عائشة نصار تكتب: وثالثهما الإرهاب

مقالات الرأي




حياة بومدين وكوليبالى استبدلا الصور الساخنة بفيديوهات داعش

أباعود استعان بـ«فتاة الكاوبوى» لتنفيذ هجمات باريس 

مراهقة متأخرة لمطربة الروك الأربعينية أوقعتها فى شباك التنظيم الإرهابى 

تشفين مالك جندت زوجها.. وسفاح «إسطنبول» الداعشى كشفته غيرة زوجته

رجل وامرأة وثالثهما شيطان الإرهاب.. معادلة شائكة وتركيبة مخيفة، يمتزج فيها الحب والجنس، بالرعب والقتل والدم، وقفت وراء أخطر الهجمات وأبرز التفجيرات التى ضربت العالم خلال السنوات الماضية، بخلايا أسرية وعائلية تعتنق «تفجير العالم» هدفًا ومبدأ وعقيدة.

كما كانت أيضًا شفرة مفصلية، لازمت وصاحبت التحولات والظواهر الإرهابية والتنظيمية الكبرى فى المنطقة والعالم، خاصة بعد صعود تنظيم داعش، وتأسيسه لـ»مجتمع الخلافة»، واستدراجه للنساء كمقوم أساسى لـ»الدولة الإسلامية»، التى استثمرت المزيج المخيف من العلاقات العاطفية والأفكار المتطرفة والتوحش وتصدير الرعب والفزع، فى تخليق طرازها الخاص من «الجهاد» المتأسلم.

1- حياة بومدين وأميدى كوليبالي.. من البكينى إلى الكلاشينكوف

تتصدرحكاية الفرنسية من أصل جزائري، حياة بومدين، والفرنسى المالى الأصل أميدى كوليبالي، أشهر القصص العاطفية التى ارتبطت بأخطر الهجمات الإرهابية وأبشعها، وهو الهجوم على صحيفة «شارلى إبدو»، واحتجاز الرهائن فى المطعم اليهودى يناير2015.

بدأت بومدين، حياتها طفلة يتيمة فقدت أمها فى السادسة من عمرها، ثم فتاة أوروبية عادية ترتدى لباس البحر، وتعيش حياة متحررة، قبل أن ترتبط بقصة حب ملتهبة مع كوليبالي، والذى يرتكب جريمة سطو مسلح تقوده إلى عقوبة بالسجن مدتها 6 سنوات، ستكون هى نقطة التحول فى حياة الثنائي، وتقلبها رأسًا على عقب.

ينجح إرهابى هو جمال بغال فى تجنيد كوليبالى داخل السجن، ويخرج منه متطرفًا كاملًا، ويضم حياة إليه، ويتزوجان «شرعيًا» عام 2009، قبل أن تستقيل من عملها كأمينة صندوق فى أحد المحال التجارية، وتسافر معه إلى ماليزيا وإلى جمهورية الدومينيكان، وترتدى الحجاب ثم النقاب، ويبدآن مسارًا متناقضًا تمامًا من حياتهما، رافقت حياة بومدين كوليبالى مرارا إلى غابة فى وسط جنوب فرنسا للتدرب على الرمى بالقوس والسهام.

بعد 5 سنوات من زواجهما، اعتبرت الشرطة الفرنسية حياة بومدين شريكة لكوليبالي، وتحولت إلى المطلوبة الأولى فى البلاد فى أعقاب عمليتى الهجوم على صحيفة شارلى إيبدو التى نفذها الأخوان شريف وسعيد كواشى، الذى قتل شرطية فرنسية وقام باحتجاز الرهائن فى المطعم اليهودي.

لكن مع وقوع الهجومين المسلحين كانت بومدين قد تبخرت تمامًا من الأراضى الفرنسية، وتم تهريبها، لتظهر بعد ذلك فى أحد الفيديوهات الدعائية لداعش ترتدى النقاب وتحمل السلاح، وتروى تفاصيل إقامتها فى ضيافة «دولة الخلافة»، ويتبين بعد ذلك أن كوليبالى قد اتفق معها قبل تنفيذ العملية على الهروب إلى سوريا، حتى تكون فى أمان.

2- حسناء وأباعود.. «العقل المدبر» وفتاة «الكاوبوى»

الفرنسية من أصول مغربية، حسناء بولحسن وابن خالها عبدالحميد أباعود «أبوعمر البلجيكى»، العقل الدبر لهجمات باريس الدامية 13 نوفمبر 2015، ومسئول الاتصال السابق لداعش فى أوروبا، هما الثنائى الأخطر الذى وقف خلف أكبر هجمات ضربت فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.

وشهدت احتجاز الرهائن بمسرح باتاكلان، ثم ثلاثة تفجيرات انتحارية فى محيط ستاد «دى فرانس»، فضلًا عن تفجير انتحارى آخر وسلسلة من عمليات القتل الجماعى بالرصاص فى أربعة مواقع.

وينظر إلى حسناء بولحسن بأنها المرأة التى تقف وراء هجمات الجمعة الدامية فى باريس، وشاركت فى التحضير للهجمات.

عاشت بولحسن مراهقة صاخبة عاقرت فيها الخمر وصادقت مروجى المخدرات، وكانت تحب السفر والحفلات، وعرفت براعية البقر لميلها دائمًا لارتداء قبعة «الكاوبوي»، ولاحقًا شغلت وظيفة بشركة للبناء والإنشاءات باسم «بيكو».

وكما رافقت حسناء بولحسن ابن خالها أباعود فى حياة السطو المسلح والمخدرات والملاهى الليلية والعلاقات بالجريمة المنظمة، كانت الداعم الأهم له فى لحظة التحول وكواليس الانضمام إلى داعش والتخطيط والتنفيذ لعملياته فى أوروبا، واستثمرت علاقاتها لتوفير الدعم اللوجيستى له.

وتصدر اسم أباعود وحسناء بولحسن، عناوين الصحف الفرنسية والعالمية، بعد مقتلهما، حيث تشاركا المشهد الأخير أيضًا، ولقيا مصرعهما معًا فى مخبأهما بشقة «سان دوني»، فى مواجهة مع قوات الشرطة.

3- تشفين وفاروق.. المرأة أيضًا تجند زوجها

حكاية بدأت تفاصيلها بالتعرف عبر موقع لطلبات الزواج على الإنترنت، وانتهت بمذبحة دامية بكاليفورنيا ارتكبها الزوجان، تشفين مالك 27 عامًا وزوجها سيد رضوان فاروق 28 عامًا، أسفرت عن مقتل 14 شخصًا على الأقل وإصابة 17آخرين، وسقوطهما معًا قتلى فى أحد شوارع مدينة سان برناردينو.

وذلك فى أعقاب ارتكابهما هجومًا إرهابيًا على حفل بمركز انلاند للرعاية الاجتماعية، والذى يقدم الخدمات لكبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة،وكان كلا الزوجين مسلحا ببنادق هجومية ومسدسات ويرتدى ملابس شبه عسكرية.

كان سيد رضوان فاروق المولود فى مدينة شيكاغو الأمريكية، وهو خريج جامعي، يعمل فى جنوب كاليفورنيا يبحث عن زوجة، ووجد واحدة لم تطأ قدماها الولايات المتحدة الأمريكية من قبل، وهى الباكستانية تشفين مالك.

المفاجأة هنا، فى حالة الثنائى الإرهابى تشفين مالك وزوجها سيد رضوان فاروق هى أن المعادلة معكوسة، جمعهما التطرف منذ اللحظة الأولى، وكانت تشفين فى الغالب هى العنصر الفاعل وصاحب المبادرة بالاستدراج والتجنيد لزوجها، ثم التخطيط أيضًا للمذبحة الدامية.

