطورة.. للتو سمعت عن امرأة إفريقية يتوجب عليها السير 8 ساعات يوميا ذهابا وإيابا لإحضار الماء لأطفالها.. الشركة الإسرائيلية الناشئة جلبت لها الماء من الهواء فى مكانها.. ملايين البشر فى إفريقيا استفادوا من تلك التقنية الإسرائيلية المبتكرة.

كنت فى الهند والتقيت صديقى رئيس الوزراء الرائع ناريندرا مودى الذى قدم لى ثماراً من طماطم الكرز التى زرعت فى بلاده بتقنية إسرائيلية.. 65% من سكان الهند يحترفون الزراعة.. مزارع بعد آخر اعترفوا بأن هذه التقنية ضاعفت من محاصيلهم خمسة أضعاف.. نحن غيرنا العالم فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

تحدث الآن عن المركبات ذاتية القيادة.. إسرائيل الرائدة فى هذه التكنولوجيا.. شركة تقنية اسمها موبيل آى توصلت إليها.. وبيعت بنحو 15 مليار دولار إلى شركة إنتل.

لديكم حسابات فى البنوك لا تريدون لأحد اختراقها؟.. هل تريدون معلومات آمنة فى الطائرة التى تركبونها؟.. الأمن السيبرانى يوفر هذه الحماية وإسرائيل رائدة فى هذا المجال التكنولوجى الحديث المتطور.

كم تعداد إسرائيل؟.. تقريبا ما بين ثمانية وتسعة ملايين نسمة.. كم نسبة سكاننا فى العالم؟.. عشر واحد فى المائة.. لكن نصيبنا من الأمن السيبرانى لا يقل عن عشرين فى المائة.. تجاوزنا وزننا بمائتى ضعف.

إليكم توصيل النقاط ببعضها.

امتلاكنا جيشاً قوياً واستخبارات محترفة لم يمنع توصلنا إلى التقنية المدنية التى جعلت حياة الناس أكثر ثراء وأكثر أمانا وأكثر إنتاجية.

الكثير من دول العالم تأتى إلى إسرائيل رغبة منها فى مشاركتنا هذه الفوائد وهذا أدى إلى ازدهار العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية حول العالم.

عندما انضممت إلى خدمة الخارجية كنائب لرئيس البعثة الإسرائيلية فى واشنطن لم يكن لنا علاقات دبلوماسية إلا مع 80-90 دولة.. الآن العدد وصل إلى 160 دولة.. وباقى عدد قليل من الدول.. نحن نصبغ العالم باللون الأزرق لون العلم الإسرائيلى.. كنت فى إفريقيا 3 مرات فى 18 شهرا.. ولم أتوقف عن زيارة أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية.. ذهبت إلى الأرجنتين وكولومبيا والمكسيك.. وهناك قالوا لنا عودوا من جديد نريد المزيد.

دول كثيرة تأتى إلينا مثل الهند والصين ومنغوليا إلى جانب دول إسلامية مثل كازاخستان وأذربيجان وبعد أن كانت أستراليا قارة بعيدة وصلنا إليها.. زرتها.. من جديد نحن نصبغ العالم بالأزرق.

هل تتذكرون من تحدثوا عن عزلة إسرائيل؟ أتتذكرون ذلك؟ عزلة إسرائيل.. الدول التى ليس لها علاقات معنا ستعزل نفسها.. هؤلاء الذين يتحدثون عن مقاطعة إسرائيل نحن الذين سنقاطعهم.

هكذا تحدث نتانياهو.

تحدث بثقة تجاوزت الغرور أحيانا ولكنه غرور يستند إلى تقنية مدنية يحتاجها العالم لزيادة إنتاجية الأمن السيبرانى.

كان يمكن أن أمتطى صهوة جواد الكلمات وأصفه بأنه مثل من سبقوه سارق أراض ومغتصب حقوق وقاتل لم يرحم الصغار قبل الكبار وكلها بالمناسبة أوصاف صحيحة على أن ما كانت صحيفة سوابقه مثل من سبقوه تصبح سواداً ما نشجع إسرائيل على استضعافنا وإذلالنا وطلبنا إلى بيت الطاعة.

لكن الحقيقة أن إسرائيل عرفت كيف تنقل دولاً كثيرة من خانة الأعداء إلى خانة الأصدقاء.. ساعدتها فى حل مشاكلها.. مدت جسور المصلحة بينهما.. رفعت تلك الدول الحصار الذى فرضته على إسرائيل.. تركت فتح تقاتل حماس وانحازت إلى إسرائيل.. استفادت منها أمنيا فى حماية شعوبها.. واستفادت منها تقنيا برفع مستوى معيشتها.

كنا فى حالة غفلة وإسرائيل تصبغ العالم باللون الأزرق.

والمأساة أن الدول التى عزلت إسرائيل بما فيها الدول العربية نفسها هى نفسها التى أصبحت معزولة وربما منبوذة أحيانا.

ما السر وراء ذلك الانقلاب الحاد فى السياسة الدولية؟.

السر لا يحتاج أجهزة خفية تفتش عنه فى بطن الحوت بل هو مثل رمال الشاطئ ظاهرة للجميع.

إن إسرائيل عرفت حكومات مختلفة أيديولوجيا ولكن كل حكومة تأتى لم تكن لتشطب ما فعلته الحكومة السابقة عليها وإنما تكمل مشوارها وتعلو بالبناء الذى وضعت أساسه وتستثمر فى أبحاث الاختراعات

لم تكتف إسرائيل بالمعونات المالية والعسكرية التى تتلقاها من الولايات المتحدة وإنما شاركتها فى أبحاث تطوير الأسلحة ورصدت موازنة ضخمة للبحث العلمى وتبنت العلماء واعتبرت ذلك بندا أصيلا مستمرا فى مسيرتها.

وعرفت إسرائيل كيف تساعد دول العالم النامى فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وكان على هذه الدول رد الجميل برفع الحصار وكسر العزلة وتنمية التعاون وتبادل العلاقات الدبلوماسية.

هل يمكن أن ندرس التجربة الإسرائيلية بجدية لنعرف كيف نستفيد منها؟.

هل نعطيها من وقتنا نصف الوقت الذى أهدرناه فى فضيحة الفيرمونت؟.

أتصور أننا لو نجحنا فى ذلك ولو بعد عمر طويل فإننا سنزيل اللون الأزرق ونفرض على العالم اللون الأخضر.