بعد استلام مصر 15 طفلا من أبناء الإرهابيين بليبيا.. ننشر تفاصيل برنامج التأهيل النفسى لأبناء المدانين فى قضايا الإرهاب

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


برامج التدريب النفسى والاجتماعى تعتمد على غرس قيم الانتماء والولاء للوطن وتصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة

تخوض معظم الدول ومن بينها مصر تحدياً جديداً فى التعامل مع أبناء المدانين فى قضايا الإرهاب الذين فقدوا آباءهم وذويهم فى عمليات إرهابية ضد القوات الأمنية من الجيش والشرطة، حيث تلقى هؤلاء الأطفال دروسًا حول أنواع الأسلحة، وأصناف الفقه والفكر المتشدد التى يتبناها التنظيم، وكان يتم تجميعهم ليروا مشاهد قطع رءوس وإعدامات ينفذها جلادون لا تزيد أعمارهم عن 12 عامًا، وبالنظر إلى حياة هؤلاء الأطفال بعد تحريرهم من داعش تجدها مسلوبة الطفولة.

ففى مصر يتم التعامل بحكمة مع أبناء الإرهابيين ممن فقدوا آباءهم وذويهم فى عمليات إرهابية ولم يستدل على أقارب لهم ترعاهم، فيتم إيداعهم فى دور رعاية تتبع جهات الدولة ليتم تقديم الدعم النفسى والاجتماعى والصحى لهم لتنشئتهم من جديد وفق نظام اجتماعى سليم. 

وهناك عدة سيناريوهات للتعامل مع أطفال العناصر الإرهابية، السيناريو الأول المحتمل لمستقبل هؤلاء الأطفال، هو إعادة دمجهم داخل المجتمع، لكن هذه الخطوة لابد أن تسبقها مرحلة إعادة تأهيل نفسى وتعليمى ومجتمعى، خصوصا أنهم عاشوا فى ظروف استثنائية، وإعادة التأهيل ليس أمراً مستحيلاً بل يتطلب برامج علاجية وميزانيات وأماكن مخصصة، إضافة لمتخصصين فى الطب النفسى والاجتماعى ووقت ومجهود لتعاون بين الجهات المسئولة.

السيناريو الثانى هو ترك أطفال داعش دون تأهيل أو دمج داخل المجتمع، وهذا الوضع يعيد إنتاج متطرفين جدد يؤمنون بحمل السلاح ومحاربة أبناء مجتمعاتهم.

بعض الدول التى انتشرت فيها أزمة أبناء الإرهابيين، لجأت إلى تصفيتهم من حكومات الدول المتواجدين فيها وقواتها الأمنية، ومنها دولة ليبيا، فعلى سبيل المثال عثر الجيش الليبى على 125 طفلًا بينهم 15 مصريًا لم تتخط أعمارهم العشر سنوات وبعد أن تسلم الهلال الأحمر الليبى هؤلاء الأطفال لمحاولة إعادة تأهيلهم بالمجتمع، وجد أن أغلب المصابين أطفالا من أبناء العناصر الإرهابية، والأغرب أنهم من جنسيات عربية وأفريقية، حيث وصلت أعدادهم إلى نحو ١٢٤ امرأة و١٢٥ طفلًا، منهم من تعرض لإصابات والبعض توفى، وتم نقل السيدات للسجن ومعهن أطفالهن الذين لم تتخطَ أعمارهم عامين، وتم التحقيق مع السيدات من قبل الجهات الأمنية، وتكفل بهم بعد ذلك الهلال الأحمر، وقدم لهم دعما نفسيا وعمليات جراحية وعلاجية، ثم تم إيواؤهم فى أماكن خاصة داخل مصراتة، وتوفير كل احتياجاتهم.

ومن بين الأطفال الذين عادوا إلى مصر كانت «جومانة» والتى تبلغ من العمر 8 سنوات، فقد ذهبت مع والدها ووالدتها إلى ليبيا منذ عام ٢٠١٣ عندما أخبرها والدها أنهم ذاهبون للعمل والعيش هناك، إلا أن الحقيقة تمثلت فى أن والدها انضم لجماعات إرهابية، وفقدت جومانة والديها فى عملية تحرير مصراتة، وتم إنقاذها بعد ثلاث سنوات، وقالت إنها لم ترَ والديها منذ أكثر من ٣ أشهر، ولا تعلم إن كانا قُتلا أم هَربا من مصراتة. 

