عادل حمودة يكتب: هل يتباهى النبى بأمة ضعيفة يوم القيامة؟

مقالات الرأي



خريطة العالم الإسلامى تجمع كل الأمراض السياسية والاجتماعية العشوائية

حين أراد الله أن يوصل رسالته إلى الناس اختار اللغة الراقية.. الجميلة.. اختار النغم المسكوب.. والحرف المنسوج من خيوط الحرير. والفاصلة الأنيقة.. والكلمة التى تدخل القلب ولا تخرج منه.. كان بوسعه سبحانه وتعالى أن يستعمل سلطته الإلهية المطلقة فيقول للإنسان: «كن مؤمنًا فيكون».. ولكنه لم يفعل.. واختار الطريق الأجمل.. اختار الأسلوب الأنبل.

وحين أراد الله أن نستوعب أسرار أحكامه فضّل لغة العقل.. وهى لغة دقيقة محكمة.. تحترم ذاتها.. وتوقر صاحبها بشرط أن يتفكر جيدًا فيما وراءها وما بين سطورها.. بشرط ألا يتسرع فى تفسير يقلب المعنى.. ويتورط فى فتوى تكون عليه.. وهذه هى آفة كثير من الناس.. لكنهم لا يعلمون.

لقد توقفت طويلا عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإنى مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة» توقفت عند كلمات الرسول الكريم وأنا أستعرض حالة العالم الإسلامى الممتد من الصين إلى الدار البيضاء توقفت عندها وأنا أرى خريطة العالم الإسلامى على هذا النحو وهى تكاد تكون الخريطة الوحيدة على الأرض التى تجمع كل العيوب: الفقر.. الأمية.. الفاشية.. الديكتاتورية.. الفساد.. الجهل.. الضعف.. المرض.. وغيرها من الأمراض السياسية والاجتماعية العشوائية..

وتساءلت بينى وبين نفسى: هل هذه هى الأمة التى سيتباهى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأمم يوم القيامة؟.. وكانت الإجابة واضحة قاطعة لا تحتاج إلى مجهود كبير أو صغير.. إذن أين المشكلة.

لقد فسر البعض هذا الحديث النبوى الشريف على أنه دعوة للانفلات فى كثرة الذرية.. وعدم وضع قواعد أو قيود على الإنجاب.. وكأن المباهاة فى الكثرة بغض النظر عن القيمة والتميز.. بغض النظر عن ضعف وهشاشة هذه الكثرة.. إن الإنسان يتباهى بولد واحد صالح يقدر على برمجة الكمبيوتر بينما يخجل من مائة ولد لا يفكون طلاسم الخط ولا يفرقون بين الألف وعمود الكهرباء ويجرون عرايا فى الحوارى والأزقة.. المباهاة التى يقصدها النبى الكريم هى أن تكون الأمة متميزة.. فلا يعقل أن يتباهى النبى صلى الله عليه وسلم بكثرة لا حول لها ولا قوة.. لا تقدر على إطعام نفسها أو حماية أرضها أو إيجاد مكان خاص لها تحت شمس الدنيا التى نعيشها.

يقول صلى الله عليه وسلم «يوشك أن يأتى زمن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟.. قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل» أى كثرة مثل ريم الماء.. كثرة بلا وزن.

لو ربطنا ما بين الحديثين الشريفين لعرفنا أن المقصود ليس الكثرة التى نتخيلها ونسعى إليها فلا عبرة بكثرة كغثاء السيل لا عبرة بكثرة من الرغاوى والفقاعات.. إذن كيف نفهم الحديث الأول.. يقول الرسول الكريم «تناكحوا» أى تزوجوا.. وهو أمر نكون قد نفذناه بمجرد الزواج.. ثم يقول صلى الله عليه وسلم «تناسلوا» وهو هنا ليس فعل أمر.. لكن المقصود به إن من يتزوج ينجب.. أو مقصود به إذا تناكحتم تناسلتم.. أو بمفهوم أبسط: تناكحوا فتناسلوا وهنا يكون كل من أنجب طفلاً واحدًا قد تناسل لأنه لو كانت كلمة تناسلوا فعل أمر فأين يذهب العقيم والعاقر منه.. خاصة وأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.

الفقرة الثالثة من الحديث «تكاثروا».. وهنا مربط الفرس.. ليس المقصود بالكثرة كثرة الأولاد.. أو كثرة الذرية.. المقصود تكاثروا أنتم.. وهو أمر طبيعى بعد تناكحوا تناسلوا.. فحاصل جمع رجل + امرأة بعد الزواج والإنجاب لا يكون «2» وإنما يكون «3» على الأقل.. بمعنى أدق أصبح الشخص الواحد قبل الزواج ثلاثة على الأقل بعد الإنجاب.. وهذا هو معنى تكاثروا إن النبى عليه الصلاة والسلام لم يأمرنا بكثرة النسل وإنما أمرنا بالتناسل.. ولو كانت العبرة بالكثرة على النحو الشائع بين الناس الآن لما كان الحديث النبى الثانى «كغثاء السيل» إن النبى الكريم يريدنا ثوابت شوامخ رواسخ، لنا مكانتنا بين الأمم نتقدم الصفوف ونستوعب العلوم ونبدع فى الآداب والفنون لا نمد أيدينا إلى أحد.. لا نكون فى حاجة إلى أحد مما يجعله سيدًا علينا متحكما فى مصائرنا لقوله سبحانه وتعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس» فكيف نكون خير أمة أخرجت للناس ونحن نتعرض لما نتعرض له فى هذه الأيام ويقول سبحانه وتعالي: «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله» فالفئة القليلة كثيرة الإيمان كثرة القوة كثرة الثراء المتقدمة علميًا تسود.. والفئة الكثيرة الضعيفة الهشة المتناثرة المتخلفة يقودها من يقودها كما يقود الراعى أغناما.. الغنم كثر والراعى واحد وعلى مستوى الأسرة الصغيرة لا معنى لرجل ينجب أطفالاً لا يقدر على تربيتهم تربية حسنة.. ولا يقدر على تعليمهم تعليمًا راقيًا.. ولا يقدر على المحافظة على صحتهم كما ينبغى.. لا معنى لرجل ينجب أطفالا لا يكونون ركائز فى المجتمع وتروسًا عاملة فى ماكينة الحياة.. إن العكس هو المطلوب.. رجل ينجب أطفالاً يقدر على أن يضعهم زهورًا فى سترة الدنيا.. رجل بهذا الفهم والوعى لا يمكن اتهامه بأنه خالف حديث رسول الله صلى عليه وسلم فقد تناكح وتناسل وانتقل من حالة الواحدة إلى حالة الكثرة.. ثم بعد ذلك يريد أن يقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم نسلاً قويًا فى إيمانه وأخلاقه وعلمه وكرامته وأدبه ليتباهى به النبى يوم القيامة، فالمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. ويقول صلى الله عليه وسلم «لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يسألون الناس أعطوهم أو منعوهم» إن أمة عاملة قوية خير من أمة ضعيفة متسولة.. ترى بمن يتباهى النبى صلى الله عليه وسلم بالعاملين أم بالعاطلين.. بالمتقدمين أم بالمتأخرين»؟.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.