د. نصار عبدالله يكتب: عن رحيل وحيد حامد

مقالات الرأي




قبل أن يستكمل عام 2021 ثانى أيامه، رحل عنا وحيد حامد بعد أن أسعدنا على مدى ما يزيدعلى ثلاثين عاما بروائعه العديدة والمتنوعة بدءا من المقال الفنى المحكم مرورا بالقصة القصيرة والمسرحية وانتهاء إلى الدراما الإذاعية والتليفزيونية ثم أخيرا عالم السينما التى قدم لنا فيها وحدها واحدا وأربعين فيلما رائعا جمع فى الكثير منها بين كتابة القصة والسيناريو والحوار واكتفى فى بعضها الآخر بكتابة السيناريو المأخوذ عن رواية لكاتب روائى آخر (مثلما فعل مثلا فى فيلم: «عمارة يعقوبيان» المأخوذة عن رواية لعلاء الأسوانى تحمل العنوان ذاته)، وإلى جانب هذه الأفلام الواحدة والأربعين فقد قدم لنا من خلال شاشة التليفزيون نحو خمسة عشر مسلسلا دراميا ناجحا، وما يقارب عددها تقريبا من المسلسلات عبر أثير الإذاعة وإن كانت بعض هذه الأعمال الإذاعية الناجحة قد حولها فيما بعد إلى دراما تليفزيونية فلقيت على شاشة التليفزيون نجاحا يفوق ما حققته عندما كانت مجرد خماسيات أو سباعيات إذاعية على سبيل المثال: «أنا وأنت وساعات السفر» التى كانت فى الأصل خماسية إذاعية أو ربما سباعية..لا أذكر على وجه التحديد لكننى أذكر أنها قد أعيدت إذاعتها أكثر من مرة، وفى كل مرة كنت أستمع إليها من جديد وكأننى أستمع إليها أول مرة، يشاركنى فى ذلك صديقى ورفيق غرفتى فى استراحة جامعة سوهاج العالم الأثرى والفنان الراحل الدكتور محمد غيطاس الذى كان عاشقا لهذا العمل ومعتبرا إياه واحدا من كلاسيكيات الدراما الإذاعية المصرية، وفيما بعد واحدا من كلاسيكيات الدراما التليفزيونية، ولم أكن لأختلف عنه كثيرا فى هذا الرأى فى عمل يمس شغاف القلب بما ينطوى عليه من رومانسية ناضجة، وهى شىء آخر مختلف تماما عن بعض الرومانسيات الفجة التى كثيرا ما نجدها عند بعض الكتاب والشعراء الرومانسيين المصريين وغير المصريين!، ولقد أتاح لى حسن الطالع فيما بعد أن أتعرف على وحيد حامد وأن أعرفه عن قرب عندما تزاملنا يوما وتزامل معنا أيضا كاتب درامى أحترمه كثيرا هو محفوظ عبدالرحمن، عندما تزاملنا فى عضوية مجلس إدارة اتحاد الكتاب الذى كان لى شرف المشاركة فى تأسيسه جنبا إلى جنب مع باقى أعضائه المؤسسين، كما كان لى شرف أن انتخب عضوا فى مجلس إدارته فى أكثر من دورة من دوراته ومن بينها تلك الدورة التى تزاملت فيها كما اسلفت الإشارة مع وحيد حامد ومحفوظ عبدالرحمن وعدد آخر من الكتاب الذين انتقل أغلبهم إلى رحاب الله ومن بينهم رئيس الاتحاد نفسه فى تلك الفترة من منتصف تسعينيات القرن الماضى وأعنى به الكاتب المسرحى الرائع سعدالدين وهبه ...ولما كنت فى تلك الفترة من كتاب «روزاليوسف» التى كنت أنشر فيها بين الحين بعض المقالات بينماكان وحيد حامد يكتب فيها بشكل شبه منتظم الصفحة الداخلية من الغلاف فقد خطر لى أن أسأله عن الأجر الذى يتقاضاه من «روزاليوسف» على تلك المقالات الرائعة (إذ إننى شخصيا لم أكن أتقاضى شيئا مكتفيا بشرف توصيل آرائى إلى القراء فى مجلة ذائعة الانتشار مثل روز اليوسف) وقد كانت كذلك بالفعل بعد أن تولى أمرها الصحفى الموهوب عادل حمودة فتجاوز توزيعها مائة ألف نسخة بعد أن كانت قد أصابها الانكسار ولم تعد توزع إلا آحادا من الآلاف تقل عن عدد أصابع اليد الواحدة، وشد ما كانت دهشتى عندما أجابنى إنه مثلى لا يتقاضى منها مليما واحدا وإن ما يدفعه إلى الاستمرار فى الكتابة فيها هو نفس ما يدفعنى ألا وهو توصيل رأيه المباشر عبر وسيط صحفى واسع الانتشارّ!!، وعندما قلت له إنك قادر على توصيل آرائك عبر وسائط يسمعها ويشاهدها الملايين لا عشرات الآلاف أو حتى مئاتها فى أحسن الفروض، أجابنى هناك فرق بين رأيك المباشر الذى تقوله دون مواربة، وبين ما تقدمه من إبداع حتى لو انطوى على رأى ما فالأخير هو ما يفهمه المتلقى من العمل وما يتأوله منه، وكثيرا ما تتعدد التأويلات وتتباين مستوياتها للعمل الفنى الواحد، ولولا هذا لما كان العمل منتميا إلى الفن أصلا، يبقى أن أقول إن وحيد كان كلما قدم عملا جديدا ساورته الشكوك والوساوس ألا يقع العمل الجديد موقعا لائقا بين جماهير متلقيه، ولهذا السبب كان يشفق على نفسه من حضور العرض الأول ويفضل أن يتلقى وصفا لرد فعل الجمهور من أحد الأصدقاء الذين قدر لهم أن يشهدوا العرض، وهنا أذكر أنه اتصل بى يوما ليقول لى: هل أنت فى القاهرة قلت له نعم أنا فيها بالمصادفة، قال لى: هذا الأسبوع سوف يعرض فيلم: طيور الظلام، أرجوك أن تشاهد العرض ثم تقول لى: أولا ما هو رأيك أنت شخصيا، ثم كيف استقبل الجمهور العرض؟ وعندما اتصلت به لأقول: عمل بديع ..أما استقبال الجمهور فقد كان مذهلا ...حينئذ سمعته وهو يتنفس نفسا عميقا ويقول: الحمد لله ..الحمدلله ... وهكذا هو الفنان دائما.