ما هي التوقعات المحيطة بصناعة الصلب مستقبلا

الاقتصاد

بوابة الفجر


 شددت الصين الإجراءات المحلية لمكافحة التلوث، وكانت التدابير المتخذة تلقي بثقلها على أسعار خام الحديد المكون الأساسي لصناعة الصلب، فانخفضت الأسعار انخفاضا حادا.
وخلال العام الماضي وعلى الرغم من جائحة كورونا، كان خام الحديد من أفضل السلع أداء، إذ بلغ سعر الطن 160 دولارا بارتفاع 75 في المائة نتيجة الطلب القوي من الصين أكبر مستهلك للخام، وترافق الطلب الصيني المرتفع مع تعطل الإمدادات من أستراليا والبرازيل، ما جعل ميزان العرض والطلب يختل لمصلحة الطلب ومن ثم ارتفعت الأسعار.
ونتيجة هذا الأداء المميز ارتفعت أرباح شركات الإنتاج الرئيسة، التي نجحت على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الحرجة على المستوى العالمي في توزيع أرباح ملموسة على المساهمين.
لكن هذا المشهد الإيجابي بدأ يفقد بريقه هذا الشهر، فبعد أن وصل سعر خام الحديد إلى 178 دولارا للطن، وذلك في أعلى سعر يحققه في عشرة أعوام، انخفضت الأسعار إلى 163.56 دولار لترتفع بعد ذلك إلى 168 دولارا.
ويفسر الخبراء في بورصة لندن هذا الوضع بقلق الأسواق من تشديد الصين لتدابيرها الداخلية لمكافحة التلوث، حيث ستبلغ ذروة الانبعاثات الكربونية في الصين 2030 قبل أن تصل إلى ما يعرف بالحياد الكربوني أي أن يبلغ التلوث صفرا في المائة بحلول 2060، وقد تطلب ذلك من السلطات الصينية أن تعمل على تنظيف صناعة الصلب والتخلص من القدرة الإنتاجية الفائضة فيها، حيث تعد تلك الصناعة المصدر الرئيس لتلوث البيئة في الصين، ويقدر المسؤولون في الصناعة أن قطاع الصلب يتحمل 15 في المائة من إجمالي الانبعاثات الغازية في البلاد، وذلك بعد تجاوز إنتاج الصين من الصلب مليار طن العام الماضي، وسط توقعات بأن ينخفض الإنتاج هذا العام.
ويبقى السؤال ماذا عن مستقبل أسعار الصلب؟ وما التوقعات المحيطة بالصناعة مستقبلا؟
المحلل المالي في بورصة لندن آدم سونتون يرى أن أسعار الصلب هذا العام ستتشابه مع سيناريو عام 2008، فبعد الارتفاع السريع في الأسعار في النصف الثاني من 2020 وأوائل هذا العام، يرجح أن تشهد الأسعار انخفاضا حادا في الأشهر المقبلة.
ويقول لـ"الاقتصادية": ارتفعت الأسعار لكل من منتجات الصلب المسطحة والطويلة بشكل كبير في النصف الثاني من العام الماضي، وكان أحد الدوافع الرئيسة هو النقص في كل من منتجات الصلب المحلية والمستوردة بعد أن بدأ الطلب العالمي في التعافي.
ويضيف، "هناك سيناريوهان محتملان الأول أن تنخفض الأسعار بشكل كبير لكن مستوى السعر يجب أن يظل مرتفعا، مقارنة بالعام السابق، أو أن الأسعار ستنهار على غرار ما حدث في 2008".
مع هذا يراهن عديد من منتجي الصلب على سوق السيارات وأن تؤدي زيادة الطلب العالمي على السيارات إلى زيادة موازية في الطلب على الصلب، فأحد العوامل التي تقف وراء الارتفاع اللافت لأسعار الصلب منذ بداية العام هو الطلب القوي على السيارات في الصين وأوروبا حاليا.
إلا أن آدم سونتون يؤكد أن الارتفاع الراهن في الأنشطة الشرائية من مصنعي السيارات مدفوعة بشكل أساسي بتراكم الطلب بعد توقف معظم إنتاج السيارات أثناء الإغلاق، ولهذا من المتوقع أن ينخفض الطلب في سوق السيارات بعد فترة ومعه الطلب على الصلب.
من جانبها، تؤيد سارة نورث نائبة مدير شركة راينهام البريطانية للصلب وجهة النظر أعلاه.
