عائشة نصار تكتب: الكمامة «الإرهابية».. آخر صيحات تنظيم القاعدة

مقالات الرأي



ذئاب مانهاتن.. دليل التنظيم الجديد لتسميم الكمامات وإخفاء الوجه فى هجمات كورونا بالغرب

يتجاهل تنظيم القاعدة حالة الجدل والارتياب الأخيرة بشأن مصير زعيمه أيمن الظواهرى، والتسريبات المتداولة عن وفاته متأثرًا بأمراض القلب وسرطان الكبد، وكذلك انتظار العالم صدور تأكيد رسمى من قبل القاعدة، ينفى الخبر، أو يجزم بصحته.

يختار التنظيم الإرهابى فى ذلك التوقيت الدخول على خط الموجة الثانية من وباء كورونا، إذ أطلق، جيش الملاحم الإلكترونى، وهو ذراع إعلامية تابعة لتنظيم «القاعدة»، الجمعة الماضية، العدد الأول من مجلة «ذئاب مانهاتن»، باسم يستلهم ذكرى منفذى هجمات 11 سبتمبر 2001.

ويعيد إلى الواجهة ضربة التنظيم الكبرى، ضد الولايات المتحدة الأمريكية، فى عهد مؤسسه وزعيمه الأول أسامة بن لادن، والتى يطلق عليها «غزوة مانهاتن».

بغلاف قاتم، يحمل توقيع القاعدة، لكنه يتقمص أداء داعش هذه المرة، باستراتيجية تصدير الرعب والفزع، وبصور الدم، واللهب المشتعل، زف التنظيم الإرهابى، البشرى لأنصاره بأن المجلة القاعدية الجديدة، الصادرة بثلاث لغات هى العربية والإنجليزية والفرنسية، ستكون دليلًا وكتالوج عمل، لذئابه المنفردة فى الغرب، لتنفيذ عمليات إرهابية فى «ديار الصليبيين».

وأنها ستقدم الإرشادات اللازمة لمن سماهم بـ«شباب الجهاد»، وتوجه العناصر الإرهابية الموالية للتنظيم، فى مختلف المجالات، عسكرية وتقنية، وغير ذلك، وذلك فى سبيل «تحريض جميع القائمين فى ديار الصليب» و«تبيان طرق القتال وكيفية نشر الإرهاب بين أعداء الإسلام بكل مللهم وعلى اختلاف عقائدهم».

تصدرت استراتيجية التنظيم الجديدة فى التعامل مع الموجة الثانية من وباء كورونا، العدد الأول من «ذئاب مانهاتن»، بسيناريوهات انتهازية، تستثمر الإجراءات الاحترازية للوقاية من الإصابة بالفيروس، فى تنفيذ مخططات إرهابية، فوجه التنظيم عناصره قائلًا «جائحة كورونا أعطتك أيها الذئب المجاهد فى ديار الصليبيين الكثر من الفرص، فإيّاك أن تضيعها».

ومع انتشار مهنة بيع الكمامات فى ظل جائحة كورونا، يحرض تنظيم القاعدة ذئابه المنفردة، على تسميم الكمامات قبل بيعها للمستخدمين، وأن يضعوا فى أولويتهم فئات بعينها، خصها بالاستهداف وفى مقدمتهم الضباط المتقاعدين، والقائمين على أعمال ورجال المخابرات، وكذلك العسكريون، وعناصر الشرطة بأنواعها، ثم يأتى بعد ذلك دور رجال الأعمال والتجار، المؤثرين فى اقتصاد هذه الدول، وانتهاءً بـ«عموم الصليبيين» فى الدول الغربية.

وكما يوجه «القاعدة» الذئب المنفرد إلى استغلال الشوارع الخاوية، أثناء ساعات الحظر، المترتب على انتشار الجائحة، فى تنفيذ أعمال تخريبية، وإشعال النار فى السيارات، لا يفوت التنظيم أيضًا أن ينبه منفذ تلك الأعمال الإرهابية أن يتخذ إجراءاته الأمنية، الاحتياطية وأن يرتدى ثوبًا إضافيًا يخلعه، بعيدًا عن الكاميرات بعد انتهاء مهمته، بغرض التمويه، والحيلولة دون تعقبه بعد ذلك.

فى استراتيجيته الحركية الجديدة فى التعامل مع وباء كورونا، يرى تنظيم القاعدة أيضًا فى ارتداء الكمامات فرصة ذهبية، لإخفاء هوية الذئب المنفرد أثناء تنفيذه لهجومه الإرهابى، فيؤكد على عناصره، توظيف الكمامة «الإرهابية» عوضًا عن اللثام الذى كان وضعه لإخفاء ملامح الوجه من الكاميرات، أمرًا يثير الشكوك، فى الحالات الطبيعية، وكذلك الالتزام بارتداء القفازات المطاطية لعدم ترك البصمات، بعد أن أصبح ذلك أمرًا مألوفًا وشائعًا بين العامة، وفقًا للإجراءات الاحترازية.