كانت تشفين مالك تقيم مع عائلتها فى السعودية منذ سنوات، ولكنها قضت دراستها الجامعية فى بلدها الأصلي، باكستان، حيث ظهر عليها التغير عام 2009، وأولت اهتماما مفاجئًا للدراسات الإسلامية على حساب دراستها للصيدلة، وأظهرت سلوكًا متطرفًا، ووفقا لروايات زميلاتها فى الدراسة فقد كانت تشفين تسافر فى جميع أنحاء المدينة، كل يوم تقريبا، للذهاب إلى مدرسة، تقضى فيها أمسياتها، وتمضى أغلب ساعات يومها فى مشاهدة إحدى القنوات الإسلامية. وكما كانت تشفين ترفض التصوير فبعد تخرجها بكلية الصيدلة، حاولت إزالة كافة صورها من قواعد بيانات الجامعة وجمعت كافة هوياتها الجامعية وبطاقات المكتبة وحطمتها. بعد زيارته للسعودية لخطبة تشفين عاد فاروق أكثر تدينًا، ولحقت به تشفين إلى الولايات المتحدة بتأشيرة بوصفها خطيبته، وتزوجا قانونيا فى الولايات المتحدة فى أغسطس 2014 فى مدينة ريفرسايد بولاية كاليفورنيا. كان فاروق يحصل على دخل يتجاوز أكثر من 70 ألف دولار سنويا فى وظيفة بالطبقة المتوسطة، وعاش الزوجان فى منزل من طابقين فى حى به حدائق مرتبة العشب، واحتفلا قبل الهجوم الإرهابى بولادة طفلتهما الرضيعة، قبل أشهر. قبل وفاتها بوابل من رصاص الشرطة، نشرت تشفين مالك، على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك تعهدها مبايعتها لخليفة داعش السابق أبو بكر البغدادي، من خلال حساب يحمل اسمًا مستعارًا.

وحرص الزوجان على إخفاء آثارهما تمامًا، ومحو أى أدلة قد تشير إلى مزيد من الخيوط فى جريمتهما، ودمرا القرص الصلب بجهاز الكمبيوتر، وحطما هواتفهما المحمولة ولم يكن لهما أى وجود على وسائل الإعلام الاجتماعية، وبعد مصرعهما وضعت رضيعتهما فى عهدة خدمة حماية الأطفال.

4- مخبأ «عاطفى» لسفاح إسطنبول

وكما أثبتت المرأة كفاءة ودورًا تنظيميا ولوجستيًا خطيرًا لدعم تنفيذ هجمات التنظيمات الإرهابية، أثبتت أيضًا أنها قادرة بمفردها على إجهاض جهود ومخططات هذه التنظيمات، وتسليم أثمن سفاحيها، بسبب غيرتها العاطفية فقط.

هذا تمامًا ما فعلته زوجة سفاح داعش «السادي» فى إسطنبول عبد القادر ماشاريبوف، والذى أوقعت به الغيرة الزوجية، والانتقام، وذلك بعد أن هز العالم بأكمله فى الساعات الأولى من مطلع العام الجديد أثناء احتفالات رأس السنة، بمذبحة ملهى «رينا»، التى سقط فيها 39قتيلاً، أطلق النار عليهم مباشرةً، دون أن ينجح الأمن فى التوصل أو الشك فى مكانه.

ظل سفاح إسطنبول مختفيًا لمدة 16 يومًا كاملًا لم ينجح أحد فى اكتشاف مكانه، وذلك بفضل 3 نساء، تولين مهمة التمويه.

عاش ماشاريبوف أو «أبو محمد الخراساني» فى مخبأ تقاسمته معه ثلاث نساء من جنسيات «مصرية» و»سنغالية» و»صومالية» واحتللن صدارة مشهد القبض على «سفاح اسطنبول» الداعشى بالكامل، وكن مفاجأة مدوية لوسائل الإعلام العالمية، خاصة أن هؤلاء النساء على مايبدو مكافأة له من التنظيم، قام بمنحهن له كزوجات.