وتقول لـ"الاقتصادية"، إنه "على الرغم من الاتجاه الصعودي الحالي للسعر، فإن الحالة المزاجية في السوق تزداد انخفاضا، وهناك شعور بأن هذا الارتفاع لن يدوم طويلا، وسيستمر بحد أقصى حتى نهاية التسليم في الربع الثاني من هذا العام، وبمجرد أن يتوازن العرض والطلب مرة أخرى ستنخفض الأسعار، والآن بدأنا نلاحظ أن المشترين الرئيسين يتصرفون بحذر، وفي أفضل الأحوال سيظل الطلب قويا حتى نهاية العام مدعوما بالتوسع المتوقع في الإنتاج لدى جميع المستهلكين الرئيسين للصلب مثل منتجي السيارات والأجهزة المنزلية والسلع المعدنية".
ويشير عديد من التحليلات الجزئية المتعلقة بالطلب على أنواع الصلب المختلفة إلى أن أسعار الصلب المسطح ستبلغ ذروتها في الربع الأول من العام، عندما يخف العرض ويعيد المشترون بناء مخزوناتهم التي استنفدت العام الماضي، بعد ذلك ستتجه الأسعار إلى الهبوط بقية عام 2021، مع استبعاد أن تتعرض إلى الانهيار التام على غرار ما حدث 2008.
لكن تلك التوقعات تواجه بتوقعات مضادة من قبل بعض منتجي الصلب، الذين يعتقدون أن المستوى السعري الراهن لن يتراجع، بل يشير بعضهم إلى احتمال تحسن الأسعار على مدار العام الجاري والأعوام المقبلة.
الخبير الاستثماري في بنك جي بي مورجان ايدن تشارلز يرى أن وجهات النظر تلك تبنى على أساس مسار الاقتصاد الأوروبي، ولا تأخذ في الحسبان كثيرا أن الصين والولايات المتحدة تلجأ إلى الصلب لتحفيز اقتصاد ما بعد جائحة كورونا، وأن تجاوز الصين لتلك الأزمة سيدفعها إلى استهلاك وإنتاج مزيد من الصلب وبمعدلات أسرع مما فعلوا في الماضي.
ويؤكد لـ"الاقتصادية"، أن القيادة الصينية تضع نصب عينيها الهيمنة على إنتاج الصلب العالمي إلى حد أكبر من ذي قبل، حيث إنه في نيسان (أبريل) الماضي أنتجت المملكة المتحدة 1 في المائة فقط من الصلب العالمي بعد أن كانت تاريخيا مركز إنتاج الصلب في العالم، منذ طور المخترع الإنجليزي هنري بسمر طريقة لإنتاج كميات كبيرة غير مكلفة من سبائك الحديد في خمسينيات القرن الـ19، لينتج عنها الآن صناعة مترامية الأطراف تقدر بـ2.5 تريليون دولار ويعمل بها ملايين الأشخاص حول العالم.
ويضيف "في مقابل الإنتاج البريطاني أنتجت الصين 62 في المائة من الإنتاج العالمي من الصلب بعد أن كانت تنتج 38 في المائة فقط من الإنتاج العالمي عام 2008، ما يكشف عن اتجاه رسمي تتبناه الصين بأن تحتكر تلك الصناعة عالميا".
ويشير إلى أن الصين تسعى إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي ومن ثم ستكثف الاستثمار في مجال البنية التحتية من خلال زيادة اقتراض الحكومات المحلية، وعلى الرغم من أنه لم يتضح حتى الآن ما هي المشاريع التي ستحظى بالأولوية لدى القيادة الصينية، فإن المؤشرات تظهر أن تجديد المناطق السكنية والبنية التحتية، فضلا عن الاستثمار في قطاع السكك الحديدية والمضي قدما في مشروع الحزام والطريق يعني أن الطلب الصيني على الصلب سيرتفع وستواصل معه الأسعار ارتفاعها.
تراهن وجهة النظر تلك على أن الصين على طريق الانتعاش الاقتصادي، بينما توجد مشكلة في الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور.
وتدفع ذلك ببعض المضاربين على الصلب إلى ترجيح أن تشهد صناعة الصلب في أوروبا واليابان موجة جديدة من إعادة الهيكلة خلال الفترة المقبلة، سواء عبر التخلص من بعض الشركات أو بتعزيز عمليات الاستحواذ والدمج، بينما قد ينجو قطاع الصلب في الولايات المتحدة من هذا الوضع، خاصة بعد أن حصلت المخزونات على قوة دفع نتيجة خطط الرئيس الأمريكي بإنفاق تريليوني دولار على مدى أربعة أعوام لتعزيز الطاقة النظيفة وإعادة بناء البنية التحتية، ما أدى إلى ارتفاع أسهم شركات تصنيع الصلب الأمريكية الكبرى، بمعدلات تفوق الارتفاع الذي حققه مؤشر ستاندرد آند بورز 500.