الابتكار، والارتجال الجيد، أحد أدوات الذئب المنفرد الناجح، كما يقول الإصدار الحركى الجديد، الذى أصدره تنظيم القاعدة، قبل أيام أيضًا، فينصح التنظيم عنصره الإرهابى، بعدم حصر تفكيره وتقييد نفسه بما ورد فى «ذئاب مانهاتن» من إرشادات واقتراحات فقط، ولكن أيضًا تدوير هذه الاقتراحات، والابتكار من وحيها، فيقول له «حصر فكرك بما جاء فى هذه المجلة واستفد منها بجمع أفكارك وتذكر كيف ولدت غزوات مانهاتن من خلال خلط أفكار عمليات عدة».

فقدم التنظيم للذئاب المنفردة، قائمة ترشيحات بالعمليات الإرهابية المقترح تنفيذها من خلف كمامة كورونا ، وهى القتل بالأسلحة البيضاء، والقتل بالضرب بالحجارة والأثقال فوق الرقبة، والقتل بالأسلحة النارية، والتفجير بالقنابل اليدوية، وإضرام النيران فى المحال التجارية والشركات.

تستثمر القاعدة حالة الاهتمام العالمية بالتنظيم بعد تداول الأنباء، عن وفاة زعيمه أيمن الظواهرى، وبأكبر رد دعائى ممكن، تستنفر معنويات عناصرها وجمهورها، وتحاول الرد عمليًا على التوقعات بتداعى التنظيم، ومروره بأزمة كبرى بعد خسارته لأبرز قيادات الحركية، وآخرهم الرجل الثانى فى التنظيم، أبو محمد المصرى، الذى لقى مصرعه مع ابنته مريم، أرملة حمزة بن لادن، فى شوارع طهران، وذلك فى عملية أمريكية نفذها عملاء إسرائيليون لصالح الاستخبارات الأمريكية.

وبالقطع، تسجل القاعدة، «نقلة نوعية» فى التعامل مع جائحة كورونا، وتدخل السباق بقوة مع داعش، الذى استثمر انتشار الفيروس فى الترويج لنفوذه وعملياته الإرهابية منذ البداية.

فتباين تعاطى التنظيمين مع ظهور فيروس كورونا، فبينما صدر تنظيم القاعدة خطابًا تبنى فيه خطابا دينيًا يهدف إلى كسب تعاطف المسلمين، فى بيان بعنوان «السبيل لخروج البشرية من بطن الحوت: وصايا ومكاشفات بشأن وباء كورونا» دعا فيه الغرب إلى الانضمام للإسلام، تحالف داعش صراحة مع كوفيد 19، وأطلق لعناصره «نفير كورونا».

والآن يدخل تنظيم القاعدة بدوره على خط كورونا، بإصدار كتالوج عمل دورى لعناصره فى الدول الغرببة، ويدربهم على كيفية التعامل مع أدوات العصر التقنية والتكنولوجية «ليس فقط عبر الإنترنت بل حتى فى العالم الواقعى، تصوير دقيق بالأقمار الاصطناعية وكاميرات فى كل مكان من الشوارع وبرمجيات وبرامج ذكية لتحليل الوجوه وبصمتها والتعرف إلى الأشخاص، يشاهدون كل تحركاتك وحتى تعابير وجهك الدقيقة ويسمعون كل همساتك حتى تلك التى تهمس بها بصوت خافت».

فيوجه التنظيم ذئبه المنفرد إلى استثمار الأسلحة المتقدمة المرصودة من قبل أجهزة لكشف نشاطه، فى تضليل هذه الأجهزة نفسها، وبخطوات بسيطة أولها التكتم والسرية المطلقة لنواياه «لا تهمس... لا تتكلم... لا تشعر.. لا تبدى أى انفعالات ولا تظهر بأى مظهر».. كن «منزلاً بلا سور» يلفت انتباه اللصوص إليك.. وذلك دلالة على أن ينتهج الذئب المنفرد نمط حياة بسيط، لايثير الشكوك أو الشبهات، أو يلفت الانتباه إليه.

تضمن العدد الأول أيضًا من مجلة «ذئاب مانهاتن» وصفة مفصلة لكيفية نسخة مطورة من القنابل اليدوية «المولوتوف» أكثر فتكًا، كما تضمن العدد شرحًا لخوازمية «قيصر» وكيفية استخدامها فى التشفير، ضمن تعليمات حول الأمن الالكترونى ووسائل الحماية والتخفى عبر الإنترنت.

ما يفعله تنظيم القاعدة الآن، هو إعادة إنتاج، لما ما سبق أن قام به منظره الحركى السابق أنور العولقى، بمقالاته للذئاب المنفردة فى مجلة «إنسباير» بعنوان «كيف تصنع قنبلة فى مطبخ أمك»، وإرشاداته لهم باستثمار الوسائل المتاحة فى تنفيذ هجماتهم الإرهابية، وعدم انتظار التواصل مع التنظيم أو تلقى الدعم منه.