د. نصار عبدالله يكتب: الأحوال الشخصية: حكايتان من القرن العشرين

مقالات الرأي




يحتدم الجدل حاليا حول المشروع الجديد لقانون الأحوال الشخصية الذى يشيد الكثيرون بما انطوى عليه من إيجابيات، فى حين يحذر آخرون مما يرونه سلبيات واضحة فى بعض مواده، وفى هذا الخصوص تذهب بعض الآراء المدافعة عن حقوق المرأة إلى أن هذا القانون بما انطوت عليه إحدى مواده من إعطاء الحق لأطراف أخرى غير الزوجة فى أن تتدخل وتطلب فسخ العقد أوالحكم ببطلانه متى رأت أن هذا الأمر فى مصلحة الزوجة بغض النظر عن رأى الزوجة نفسها التى قد تكون سعيدة وراضية بمن اختارته هى بنفسها زوجا لها،.. وفى رأى تلك الاتجاهات النسوية أن فسخ عقد الزواج هو حق ينبغى ألا يتقرر لغير الزوجين، وبوجه خاص ينبغى أن يتقرر للزوجة باعتبار أنها هى التى يقع عليها الضرر فى معظم الحالات، والقول بغير ذلك يعيد المرأة إلى الوراء قرنا كاملا أو ما يربو على القرن من الزمان، ومن الجدير أن نذكر القراء هنا بأن القرن العشرين قد شهد حكايتين مدويتين اختلطت فيهما المأساة بالكوميديا، وأصبحتا كلاهما فى حينهما الشغل الشاغل للرأى العام فى مصر وفى خارج مصر،...كانت أولاهما فى بداية القرن العشرين والأخرى فى نهايته، وفى كلتا الحكايتين رأينا شخصا يتقدم إلى القضاء طالبا الحكم بالتفريق قسرا بين زوجين رضى كل منهما بالآخر بعد أن اختاره شريكا له، والمحزن حقا فى كلتا الحالتين أن القضاء قد استجاب للطلب وقضى بالتفريق بين الزوجين لأن الزوج فى رأيه ليس كُفْئا للزوجة!، أما القضية الأولى التى صدر فيها حكم بالتفريق فقد كانت هى قضية الشيخ على يوسف رئيس تحرير جريدة «المؤيد» ذائعة الصيت فى ذلك الزمان الذى شاء له قدره أن تقع الآنسة صفية كريمة الشيخ السادات شيخ الطريقة الساداتية فى حبه... كان الشيخ السادات واسع الثراء فضلا عن كونه عريق المحتد إذ إن نسبه يمتد إلى سيدنا الحسين بن على رضى الله عنه، أما الشيخ على يوسف فقد ولد لأسرة فقيرة فى قرية فقيرة هى قرية بلصفورة القريبة من مدينة سوهاج، حيث هاجر منها بعد ذلك إلى القاهرة طلبا للعلم والرزق، فالتحق بالأزهر ثم عمل بالصحافة حيث نجح نجاحا مذهلا جعله قريب الصلة من رجال السياسة ونجوم المجتمع وعلى رأسهم الخديوِ عباس حلمى الثانى والشيخ السادات نفسه الذى كان يزوره فى منزله حيث التقى بابنته صفية ووقع كل منهما فى حب الآخر فقد رأت فيه صفية فتى وسيما أنيق العمامة والقفطان، ورأى فيها فتاة يزيد وزنها على مائة كيلوجرام أى أنها قد كانت جميلة جدا بمقاييس الجمال فى ذلك الجمال!!، فتقدم على الفور لخطبتها مما أوقع الشيخ السادات فى حرج شديد، فهو لا يستطيع أن يرفض طلبا لصديقه الذى يحظى فى نفس الوقت بصداقة كبار رجال الدولة وعلى رأسهم الخديوِ نفسه، كما يحظى أيضا بإعجاب الآلاف المؤلفة من قراء جريدة المؤيد فى مصر وفى خارج مصر، لكنه فى نفس الوقت لا يستطيع أن يستبعد من خاطره أن الشيخ على يوسف رغم مكانته الرفيعة الراهنة هو سليل أسرة معدمة لا يمكن مقارنتها بحال من الأحوال بأسرة السادات نفسه، وإزاء هذه المعضلة فقد وافق الشيخ السادات على الخطوبة لكنه راح يماطل فى إتمام الزواج على أمل أن تنطفئ النار المتأججة فى قلب واحد من الخطيبين فيكون الشيخ السادات بذلك قد جاءه الفرج !!، غير أن المماطلة لم ينتج عنها إلا أن النار المتأججة فى القلبين قد ازدادت تأججا ثم أدت فى النهاية إلى فضيحة (من وجهة نظر الشيخ السادات) إذ إن صفية قد هربت يوما من بيت أبيها، وبعد ذلك تم عقد قرانها على خطيبها، وجن جنون الأب، ولم يجد أمامه وسيلة سوى أن يلجأ إلى القضاء طالبا فسخ العقد والتفريق بين الزوجين لعدم التكافؤ، وأجابه القضاء إلى طلبه حيث أصدر الشيخ أبو خطوة (وهو القاضى الذى فصل فى الدعوى)، أصدر حكما تاريخيا شهيرا بالتفريق جاء فى حيثياته أن صفية هى سليلة الحسب والنسب التى يمتد نسها إلى أشرف خلق الله بينما المدعو على يوسف لا يعلم من آبائه إلا أبوه يوسف، فضلا عن أنه يمتهن مهنة وضيعة ألا وهى مهنة الصحافة التى تتطرق إلى أخبار الناس أى أنها مهنة قائمة على الغيبة والنميمة وهى أمور منهى عنها شرعا، أضف إلى ذلك أنه قد ثبت للمحكمة أنه يكتب الشعر والأدب وهى أمور ذميمة فى مجملها، أما نقيصته الكبرى فتتمثل فى أنه محدث نعمة فهو وإن كان قد اغتنى مؤخرا، إلا أن هذا لا يمحو عنه وصمة الفقر التى طالما لحقت به وبآبائه من قبله، ولهذه الأسباب فقد حكمت المحكمة بالتفريق بين سليلة الحسب والنسب السيدة صفية بنت الشيخ السادات وبين المدعو على يوسف، وللحديث بقية.