وأظهرت إحصائية لمنظمة الحديد والصلب العالمية عن هبوط عام وشامل في إنتاج الصلب الخام في العالم نتيجة وباء كوفيد - 19، غير أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذكرت أن قدرة صناعة الصلب في الشرق الأوسط زادت بسرعة خلال الأعوام العشرة الماضية لتحقق نموا قدره 96.7 في المائة.
وأكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير نشر في تشرين الثاني (نوفمبر)، أن قدرة صناعة الصلب في الشرق الأوسط زادت بمقدار الضعف تقريبا، أو من 33.1 مليون طن في 2010 إلى 65.1 مليون طن في 2019 (+96.7 في المائة).
وتوقعت المنظمة أن يستمر النمو السريع خلال الأعوام القليلة المقبلة لتزيد قدرة صناعة الصلب في المنطقة 19.6 مليون طن إضافية (+30.1 في المائة) بحلول 2022، مقارنة بمستوى 2019 "إذا كانت جميع المشاريع الجارية تأتي على قدم وساق وفي غياب الإغلاق الناجم عن كوفيد - 19".
وبلغ إنتاج الصلب الخام العالمي لـ 64 دولة تمثل نحو 85 في المائة من إنتاج الصلب العالمي 156.4 مليون طن في أيلول (سبتمبر) 2020، بزيادة قدرها 2.9 في المائة، مقارنة بالشهر النظير في 2019. لكن بسبب الصعوبات المستمرة، التي يمثلها وباء كوفيد - 19، فإن عديدا من الأرقام لهذا الشهر هي تقديرات قد تنقح مع تحديث الإنتاج في الشهر المقبل.
ووصل إنتاج الصلب الخام العالمي في الأشهر التسعة الأولى من 2020 إلى 1,347.4 مليون طن، بانخفاض قدره 3.2 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من 2019.
خلال الأشهر التسعة الأولى من 2020 ومقارنتها بالفترة نفسها من 2019، أنتجت آسيا 1,001.7 مليون طن من الصلب الخام، بزيادة 0.2 في المائة. وأنتج الاتحاد الأوروبي 99.4 مليون طن، بانخفاض قدره 17.9 في المائة. في حين بلغ إنتاج أمريكا الشمالية 74.0 مليون طن، بانخفاض قدره 18.2 في المائة. وبلغ إنتاج مجموعة البلدان المستقلة (أذربيجان، أرمينيا، بيلوروسيا، كازاخستان، قرغيزستان، مولدافيا، أوزبكستان، روسيا، طاجاكستان، وتركمانستان) 74.3 مليون طن، بانخفاض 2.5 في المائة.
وأنتجت الصين 92.6 مليون طن من الصلب الخام في أيلول (سبتمبر) 2020، بزيادة 10.9 في المائة، مقارنة بذات الشهر من 2019. وأنتجت الهند 8.5 مليون طن، بانخفاض 2.9 في المائة. وأنتجت اليابان 6.5 مليون طن، بانخفاض 19.3 في المائة. وبلغ إنتاج كوريا الجنوبية 5.8 مليون طن، بزيادة قدرها 2.1 في المائة.
وأنتجت ألمانيا ثلاثة ملايين طن في أيلول (سبتمبر) 2020، بانخفاض 9.7 في المائة على أساس سنوي. بينما أنتجت إيطاليا 1.8 مليون طن، بانخفاض 18.7 في المائة. وأنتجت فرنسا مليون طن من الصلب الخام، بانخفاض 20.1 في المائة، وأنتجت إسبانيا 0.9 مليون طن، بانخفاض 20.7 في المائة.
وبلغ إنتاج مجموعة البلدان المستقلة 8.2 مليون طن في أيلول (سبتمبر) 2020، بانخفاض 0.3 في المائة على أساس سنوي. وأنتجت أوكرانيا 1.7 مليون طن، بانخفاض 5.4 في المائة في أيلول (سبتمبر) 2019.
في حين أنتجت الولايات المتحدة 5.7 مليون طن من الصلب الخام في أيلول (سبتمبر) 2020، بانخفاض قدره 18.5 في المائة، مقارنة بالشهر ذاته 2019، وأنتجت البرازيل 2.6 مليون طن، بزيادة 7.5 في المائة