د. نصار عبدالله يكتب: مكرم الأستاذ «2»

مقالات الرأي



حالت ظروف معينة بينى وبين استكمال المقال الذى نشرته فى «الفجر» بتاريخ 30/8 الماضى بعنوان مكرم الأستاذ(1)، وهأنذا أستكمل ذلك المقال لأقول إنه من بين سائر الصحفيين الذين قدر لى أن أعرفهم معرفة شخصية أو أن أقرأ أعمالهم لا أعرف من يدانى مكرم محمد أحمد فى ثقافته (باستثناء محمدحسنين هيكل وربما أحمد بهاءالدين)، ولقد كان من حسن حظى أن أستمع طويلا إلى الأستاذ مكرم فى أحاديثه الشخصية حيث كنا نلتقى يوميا فيما يشبه الندوة الثقافية المفتوحة فى شقة صديقنا المشترك الإعلامى وصاحب الدراسات الرائدة فى مجال الأدب الشعبى وأعنى به فاروق خورشيد الذى كانت شقته فى باب اللوق، تحديدا فى الطابق الأرضى من العمارة21شارع فهمى، وكان يشاركنا فى هذا الملتقى عدد من المبدعين والأكاديميين أذكر منهم الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور قبل أن يرحل مبكرا إلى رحاب الله والدكتور عزالدين إسماعيل الذى خلفه بعد رحيله فى رئاسة الهيئة العامة للكتاب ثم ما لبس أن رحل بدوره عن عالمنا منذ أكثر من عشر سنوات (تحديدا فى عام 2007)، وكذلك الدكتور حسين نصار الذى رحل عن عالمنا عام 2015 والروائى والقصاص الأستاذ عبدالرحمن فهمى الذى كثيرا ما كان يلتبس اسمه بكاتب آخر يحمل نفس الاسم لكن عبدالرحن فهمى الذى أقصده هو «مؤلف العود والزمان»، و«دموع رجل تافه» ومسلسل: ملك الأورنس الذى حقق عندإذاعته نجاحا ساحقا ومن روادالملتقى كذلك الدكتورعونى عبدالرؤوف معجزة اللسانيات الذى كان يجيد سبع لغات إجادة تامة، وكذلك الروائى المعروف بهاء طاهر والكاتب والمترجم محمد عبدالواحد أطال الله عمريهما، ونعود إلى مكرم محمد أحمد الذى كان يمثل نجم الملتقى بلا منازع فقد كان بالإضافةإلى ثقافته المهولة يمتلك مخزونا هائلا من الذكريات التى تراكمت لديه نتيجة لاشتغاله مراسلا حربيا قام بتغطية عدد من الحروب من أهمها الحرب اليمنية التى لم يكن يتحدث عن وقائعها الغريبة والمثيرة فحسب، ولكنه كان أيضا على وعى عميق بالخريطة الاجتماعية القبلية لليمن وطبيعة القوى الفاعلة والمؤثرة فيها من الداخل والخارج، وقرب نهايات الثمانينيات من القرن الماضى وعندما كان رئيسا لمجلس إدارة الهلال ورئيسا لتحرير مجلة المصور كان، وهو خريج قسم الفلسفة المستنير ـ كان يشعر بالقلق الشديد من هذه الردة الحضارية التى طرأت على المجتمع المصرى والتى سمحت للاتجاهات الظلامية أن تتصاعد وتتغلغل فى كثير من القطاعات إلى حد أن محكمة الجيزة للأحوال الشخصية أن تصدر حكما بتطليق امرأة من زوجها، وذكرت فى حيثيات حكمها أنها قد ثبت لها بشهادة الشهود أن الزوج قد تزوج بأخرى من بنات الجن، وأن الضرة الجنية تسىء معاملة ضرتها الإنسية، فى تلك الفترة جعل مكرم من التنوير رسالة المصور الأولى وأفسح المجال لعدد من الكتاب التنويريين كان من أبرزهم حسين أمين نجل العلامة الإسلامى أحمد أمين وشقيق الدكتور جلال أمين الذى كان بدوره كاتبا تنويريا آخر، وقد كان هذا الموقف من جانب مكرم سببا أساسا من الأسباب التى جعلته عرضة للاستهداف من جانب جماعة ظلامية تطلق على نفسها اسما هو: «الناجون من النار»، وفى مساء يوم الخميس 7يونيو 1987 خرج مكرم من مكتبه فى شارع المبتديان واستقل سيارته متجها إلى ميدان التحرير ثم إلى شارع التحرير متجها إلى باب اللوق متجها إلى العمارة21 التى تقع على ناصية شارع فهمى، ولم يلتفت إلى سيارة كانت تسبقه مباشرة وقد نزع عنها زجاجها الخلفى، وفجأة، وعندما أبطأت سيارته قليلا نتيجة للزحام برز ثلاثة يحملون الأسلحة الآلية وراحوا يمطرون سيارته بوابل من النيران، وعلى الفور ارتمى الأستاذ على أرضية السيارة فى ردة فعل خاطفة اكتسبها من طول تمرسه فى ميادين المعارك وتعرضه أكثر من مرة للموت فيها ، دون أن يثنيه هذا يوما عن القيام بما يؤمن أنه واجبه أو الانحراف عن طريق يؤمن أنه طريقه، وهذه هى الأستاذية الحقة.