وأضافت أنها وصلت إلى السودان مع أسرتها وأشقائها الصغار منذ عام فقط بعدما تركت مدينة المنصورة، وكانت مصابة بإصابات سطحية فى جسدها وفى اليد اليسرى، وتمت تهيئتها نفسيًا عبر متخصصين حتى وصلت للاستقرار النفسى.

 القصة الثانية كانت لطفل مصرى عمره ٧ سنوات، استغرق فترة كبيرة حتى ينسى مشاهد الإرهاب، ويوضح معالجه النفسى أنه حتى وقت قريب كان يستيقظ مفزوعًا وكأنه فى معركة، يحمل أسلحته الصغيرة من الألعاب وكأنها حقيقية، وكان يمسك باللعبة ويلقيها كأنها قنبلة يريد أن يفجر بها الأطباء والأطفال، لكنه الآن بدأ فى التحسن شيئًا فشيئًا.

أما «عبد الله» من المنصورة مصرى ولد بالسعودية، فقد أصيب بشظية فى الجهة اليسرى من الرأس، خلال المداهمات بعد أن تطرف والده وشارك فى أعمال إرهابية مع القوات الأمنية والمدنيين، وبدأ الطفل بعدها برنامجاً علاجياً وتأهيلياً على يد متخصصين، إلى أن تماثل للشفاء والعلاج النفسى والاجتماعى. 

أيضا الطفلة هاجر حميد، من محافظة الشرقية، ناجية من الاشتباكات المسلحة بمدينة سرت، عادت إلى مصر وخضعت للعلاج النفسى والاجتماعي بعد أن فقدت كل ذويها فى ليبيا.

وكان بعض الأطفال الذين تم تأهيلهم نفسيا واجتماعيا فى أسابيعهم الأولى أثناء تلقى العلاج يظهرون تعصبا فكريا خصوصا فى أوقات الصلاة إلا أنهم مع العلاج النفسى والتأهيلى على يد المتخصصين أصبحوا يدركون المعنى الحقيقى للصلاة والدين والمواطنة ليتم تنشئتهم فى بيئة صالحة تؤهلهم للاندماج فى المجتمع مرة أخرى كمواطنين أسوياء. 

ويعتمد تأهيل أطفال العناصر الإرهابية على حسب الفئة العمرية التى ينتمى لها كل طفل فالأطفال حديثو الولادة حتى سن العشرة سنوات يكون تأهيلهم أسهل وأكثر فاعلية فى دور الرعاية عن الأطفال الأكبر سنا، وهناك عدد من البرامج النفسية والاجتماعية والتأهيلية التى يخضع لها هؤلاء الأطفال مع بعض المختصين من مؤسسات الدولة المختلفة وذلك حسب فئة كل طفل.

إلا أن بعض الأطفال الذين فقدوا آباءهم من العناصر الإرهابية فى عمليات إرهابية ضد القوات الأمنية من الجيش والشرطة بعضهم يكون لهم صلة قرابة مع الأخوال والأعمام والذين مازالوا على قيد الحياة، ومن هنا يتم نقل الوصاية لهؤلاء الأطفال لأقاربهم مع متابعة مستمرة من مؤسسات الدولة المعنية حرصا على سلامتهم. وتعتمد برامج التدريب النفسى والاجتماعى والسلوكى لهؤلاء الأطفال فى البداية على تغيير المفاهيم المغلوطة والتى ظلت مترسخة لسنوات طويلة نتيجة تنشأتهم فى وسط غير صحى مع آبائهم من العناصر التكفيرية، وهنا يأتى دور المتخصصين فى مجالات التنشئة السلوكية والرعاية وتقويم السلوك والتى قد تحتاج إلى سنوات طويلة لتغيير تلك المفاهيم وغرس قيم الانتماء والولاء للوطن فضلا عن تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة.