مغامرة فى سوق الأعضاء من إعلانات الصحف القومية.. لعبة الفريسة والصياد بين الغلابة المتبرعين وشياطين السمسرة

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


على صفحات الإعلانات المبوبة بالصحف القومية خاصة جريدتى الجمهورية والأهرام تنتشر إعلانات يومية تحت عنوان «مطلوب متبرع»، أغلب هذه الإعلانات تطلب التبرع بالـ«كلى»، متبوعا بأرقام الهواتف وفصيلة الدم الخاصة بالمريض، كثرة الإعلانات أثارت فضولنا لتتبعها، لنعرف ماهية الجهة التى تحرص على نشر هذه الإعلانات بشكل يومى دون كلل أو ملل.

على مدار ٢٥ يوما حصرنا كافة الأرقام الخاصة بطالبى التبرع وبلغت ٥٠ إعلانًا، جميعها تحمل ذات التفاصيل، وبالتواصل معها تبين أن أغلبها عبارة عن سماسرة لتجارة الأعضاء البشرية، وهو ماظهر مع أول اتصال حيث انتشرت لصاحب رقم الهاتف أكثر من إعلان، ومع بداية تحدثنا معه باعتبارنا متبرعين أخبرنا أنه يعمل كوسيط فى هذا المجال منذ 15 عاما، ويتخذ من منطقة المطرية مركزا رئيسيا لعمله.

1- سمسار المطرية 

تكرر الرقم بين إعلانين أحدهما بتاريخ ٢٠ فبراير الماضى وآخر بتاريخ ٢٨ فبراير، يطلب متبرع «كلى» هاتفنا الرقم بصفة متبرع فى البداية فأجاب أنه سيوفر لنا مبلغ ٦٠ ألفًا مقابل «الكلى» الواحدة شرط إرسال تحاليل دم وpcr له عبر «الواتس آب»، وأشار أنه يحتاج الكلى لأحد أقاربه.

تطرقنا فى الحديث معه إلى أننا نسعى أيضا فى نفس الوقت إلى العثور على كلى لأحد الأقارب المصاب بفشل كلوى لكن فصائل الدم مختلفة، وهو ما دعانا إلى البحث عن متبرع، وبالتالى فنحن نسعى للتوصال مع كل كافة الاتجاهات من أجل الوصول إلى المتبرع، وفى هذه اللحظة كشف لنا عن هويته بعدما استفسر عن اسمى واسم المريض وعمره ومكان سكنه، وكيفية وصولنا اليه، وهى الأسئلة التى أجبنا عليها مؤكدين أن «ولاد الحلال» هم من أوصلونا به، وأن المريض من مدينة بنها.

سأل عن ديانة «ولاد الحلال» مؤكدا أن له عملاء فى المدينة مسيحيين، وجد لهم متبرعين فرجح أن يكون أحدهم أعطانا هاتفه، رحب «ا.ز» السمسار بنا وأشار إلى ضرورة مقابلته فهو يملك أحد المعامل الطبية بالمطرية ويعمل منذ ١٥ عامًا فى مجال زراعة الكلى «زرعت فى كل مستشفيات مصر خاصة وعامة، وماتقلقش على قريبك هوفرله متبرع وهيكون زى الفل».

لكن سمسار المطرية أراد أن يزيد مبلغ عمولته فطرح سؤال حول اتفاقنا مع طبيب ومستشفى لإجراء العملية فضلا عن الأوراق الرسمية من عدمه، وكى نحفز عامل الطمع لديه أشرنا أننا بدأنا بالبحث عن متبرع وبعد ذلك سنبحث عن الباقى، هنا التقط الطعم ولفت أنه يقوم بكافة الإجراءات حتى التعاقد مع المستشفى سواء خاصًا أو عاماً حسب مانريده.

وفى مكالمة هاتفية أخرى  سألناه عن السعر بعدما قال «مش هنختلف كتير» كانت إجابته على العملية بالكامل فضلا عن المتبرع وتحت يده حاليا ثلاثة أحدهم ٢٨ عامًا و٣٠ و٣٥ إضافة إلى الأوراق والإجراءات تصل التكلفة الاجمالية إلى ما يقرب ٢٦٠ ألف جنيه وهو موفر جدا حسبما أوضح.

حاولنا معرفة الأوراق والإجراءات بشكل تفصيلى، قال إنه يطول شرحها لكن يمكننى أن أهاتفه ليلا ليوضحها، وبالفعل أوضح أن القانون المصرى ينص فى التبرع بالأعضاء أن يكون المتبرع درجة قرابة أولى بالمريض ولذلك فهناك حيلة تستلزم أموالاً وهو استصدار شهادات مرضية وتحاليل مغالطة لكافة الأقارب حتى يسهل الحصول على متبرع ليس على صلة قرابة بالمريض.

وبعد الحصول على المتبرع فينص القانون أيضا بعدم وجود أى تعاملات مالية مع المتبرع لذلك يكون هناك محضر إثبات حالة بعدم حصول المتبرع على أى مبالغ مالية فضلا عن عقد فى الشهر العقارى بين المريض والمتبرع لإتمام الأوراق قانونيا والتمكن من إجرائها داخل أى مستشفى خاصة أو عامة، لافتا أن تلك الإجراءات يقوم بها بالكامل بعد الاتفاق دون نظهر فى الصورة مطلقا. وفى دراسة  صدرت عن منظمة الصحة العالمية، كشفت أن مصر تعد مركزًا إقليميًا للاتجار بالأعضاء البشرية، وصنفت مصر ضمن أعلى خمس دول على مستوى العالم فى تصدير الأعضاء البشرية مع كل من الصين، والفلبين، وباكستان، وكولومبيا. وتعتبر مصر الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن هناك قانوناً أصدر فى مصر عام ٢٠١٠ يجرم تجارة الأعضاء البشرية إلا أنه يبيح التبرع بها.    

2- رحلة مع سماسرة الإعلانات 

بخلاف السمسار فتشنا فى إعلانات التبرع الخمسين اخترنا أرقامًا عشوائية وهاتفناها وصل عددها لعشرة أرقام، كان بينها رقم ينتهى ٠٤٩، نشر بجريدة الجمهورية بتاريخ ٢٦/٢ هاتفناه بعدها بما يقارب الأسبوع سألناه عما إذا لايزال يحتاج متبرعًا أم وجد وكانت إجابته عدم الحصول على الشخص المناسب.

استفسرنا عن الحالة التى يحتاج لها زراعة الكلى فأشار أنها ابنة عمته، حاولنا الاستفسار عن ما إذا كان يعمل فى السمسرة أم لا، فأخبرناه أن لدينا ثلاثة متبرعين ونريد ثلاث حالات مقابل الحصول على مبالغ مالية، فكانت الاستجابة سريعة «على كام الواحد يا باشا» فأجبنا «على ٨٠ ألفًا» أشار أنه فى الوقت الحالى يحتاج متبرعًا واحدًا وسيشاور آخرين يعرفهم يحتاجون كلى بالشرقية ويرد علينا فى وقت قريب.

فى اليوم التالى من المكالمة تلقينا اتصالا منه يشير إلى أنه يريد المتبرع للذهاب إلى أحد المستشفيات فى القاهرة لعمل التحاليل للتأكد من موافقتها مع المريض توقفنا مع «م.أ» عند هذا القدر وكانت لنا مكالمة أخرى نكشف بها سمسارًا جديدًا.

تلك المرة كانت فى بورسعيد، رقم نهايته ١١٤ نشر فى جريدة الأهرام بتاريخ ٥ مارس الجارى عن متبرع بالكلى فصيلة a، استقبل مكالمتنا بالسؤال عن فصيلة الدم وأشرنا أنها الفصيلة المطلوبة وبعد قليل من الحديث وجهنا الدفة نحو أن لدينا عددًا من المتبرعين «عاوز أكل عيش ومعايا كتير ممكن يتبرعوا» فأشار إلى أنه يريد متبرع بـ٥٠ ألف جنيه وسيبحث عن آخرين يريدون متبرعًا ويتواصل معنا إذا كنت موافقًا فسنتقابل فى القاهرة أمام المستشفى التى سيجرى بها العملية ونتفق على كل شىء شرط اصطحاب تحاليلنا معهم.

