د. رشا سمير تكتب: مستشفى دى والا مش مستشفى؟!

مقالات الرأي




بعد عدة مكالمات ومجموعة اتصالات ومحاولات جادة ومريرة للوصول إلى مستشفى يقبل دخول حالة طارئة لسيدة مسنة تحتاج إلى إجراء بعض الفحوصات والأشعات، وعلى الرغم من أنها ليست حالة كورونا، وبعد التأكيد على المستشفى أنها سيدة قادرة على الدفع كاش ولاتتبع علاجًا نقابيًا أو مؤسسيًا..

بعد عشرات المحاولات التى باء أغلبها بالفشل سألتنى ابنتى بكل براءة:

«وهو اللى مايعرفش حد وتعب فى البيت وعايز يدخل المستشفى، بيعمل إيه؟»

وأخذت صدى الكلمة تتردد فى أذنى..صحيح، بيعمل إيه!.

الرد ببساطة (ولأننى أتعامل كل يوم من خلال عملى كطبيبة مع حالات مشابهة) أنه ما بيعملش حاجة..فى الأغلب المريض بيسلم أمره لله سبحانه وتعالى، وأقاربه بيقدموا على قرض!..

الحقيقة أن منظومة العلاج فى مصر أصبحت شيئًا مخيفًا ورعبًا يطارد البشر، وسؤال يتردد فى الأذهان بلا إجابة شافية: «وماذا إذا مرضت واحتجت إلى مستشفى؟»

هذا التخبط ليس فقط من تداعيات الكورونا، بل هو تاريخ طويل من المعاناة، فقط سلطت أزمة الكورونا الضوء على وجهه القبيح.

أنا اليوم لست بصدد الحديث عن المستشفيات العامة والحكومية لأن هذا الحديث بمثابة القنبلة الموقوتة، مأساة بكل المقاييس وطالما كتبنا عنها بلا جدوى.

هذه المرة أتحدث عن المستشفيات الخاصة وأتساءل: هل هناك جهة رقابية مسئولة عن هذه المستشفيات أم أن هذه المستشفيات لا تخضع لرقابة لأنها فى قبضة أصحاب المال؟

دعونى اصطحبكم فى تلك الرحلة التى تبدأ بسيارة الإسعاف.. إذا طلبت سيارة الإسعاف الخاصة بالمستشفى فأنت تحتاج لرهن البيت (هذا إذا أسعدك الحظ ووجدت سيارة جاهزة لتسعفك إلى المستشفى)، أما إذا اضطررت لاستعمال سيارة الإسعاف الخاصة بالدولة فهى فى الحقيقة تأتى فى وقت قصير ولكن بقيادة سائق وممرض بلا أدنى خبرة، وبلا تجهيز يسمح بنقل مريض (يعنى كأنك ولا مؤاخذة طالب أوبر باص!).

الأكيد أن المريض يعتبر بالنسبة لأى مستشفى زبون لُقطة (صيدة يعنى)..

أشعات وتحاليل وكشوفات، لو كان واحد منها له لزمة فالعشرة الآخرون وسيلة ممتازة لسحب النقود من جيب أهل المريض الغلابة (وقال يعنى بنطمن)!.

بكل أسف أطباء الطوارئ فى أغلب المستشفيات الكبيرة بلا خبرة كافية لإنقاذ حياة إنسان..أما التمريض فحدث بلا حرج..وما زاد علينا طبعا هى قصة المسحة لإثبات وجود كورونا من عدمه وعمل أشعة صدر للسماح للحالة بالدخول.

التعامل مع المريض وكأنه آلة صرف نقود هو عنوان العلاج فى أى مستشفى خاص.. مأساة لا يُستثنى منها أحد.

وهنا أتوجه بالسؤال مرة أخرى..من هى الجهة المسئولة بمتابعة العمل والرقابة على مستشفيات القطاع الخاص؟ من المسئول عن حسابهم لو أخطأوا؟

من المسئول عن تحديد سعر الليلة فى مستشفيات العزل الخاصة التى قد تصل سعر الليلة الواحدة فيها إلى أربعين ألف جنيه! (هذا إذا كنت من سعداء الحظ واستطعت أن تعثر على سرير فى الرعاية، بعد استخدام كل علاقاتك وتليفوناتك ومركزك الاجتماعى وسطوتك ونفوذك..فقط لو!..

أعلم أن الرد سوف يكون أن العالم كله ارتبك بسبب الجائحة، وكل الدول ظهر عندها تقصير فى النظام العلاجى، والمستشفيات فى كل مكان بالعالم تكتظ بالمرضى والعشرات فى البيوت بلا مكان يستوعبهم..ولكن..فى حال حجزهم بالمستشفى، ضرائبهم للدولة تغطى نفقات العلاج، ويتم تقديم أفضل خدمة ممكنة نتيجة وجود أطباء وممرضات ونظام كفء معمول به.

أعود لأقول، أنا هنا أتحدث عن العلاج الخاص وليس علاج الدولة، وما أطالب به هو فرض رقابة على مستشفيات القطاع الخاص..ولو أن هناك جهة بالفعل تراقب، أتمنى أن يجيبنى أحد ويحدد لى تلك الجهة حتى يصبح أمام من يدفع دم قلبه للعلاج مساحة للشكوى.

أتمنى ألا تصبح خُلاصة القول.. إنه إذا كنت لا تمتلك المال والعلاقات فسوف تموت فى بيتك، وإذا كنت تمتلكهما فسوف يكون حظك أفضل وتذهب إلى المستشفى لتموت هناك!.