عادل حمودة يكتب: الدعاة الجسر المقطوع بين الإسلام والعالم

مقالات الرأي




أخلاق المسلم تمنعه من التطاول والمشكلة فى الاكتفاء بالمظهر

الراحمون يرحمهم الرحمن. ولا خير فيمن لا يرحم ولا يرحم.. إن الرحمة راية إسلامية شهيرة وأصيلة فى الإسلام.. لكنها راية يتبارى كثيرون الآن فى تشويهها وحرقها وإطلاق النار عليها.. لقد أصبح التشهير بالإسلام وبمبادئه السامية هواية عالمية وهى هواية بدأت بالكتابة ووصلت إلى حد استخدام القوة العسكرية ضد المسلمين فى بلادهم.

إن الصورة التى يصورون بها الإسلام ونبى الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين لا علاقة لها بالحقيقة.. فلا نحن غلاظ القلب.. ولا نحن متعصبون متشددون متطرفون.. لا الرسول الكريم كان يحرّض على العنف.. ولا كان يترك لحظة واحدة دون أن يعكس الإيمان بالرحمة والحماس لها.. لقد دخل أعرابى على النبى صلى الله عليه وسلم ورآه يقبّل الحسنين الكريمين فقال له: أتقبلون أولادكم يا رسول الله فإن لى عشرة من الأولاد ما قبلت منهم واحدًا قط.. فقال النبى الكريم: مالى ورجل نزُعت الرحمة من قلبه.

يقول سبحانه وتعالى لرسوله الكريم «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».. والعالمين تشمل كل خلق الله.. لم يقل سبحانه وتعالى وما أرسلناك إلا رحمة للمسلمين أو رحمة للمؤمنين.. قال الله تعالى رحمة للعالمين.. لكل مخلوقات الأرض والبحر والسماء، فعلى قدر ما رزق الإنسان من رحمة على قدر ما ورث من أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم.. فمن رزق رحمة كثيرة فقد كثر ميراثه النبوى ومن رزق رحمة قليلة قل ميراثه منه وإن عديم الرحمة لا نصيب له من هذا الميراث الراقي.. إن ذلك يؤكد أن الإسلام ليس دين عنف ولا دين غش ولا دين الأخلاق السيئة ولا دين البذاءة.. فقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان جالسًا ومعه سيدنا أبو بكر الصديق فجاء رجل وأغلظ فى القول والسباب لسيدنا أبو بكر الذي بقي صامتًا احترامًا لوجوده في حضرة النبي، فلما تمادي الرجل رد سيدنا أبو بكر بكلمة واحدة فغادر النبى المجلس تبعه سيدنا أبو بكر قائلا: يا رسول الله أغضبت منى وقد سمعت ما قال هذا الرجل وقد قلت كلمة أنفس بها عن نفسى بعد أن زاد كيلى وفاض إنائى فقال النبى صلى الله عليه وسلم: عندما كنت صامتًا متسامحًا كان الله يدافع عنك إن الله يدافع عن الذين آمنوا وعندما بادلته القول دافع الشيطان عنك وأنا لا أجلس فى مجلس فيه الشيطان.

هذا معناه أن أخلاق غير المسلم إذا دفعته إلى التطاول فإن أخلاق المسلم تمنعه من ذلك.. يقول سبحانه وتعالي: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، ويقول الله للنبى صلى الله عليه وسلم: «ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فاصفح عنهم وقل سلام» هذه هى أخلاق النبوة.. هذه هى صوفية رسول الله يقول سادة الصوفية أخلاق فمن زاد عليك فى الخلق زاد عليك فى التصوف.. وسيد المتصوفين هو الذى قال عنه سبحانه وتعالي: «وإنك لعلى خلق عظيم».

لكن.. مشكلة المسلمين أن جسر الاتصال بينهم وبين غيرهم ليس قويًا ولا متينًا.. إن الذين يوصلون صورة الإسلام إلى أنصاره وخصومه ليسوا على مستوى مناسب يؤهلهم لذلك.. المشكلة أن الذين يدعون إلى الإسلام اكتفى نفر ليس بقليل منهم بالحفاظ على المظهر.. الزر.. الطربوش.. العمامة.. السواك.. اللحية.. السبحة التلت.. المنشة.. البخور.. الكاكولا.. القفطان.. والساعة الجوفيال التى كانت فى وقت من الأوقات جزءًا مكملاً لهذا الديكور.. وهو ما يعنى أن هناك مشكلة أحيانًا فيمن نسمح لهم بالدعوة، المفروض ألا يتقدم إلى هذا الأمر إلا المثقف فى شئون مختلفة.. والمثقف هو الذى يعرف متى يتكلم ومتى يصمت.. «ليقل خيرًا أو ليصمت».

ولست ممن يتحمسون للمناظرات الدينية على شاشات التليفزيون.. إنها تزيد العناد.. ولا تحل المشكلة التى يتحدثون فيها مادامت الكاميرا مسلطة.. أما وراء الكامير فغالبًا ما يعترفون بالخطأ ويقر وجهات النظر، لا قضية تحل أمام الكاميرا بسبب الكبر والعناد وطبيعة الشخصية الإنسانية ومن هنا فإن أول شرط من شروط الدعوة: ترك العناد.. تمثل أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم فى الدعوة.. يقول سبحانه وتعالي: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن» وجادلهم هنا ليس معناها بادلهم رأيًا برأى وإنما معناها هنا شاركهم بالتى هى أحسن.. هم يقدمون شيئًا.. قدم أنت شيئًا أفضل منه.. إن قدموا أسوأ ما عندهم قدم أحسن ما عندك.

كان أحد الأولياء وهى يحيى بن معين مشهورًا بالعلم وكان إذا سئل فى مسألة يقول: يا ويلتى أيعبد رب العالمين على رأى يحيى بن معين!! وكان سيدنا عمر بن الخطاب يقول لو أذن مؤذن يوم القيامة أن كل الناس سيدخلون الجنة إلا واحدًا لقت إنه عمر بن الخطاب.. ولم يحسب نفسه من الناجين من النار.. إنها الشفافية التى يجب أن يكون عليها الدعاة.. وفى الوقت نفسه على الذين يسمعونهم أن تكون لهم ثقافتهم الدينية المناسبة التى يحكمون بها على ما يسمعون.. فمن له لسان يقدر على التفرقة بين الحلو والمر.. ومن له أنف يقدر على التفرقة بين الرائحة الزكية والرائحة الخبيثة.. ومن له قدر من الثقافة الدينية السليمة يقدر على التفرقة بين الصواب والخطأ فلا يجوز أن يكون الدعاة فى جانب والمتلقون فى جانب آخر.. ثم إن المؤمن سليم القلب يقدر على هذه التفرقة.. لو انشرح قلبه فما يسمعه حلال وصحيح ولو انقبض قلبه فما يسمعه حرام وخطأ.. المتلقى عليه جزء كبير ولا يجوز أن يفرط فيه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.