عبدالحفيظ سعد يكتب: هل يعلن قادة الإخوان التوبة؟

مقالات الرأي



الصراعات المالية وتخلى الخلفاء تضرب التنظيم فى الخارج والانشقاقات تهدد الجماعة

بات هذا السؤال ملحاً بعد سلسلة الضربات التى يواجهها التنظيم الإرهابى، وفشل المحاولات المحمومة للعودة مرة أخرى للمشهد وتحول التنظيم لمجرد ورقة يتم التلاعب بها لاستخدامها لصالح قوى إقليمية، لتحقيق مصالحها.

ولعل المشهد الأخير القادم من تركيا، والذى يشكل نظام الحكم فيها بقيادة رجب أردوغان، الداعم الرئيسى للإخوان، ولكنه يتجه الآن للتخلى عن التنظيم فى سبيل التقارب مع مصر.

ونجد أن بمجرد ترسيب التوجه التركى فى محاولة التقرب من مصر، أثار ذلك السؤال عن مصير أعضاء التنظيم، خاصة أنه يتوقع ألا تقتصر الإجراءات التركية فى سبيل التقارب مع القاهرة، التعليمات الصادرة للقنوات المعادية لمصر، والتى تبث من تركيا بعد أن تم إخطارها بمراجعة خطابها، تجاه مصر، وربما ستمتد الإجراءات التركية بعد ذلك إلى استهداف قيادات التنظيم التى تعيش فى تركيا.

1- تفجر الصراعات

الإشارات التركية بالتخلى عن الإخوان، لا تقف عند مجرد فقدان الداعم والمأوى الرئيسى لكوادر التنظيم، بل يفوق الأمر ذلك لأنها ستفتح الباب أمام الصراعات والخلافات داخل قيادات وكوادر التنظيم، خاصة السيطرة على أموال الإخوان ومنها التحكم فى القرار داخلها.

وطبقا لمصادر قريبة من تنظيم الإخوان، فإنه بمجرد ظهور التوجهات التركية الجديدة، بدأت الخلافات داخل عناصر التنظيم الإرهابى فى التفجر مرة أخرى، وهذه المرة لم تكن فقط العناصر الهاربة فى الخارج فقط بل فى الداخل، وبدأ طرح سؤال عن أهمية انتمائها للتنظيم نفسه، بعد أن تحول لأداة يستفيد منها العناصر الهاربة فى الخارج وتحقيقهم مكاسب.

وظهرت الخلافات بالفعل بين عناصر التنظيم فى تركيا، خاصة العناصر غير القادرة ماديا وليس لها نفوذ فى التنظيم، والتى لم تتمكن من الحصول أو شراء الجنسية التركية، مقابل نصف مليون دولار استثمار، كما يشترط القانون التركى، وكذلك عدم قدراتها للحصول على إقامة فى الدول الغربية، وهو ما تمكن منه القادة الكبار فى التنظيم والأثرياء فقط.

ومن هنا بدأت حالة الارتباك تضرب عناصر التنظيم، والدعوة لإعلان الخروج عنه، ولعل ذلك يفسر خروج القائم بأعمال مرشد التنظيم إبراهيم منير، ليتحدث عن ترحيب الإخوان بالمصالحة مع الدولة المصرية. وأرجعت مصادر أن الخطاب الهادئ من «منير» ليس مرتبطًا فقط بالموقف التركى الأخير، بل يرجع فى حقيقة الأمر لمحاولة لملمة الخلافات الداخلية وحالة التمرد داخل كوادر التنظيم الإرهابى، والتخوف من وجود ظهور انشقاقات جديدة داخلية فى التنظيم، والتى كانت تتحدث عن الفساد المالى داخل التنظيم وسيطرة الأمين العام فيه محمود حسين على إدارة اللجنة المالية للتنظيم والتحكم فى حركة الأموال واستثماراته.

ومن هنا نجد أن الأحداث المتلاحقة سواء من التوجه التركى أو القطرى الجديدة بدأ يفتح الحديث لوجود مراجعات توبة داخل الإخوان تعمل على إعلان التخلى عن التنظيم، وعدم جدوى استمراره بعد أن تحول إلى عبء على حلفائه، ومن هنا بدأ الحديث من قادة الإخوان وعلى رأسهم إبراهيم منير بالدعوة للمصالحة.