الواقع العاطفى أيضًا داخل مخبأ سفاح اسطنبول كان أشد سخونة ودرامية من مجرد وجود مكافآت جنسية له، فعند القبض على ماشاريبوف فى شقة اسطنبول المزدحمة بأدوات الماكياج والملابس والمتعلقات النسائية، عثر على عملات ورقية، ورسائل غرامية أخري، امتلأت بالقلوب الحمراء والمشاعر «الملتهبة» برسائل تقول « أنا أحبك جداً..أنت مجنون للغاية»، والتى تمت كتابتها إلى ماشاريبوف من قبل إحدى مرافقاته، ورسالة أخرى من حبيبة قد بدت فيها الحبيبة يائسة « افعل ماشئت.. لم أعد اهتم..لا أستطيع مساعدة نفسى والآخرين.. ولكن فى حال أردت فعل ذلك فلا بأس، ولكن سأكون فى مكان بعيد عن هنا». كل ماسبق كان كفيلًا لأن يدفع زوجة سفاح اسطنبول ووالدة طفله، فى النهاية إلى التضحية بأى ولاء تنظيمى أو «جهادي» مزعوم، أو أية مخططات تنظيمية لتهريبه خارج تركيا، وأسرعت بالوشاية به والإبلاغ عن مخبأه العاطفى الذى تتقاسمه فيه ثلاث نساء فى غيابها، وحتى لو قاد ذلك فى النهاية إلى التوصل إليها شخصيًا بتهمة التورط فى العملية، وهو ماحدث بالفعل.

5- مطربة الروك المعتزلة تعيش مراهقة «داعشية»

علاقة حب ملتهبة عبر الإنترنت، مع شاب يصغرها بأكثر من 25 عامًا، يحمل لقب «العقل الإلكترونى» لتنظيم داعش، تحول مسار مطربة روك سابقة فى منتصف الأربعينات، تعانى من جروح نفسية غائرة وخيبات عاطفية مريرة، وتقودها إلى براثن التنظيم، وتحولها إلى أشهر قيادية نسائية فى دولة الخلافة الداعشية قبل سقوطها. وذلك بعد طفولة مضطربة عاشتها جونز بسبب انفصال والديها، ثم انتحار أبيها لاحقاً بجرعة زائدة من المخدرات. حاولت فى شبابها البحث عن معنى لحياتها واعتنقت الكاثوليكية، وأبدت اهتماماً كذلك بعالم السحر الأسود، وبعد اعتزالها الغناء عملت بائعة للعطور فى أحد فروع شركة تجميل عالمية.

هكذا بدأت قصة تحول مطربة الروك السابقة وعازفة الجيتار الشقراء الجميلة فى فرقة «كرونيش «البريطانية فى التسعينيات، سالى جونز، إلى «الأرملة البيضاء» فى تنظيم داعش، بعد علاقتها العاطفية مع جنيد حسين الشاب البريطانى من أصل باكستاني، 20 عامًا مؤسس «جيش الخلافة الإلكتروني» فى داعش. فأشهرت جونز إسلامها عام 2013، ولحقت بحبيبها الشاب حسين جنيد «أبو حسين البريطاني» بسوريا، لتتزوجه فى حفل زفاف بسيط بمدينة إدلب السورية، مصطحبة معها ابنها الطفل جو ديسكو (جوجو) البالغ من العمر 10 سنوات، الذى غيرت اسمه إلى حمزة، وألحقته بـ»اشبال الخلافة» لاحقًا. ولتحمل بدورها أسماء «سكينة حسين»، أو»أم حسين البريطانية»، مسئولة الجناح النسائى لـ»كتيبة أنور العولقي»، وهى وحدة من المقاتلين الأجانب أسسها زوجها. اشتهرت «الأرملة البيضاء» بعد ذلك بصورها الدعائية لداعش ترتدى النقاب، وتحمل السلاح، وبتدريبها للنساء الداعشيات، وبقدرتها الفائقة على التجنيد الإلكترونى للفتيات الغربيات واستدراجهن لصالح التنظيم، فواصلت جونز مسيرتها التنظيمية، رغم استهداف زوجها بعد ذلك بضربة أمريكية فى 24 أغسطس 2015، وعبرت عن فخرها بـ»استشهاد» جنيد، وأنها ستبقى مخلصة لذكراه على حد تعبيرها، واتهمت جونز وزوجها بالمسئولية معًا عن التخطيط لـ 12 هجوما إرهابيا على الأقل.