427 مليار دولار خسائر سنوية.. تفاقم أزمة التهرب الضريبي تهدد اقتصاد الدول

الاقتصاد

بوابة الفجر


غالبا ما يتم التعامل مع التهرب الضريبي أو التحايل الضريبي باستخفاف واستهانة واستهتار من قبل قطاع كبير من الرأي العام، حتى من قبل فئات تعد ضمن المجموعات الأكثر وعيا وثقافة في المجتمع. وفي الحقيقة فإن كثيرين منا يغضون الطرف عن الاحتيال أو التهرب الضريبي الذي ينظر إليه البعض باعتباره شكلا من أشكال "الشطارة" في خداع الحكومة.


مبررات كثر تستخدم بالطبع لتبرير ذلك، فارتفاع معدلات الضريبة، وعدم عدالة النظام الضريبي وغيرها، مبررات يلجأ إليها البعض لتسويغ ما يقوم به من "جرائم" في حق مجتمعه، مستغلا في ذلك ثغرات قانونية - وإن لم تكن أخلاقية - تسهل عليه التهرب والتحايل الضريبي، كما أن تعقيدات القوانين والنظم الضريبية ذاتها تتحمل أيضا جزءا من المشكلة، ومع غياب الصرامة في القوانين العقابية في الكثير من البلدان عند تعاملها مع تلك الجرائم، وانتهاء الأمر في كثير من الأحيان بالمصالحة وبعض الغرامات المالية، فإن التهرب والتحايل الضريبي باتا ظاهرة شديدة الانتشار واسعة النطاق على المستوى الدولي.


أظهرت دراسة حديثة قام بها فريق من الخبراء في جامعة مانهايم بالشراكة مع مجموعة كوركتيف الألمانية غير الربحية أن مخططات التهرب الضريبي كلفت الحكومات حول العالم ما يقدر بـ150 مليار يورو من الإيرادات المهدرة أو الضائعة أو المفقودة، عبر استغلال نقاط الضعف في قوانين الضرائب الوطنية.


مع هذا ورغم ضخامة المبلغ المشار إليه أي 150 مليار يورو، فان بعض الخبراء يشيرون إلى أنه أقل بكثير من الرقم الحقيقي الذي قدر في أواخر 2020 بما لا يقل عن 427 مليار دولار سنويا نتيجة الانتهاكات الضريبية للشركات والأشخاص.


الخبير الضريبي البريطاني إل. ك. أرثر يقول إن التهرب الضريبي باعتباره نشاطا غير قانوني يتجنب فيه شخص أو كيان ما عمدا دفع ما عليه من التزام ضريبي حقيقي، ومن ثم فإن المصطلح ينطبق على كل من عدم الدفع غير القانوني وكذلك الدفع الناقص غير القانوني للضرائب.


ولكن إذا تطلب التهرب الضريبي اللجوء إلى طرق غير قانونية لتجنب دفع الضرائب المناسبة، فإن التحايل الضريبي يستخدم وسائل قانونية لخفض التزامات دافع الضرائب.


ويشير آرثر إلى أن التجارة الإلكترونية وتنامي حركة رأس المال على المستوى الدولي تجعل جميع الحكومات في مواجهة مشكلات حقيقية في عملية تحصيل الإيرادات، بحيث أصبح الحد الفاصل بين التهرب الضريبي والتحايل الضريبي غير واضح بشكل متزايد.


ويؤثر التهرب أو التحايل الضريبي في القدرة المالية للحكومات سلبا، إذ يؤدي نقص الموارد إلى إلغاء البرامج الحكومية أو تقليصها أو تمويلها من خلال العجز، كما يعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين من أمثال جويل سليمرود في كتابه الشهير "الغش: اقتصادات التهرب الضريبي"، أنه على الرغم من عدم وجود تيارات اقتصادية تدافع بشكل صريح عن التهرب أو التحايل الضريبي، إلا أن أفكار منظري اليمين الاقتصادي المفرطين تصب في توجهاتهم اليمينية الداعية إلى حكومات صغيرة لا تتدخل في النشاط الاقتصادي وميزانيات عامة محدودة للغاية ومعارضتهم الدائمة لتمويل المشاريع العامة من خلال العجز أو القروض، تصب في التطبيق العملي في مصلحة التهرب والاحتيال الضريبي، باعتباره آلية تضعف قدرة الحكومات على التدخل في النشاط الاقتصادي.


على أي حال مع تنامي ظواهر الغش والتحايل والتهرب الضريبي التي تقدر بمليارات الدولارات، في وقت تتزايد فيه حاجة الحكومات إلى مزيد من الأموال لتمويل العجز في الميزانيات، نتيجة العديد من العوامل، ربما كان أبرزها في الوقت الحالي التكاليف الضخمة التي تحملتها نتيجة الضغوط الناجمة عن وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية، فإن قضية التحايل والتهرب الضريبي باتت حديث الساعة، خاصة مع توقيع 136 دولة حول العالم على اتفاق ضريبي ينص على فرض نسبة ضريبية لا تقل عن 15 في المائة على أنشطة الشركات متعددة الجنسيات.

ويجد الخبراء أن عبء إصلاح النظام الضريبي العالمي يقع أولا وأخيرا على البلدان الغنية، فقد كافحت العديد من الاقتصادات الناشئة والنامية ومنذ أعوام لوضع حد لغياب العدالة الضريبية العالمية، التي ترسخها البلدان الغنية عبر ما يعرف بالملاذات الضريبية، وطلبت العديد من الدول الفقيرة أن تكون تلك الملاذات الضريبية على جدول أعمال الأمم المتحدة.


كما تتزايد الدعوات الآن إلى إطلاق هيئة ضريبية عالمية جديدة تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى الرغم من أن هذا الأمل لا يزال بعيد المنال، فإن الخبراء يعتقدون أنه سيكون خطوة حاسمة نحو إنهاء بلاء الملاذات الضريبية ووضع العالم على طريق العدالة الضريبية.


وتكمن خطورة القضية تكمن في أنها تمثل تهديدا حقيقيا لقيم الحرية الاقتصادية ذاتها، التي تتضمن سهولة تنقل رأس المال والعمالة، فالتهرب أو التحايل الضريبي يعزز من الأفكار الشعبوية التي ترى في العولمة والحرية الاقتصادية شرا مستطير.