ونجد أن الإخوان لإدراكهم أن دعوة المصالحة، لن تجد صدى من الحكومة المصرية بعد أن تورطت أيادى قادة التنظيم فى الدماء والمشاركة فى عمليات إرهابية، لذلك يسعون حاليا إلى أن تطرح المصالحة من أطراف خارجية، وهو ما يفسر استعانة الإخوان بإبراهيم منير، رغم ما يحيط به من علامات استفهام، خاصة علاقته بالمخابرات البريطانية، والتى يحمل جنسية بلدها.

ومن هنا نجد أنه لابد من ربط تحركات «منير» وعلاقته بأجهزة المخابرات الدولية، بما يحدث داخل الإخوان، ووجود حالة تحلل وسيولة فى التنظيم، والتى لم تعد قاصرة على داخل مصر فقط بل فى الخارج أيضا بعد أن تفاقمت الخلافات، ويمكن أن تتصاعد فى الفترة المقبلة خاصة بعد التحول فى الموقف التركى.

ونجد أن التحولات ومساعى التنظيم الإرهابى للمصالحة، تأتى كحل تكتيكى من قادة التنظيم فى الخارج، للحفاظ على التنظيم من التآكل فى الفترة المقبلة، فى ظل تهديد عناصر من التنظيم بأنها سوف تعلن انشقاقها عن التنظيم والقيام بمراجعات ليس لأفكار التنظيم فقط بل الانتماء إليه، وذلك بعد انكشاف حقيقة التنظيم وأنه يتحرك وفقا للمصالح.

وتحدثت المصادر أن تحركات قادة الإخوان ومناداتهم بالمصالحة سوف تزيد فى الفترة المقبلة، بناء على نصائح من قادة التنظيم الدولى، ومحاولة استغلال وجود الحزب الديمقراطى على رأس السلطة فى أمريكا واتباعه أسلوب تهدئة الخلافات فى منطقة الشرق الأوسط، وكذلك أجواء التقارب بين مصر وتركيا، وهو ما يفسر ما قاله القائم بأعمال مرشد الإخوان إبراهيم منير بأن الإخوان يقبلوا الوساطة التركية للمصالحة.

2- التوبة وتخوفات التفتت

ولكن يواجه تحركات الإخوان ومحاولة التصالح، الموقف الرافض لفكرة عودة التنظيم مرة أخرى بعد أن تورطوا فى الدماء، وهو ما حدث مع الجماعة الإسلامية فى تسعينيات القرن الماضى، والتى لم يكن أمام قادة تلك الجماعة بعد نهايتها، إلا الإعلان عما يشبه التوبة عن الأفكار التى حملتها وأدت بها لحمل السلاح فى وجه الدولة والمجتمع.

ونجد أن قادة الجماعة الإسلامية أعلنوا عن موقفهم ومراجعاتهم الفكرية بشكل علنى فى 2002 عبر سلسلة كتب أطلقت عليها «تصحيح المفاهيم»، والتى كانت بمثابة إعلان توبة عما اقترفته الجماعة من عمليات إرهابية.

وبالقطع يرفض قادة تنظيم الإخوان الكبار هذا التوجه للآن، ورفض إعلان التوبة بشكل مباشر، بل إنهم عندما قامت مجموعة من الشباب فى السجون والذى كان ينتمى للتنظيم فى عام 2015 ، بتوقيع استمارة توبة عن الانتماء للإخوان، حارب قادة التنظيم هذا التوجه وسعوا بكافة السبل لعدم امتداده لعناصر أخرى منتمية للتنظيم والتى بدأت تراجع مواقفها.

لكن ليس معنى رفض قادة الإخوان قبل ست سنوات توبة الشباب، أن موقفهم الحالى لم يتغير، خاصة أنهم كانوا يعتقدون فى السابق إمكانية حدوث أمور قد تغير المعادلة، ويعود مرة أخرى للحصانة عبر مصالحة، كما الذى حدث مع السادات فى سبعينيات القرن الماضى.

لكن الأوضاع والمواقف تغيرت بل حتى حلفاء التنظيم والدول الإقليمية التى كانت تساندهم بدأت فى التخلى عنهم، ويسبق ذلك الآن أن ما حدث فى ثورة 30 يونيو، لم يكن مجرد موقف رسمى من الدولة فقط بل كان موقفًا شعبيًا من عموم المصريين برفض هذا التنظيم، ومن هنا لا شىء أمامه سوى تقديم التوبة لهذا الشعب، ربما يصفح عنه.