رامى المتولى يكتب: «أعز الولد».. الأمل فى إصلاح الكوميديا

مقالات الرأي



فى الوقت الحالى صناعة فيلم كوميدى هو شىء فى منتهى الصعوبة وذلك لسيطرة كوميديا «الإفيهات» و«الكاركتير» على مقدرات الكوميديا منذ صعود المضحكين الجدد فى أواخر التسعينيات وحتى هذه اللحظة، وحتى ظهور جيل جديد تالى لهم من الكتاب والممثلين الكوميديين الذين يملكون من الموهبة والقدرات على التغيير لكن معظمهم ركن إلى السير فى نفس الاتجاه.

ومع الانتشار السريع والمخيف لكتاب وفنانى الكوميديا لوسائل التواصل الاجتماعى وتسببها فى تغيير معادلات الإضحاك، ومع سرعتها تحولت الكوميديا فى السنوات الماضية إلى إعادة إنتاج لما تقدمه السوشيال ميديا، والتى يتحول من خلالها «الإفيه» والنكته بعد ساعات من انتشاره إلى إفيه سمج ونكته فقدت القدرة على الإضحاك بكثرة تداولهم ولا يصلح معهم ما كان يفعله الراحل الكبير وأحد أساتذة الجيل الثانى من الكوميديانات المصريين عبد المنعم مدبولى من التكرار المستمر، الذى يصنع كوميديا صارخة والسبب أنه مزج «الفارص» و«الإفيه» بالموقف ومفارقته.

وبالتالى الكوميديا فى نسخة عبد المنعم مدبولى لا تأتى من التكرار فى حد ذاته ولكن من ما يمثله التكرار بالنسبة للموقف، السوشيال ميديا لا تملك عبقرية عبد المنعم مدبولى والمضحكين الجدد/ القدامى استهلكوا كل ما فى أيديهم من قدرات وأصبحت أسماء محمد هنيدى ومحمد سعد وأحمد حلمى موضة قديمة قدراتهم الكوميدية واهية تتفوق عليها الميمز والكوميكس بسهولة عبر وسائل التواصل الاجتماعى بل ما يزيد الأمر سوءًا هو فكرتهم عن مواكبة العصر هو إعادة إنتاج نكات السوشيال ميديا فى أعمالهم بنفس الطريقة وهو ما يؤكد على قصورهم فى مواكبة السرعة من أساسه، وكذلك الحال مع من تبعهم إلى نفس الطريق المسدود كأحمد فهمى فى أعماله المنفردة، ولا حل حقيقى إلا بالعودة إلى الاعتماد مرة أخرى على الموقف وتعود الإفيهات والنكت والكاركتير ليحتلوا جزءًا من العمل وليس كل العمل.

عدد كبير من النماذج تمثل عودة إلى هذا المنهج دون الاعتماد على ما سبق، ولكن ببناء كوميديا حقيقية تدفع إلى الابتسام واستقبال الأعمال بما يليق بها لا كما يرغب بطلها الأوحد فى فرض رؤيته، شاهدنا تحقق ذلك بصورة كبيرة فى فيلم «وقفة رجالة» وأبطاله بيومى فؤاد وسيد رجب وماجد الكدوانى وشريف الدسوقى، وعلى الرغم من وجود العديد من المشاكل فى الفيلم مصدرها السيناريو الذى كتبه هيثم دبور، التف حول هذه المشاكل المخرج أحمد الجندى بحرفية شديدة بالتعاون مع مونتيره محسن عبد الوهاب، لكنها تظل خطوة فى العودة إلى البناء الدرامى.

فيلم «أعز الولد» نجح فى أن يجمع العناصر القوية ويضم الحرفة والإخلاص لنوعه ويبنى كوميديا موقف تعتمد على الموروث الشعبى فى النظرة للأم والأجداد وهو ما سهل لحد كبير فى وصول تفاصيل الفيلم للمشاهدين، وكان مفيدًا فى تلقى الكوميديا لأن معظمنا يعرف تمامًا هذه التفاصيل، بداية من استغلال الفيلم لعنوانه والذى يعتمد على المثل الشعبى «أعز الولد ولد الولد»، مرورًا بتفاصيل المبالغة فى الحماية التى تتبعها الجدات والمأكولات الشعبية بالإضافة للجمل والسلوكيات الشهيرة التى نحفظها عن ظهر قلب من جداتنا، وصولاً لاختيار توقيت عرضه وهو «عيد الأم».

الفيلم يستغل العناصر الكوميدية التى تم استهلاكها فى الفترة الأخيرة لكن بشكل مقنن، فيضم فى طياته «الكاركتير» والمبالغة فى إظهار تفاصيلها الغريبة كما حدث مع شخصية عمر (عمرو يوسف) وعبلة (دلال عبد العزيز) واستغل فى الوقت ذاته السوشيال ميديا والكوميديا القادمة منها بجرعة منضبطة وتوظيفها بشكل طبيعى كما الحال مع مشهد رضوان (سامى مغاورى) وكيكى (ميرفت أمين) وبناءً المشهد بأكمله على تريند أغنية kiki do you love me الشهيرة للمطرب ديريك، إضافة إلى المزج بين الممثلين الكبار بكل الزخم وما يمثلونه فى أذهان المشاهدين وهم دلال عبد العزيز وأنعام سالوسة وميرفت أمين وشيرين ورجاء الجداوى وسامى مغاورى، ودمج هذا الزخم بجيل الشباب محمود الليثى وعلى قنديل وحاتم صلاح، هذا الدمج وحسن اختيار أصحاب الأدوار الرئيسية والثانوية يكسر جمود استمرار حالة البطل الأوحد المتحكم فى العمل، ويفتح مجالاً أكبر لعودة سيطرة المؤلف والمخرج، وهو المطلوب حاليًا بعد أكثر من عقدين تحولت خلالهم الكوميديا فى السينما لخراب وامتد الأمر أيضا للمسلسلات.

وفى السياق نفسه يمثل الفيلم أيضا نموذجًا أكثر من جيد فى استغلال ضيوف الشرف فالأمر تخطى مسألة المجاملة وظهور بعض الفنانين فى أعمال أصدقائهم إلى توظيف حقيقى لهذا الظهور، والسبب فى ذلك يعود إلى السيناريو الجيد لشريف نجيب وجورج عزمى وتوجيه المخرجة سارة نوح فى أول أعمالها للممثلين بالشكل الذى سمح بهذا التناغم، مشهد منى زكى كمثال ليس مجرد ظهور لنجمة شهيرة ومهمة، بل شخصية واضحة ومرسومة ملامحها وتفاصيلها المغزولين بعناية داخل سياق الدراما، والبراعة هنا فى أن تقدم منى هذه الشخصية التى يعرفها كل بيت مصرى ويطلق عليها مصطلح ساخر منتشر هو «الماميز» بكل مواصفاتها الشكلية، حيث وفرت الكثير من الشرح بأدائها وحوارها التى اختذل الكثير وضع المشاهد أمام مشهد كوميدى شديد الإتقان غير متكلف يستغل اسم منى زكى لصالحه ولخدمة الفيلم لا ظهورها فى حد ذاته.