وكانت لنا مكالمة أخرى مع رقم نهايته ٥١٦، نشر إعلانه بجريدة الأهرام بتاريخ ٢٦ فبراير الماضى، وبالتواصل معه تأكدنا أنه حالة حقيقية ويحتاج بالفعل إلى متبرع لزوجته البالغة من العمر ٥٠ عاما وتريد أن تجرى عملية زراعة كلى، لكنه لفت أنه بعد نشره للإعلان واجه عالمًا كبيرًا من سماسرة الأعضاء والتى اكتشف أن لها مكاتب وحدثته عن توفير متبرعين بمبالغ تراوحت من ٦٠ ألفا إلى مائة ألف جنيه، لكنه رفض التعامل معهم.

وعن قانون التبرع الصادر فى ٢٠١٠ لفت محمد سعد، الخبير القانونى، أن المادة الرابعة منه تنص على أنه: لا يجوز نقل أى عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حى لزراعته فى جسم إنسان آخر، إلا إذا كان ذلك على سبيل التبرع فيما بين الأقارب من المصريين، ويجوز التبرع لغير الأقارب؛ إذا كان المريض فى حاجة ماسة وعاجلة لعملية الزرع، بشرط موافقة اللجنة الخاصة التى تُشكل لهذا الغرض بقرار من وزير الصحة وفقًا للضوابط والإجراءات التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون، وعلى الرغم من ذلك لا تزال هناك حيل من السماسرة للهروب من القانون.

3- مستشفيات الزراعة

خلال اتصالاتنا بأرقام نشرت فى الصحف القومية بشكل يومى حاولنا كشف تفاصيل مختلفة حول أماكن الزراعة وبيزنس زراعة الكلى فى المستشفيات وجدنا اسمًا لمستشفى شهيرة بالدقى تكرر فى أربعة اتصالات بشكل عشوائى، فضلا عن مستشفى أخرى فى المعادى تكرر فى خمس مكالمات.

وأشار محمد محمود، زوج أراد زراعة الكلى لزوجته أن اقتراح إعلان الجريدة للحصول على متبرع كانت مشورة «حسين.م» أحد الإداريين بأحد مستشفيات الدقى وكلفه الإعلان ٣٠٠ جنيه وتلقى منه خلال أسبوع ٢٠ عرضًا من متبرعيان ومن سماسرة ومن مكاتب، وتبلغ تكلفة العملية فقط فى المستشفى نحو ١٥٠ ألفاً والمتبرع حسب الاتفاق. أما مستشفى «ا ا» بالمعادى فقد ذكرها لنا سمسار المطرية فى مكالمته وأشار إلى أنه يتعامل مع طبيب هناك يدعى «ا.ف»، أيضا سمسار الشرقية يتعامل مع المستشفى ذاتها فالحالة التى لديه ستجرى العملية هناك ورقم آخره ٧١٦ نشر إعلان لا للوسطاء عندما تحدثنا معه قال إنه سيجرى العمليه فى المستشفى ذاتها.

وكان بين الأرقام المتواصلين معها حالات وجدت متبرعًا وقامت بإجراء العملية منهم رقم نهايته ٣٩٥ نشر إعلانه فى الجمهورية بتاريخ ٢٦ فبراير لحاجته لمتبرع فصيلة دم o، عندما تواصلنا معه قال إنه وجد متبرعًا واتفق معه على مبلغ ٦٠ ألف جنيه.

ورقم آخر نهايته ٤٢٥ كان يحتاج متبرعًا فصيلة A لطفلة عمرها ٨ سنوات تواصلنا معه مرتين أحداهما بتاريخ ٢٩ فبراير لم يجد وقتها متبرعاً بسبب عدم تطابق أنسجة المتبرعين،  وكان الرقم الذى حدده ٥٠ ألفا ومرة أخرى بتاريخ ٦ مارس وجد المتبرع ولكن بـ٦٠ ألفا.