طاهر محمد طاهر.. "طَموحْ" قَاتَلَ من أجل الأهلي

الفجر الرياضي

بوابة الفجر


 

العام 2001، عيون 50 ألف مشجع تحملق في الاستاد منتظرة النصر، ليس نصر الأهلي فقط بل الكرة المصرية التي تخوض نهائي دوري أبطال إفريقيا ضد فريق "صن داونز"، بين الـ50 ألف متفرج مشجع أهلاوي يجلس بجواره فتى في الرابعة من عمره، يٌسجل خالد بيبو ثلاثة أهداف دفعة واحدة، ينتصر الأهلي ويفوز بدوري الأبطال، وينفعل الولد الصغير المرتدي "تي شيرت" القلعة الحمراء فرحًا بهذا الانتصار وفرحًا بأن تلك هي المرة الأولى التي يصحبه فيها والده إلى الاستاد.

 

بعد 20 عامًا سيتغير كل شيء، يعتزل خالد بيبو، تكثر الألقاب القارية، وسيغادر الولد الصغير المدرجات ليصبح لاعبًا يتّوج بالأميرة السمراء مع الأهلي، ويسجل أهدافًا في "صن داونز"، هكذا يمكننا بدء الرحلة.

 

فتّح الولد الصغير طاهر محمد طاهر المولود في 7 مارس 1997 على عائلة تعشق النادي الأهلي، وقت المباريات مقدس، الجميع يلتف حول التلفاز، لذلك لم يكن من الغريب أن تتعلق عيون الطفل بتلك الساحرة المستديرة، والده لم يتوانى في ترغيبه في "الأهلي"، لعب معه داخل البيت وتحمّل غضب الأم من تكسير مقتنيات البيت بسبب "شقاوة" الولد الصغير.

 

لم يعد البيت يحتمل تكسير أكثر، فخرج به والده يبحث عن أكاديمية أو ناد يتحمل لعب الولد الصغير، وفي البدء ذهب به لنادي الجزيرة، لكن "طاهر" مازال صغيرًا، فذهب به الوالد إلى المركز الأوليمبي وهناك بدأت البوادر تظهر على الطفل الصغير في الجري والمراوغة ما دفع سيد السقا نجم نادي الإسماعيلي السابق أن يعجب به ويطلب من الأب أن يذهب إلى اختبارات نادي المقاولون العرب.

 

بالتزامن مع ذلك بدأ الطفل مشواره التعليمي في مدارس الراهبات الفرنسية، ليوضع بين نارين، نار الكرة والانطلاق والركض، ونار الالتزام الصارم في مدارس الراهبات التي تعلم فيها اللغة الفرنسية التي سيكون لها دور مؤثر فيما بعد، لكن التقلب من الالتزام الصارم للانطلاق لم يكن عائقًا، وفي فريق البراعم استقبله كابتن رفعت رجب "ريعو" الذي آمن بموهبة طاهر حتى أوصله للفريق الأول في المقاولون العرب.

 

في حوار سابق يتذكر إيهاب بيتا الذي درّب طاهر في فريق البراعم بنادي المقاولون العرب،جاءني في سن السابعة يرتدي قميص الأهلي مع شعر طويل، طلبت منه أن يأتي بقميص أصغر ودرّبته 5 سنوات، حتى ضممته لقطاع الناشئين.

 

في تلك الفترة التقى الطفل الصغير أخيرًا بنجم اللاعبين المصريين محمود الخطيب أثناء دورة في ملاعب النادي الأهلي، التقط معه الصور التذكارية ليعود "طاهر" وقلبه "طاير" من الفرح، بعد سنوات قليلة سيتلقى مكالمة من "الخطيب" للانضمام للأهلي، لكن الرحلة التي بدأت من البراعم أثبتت أنه طفل موهوب، سجل أهدافًا غريبة على طفل في عمره، وشارك في بطولات مع فرق من روسيا وفرنسا وإنجلترا.

 

سارت الأمور بنجاح تلو الآخر لـ"طاهر"، وتدرج في فرق النادي، مدرسته منحته الفرصة الكاملة للتألق مؤمنة إنه سيكون لاعبًا كبيرًا كما أوضح هو، وحين وصل إلى سن 16 عامًا ذهب مدربه في المقاولون العرب أحمد حمودة ليخبر مدير النادي أن هناك موهبة أخرى كـ"محمد صلاح" يجب تصعيدها للفريق الأول بعد تسجيل 20 هدفًا في موسم واحد، وهو ما أدى إلى تصعيده للفريق الأول موسم 2014/2015.

 

بالتزامن مع ذلك كان "طاهر" ضمن اختيارات أحمد صالح المدير الفني لمنتخب الشباب السابق، الذي ضمه لبطولة إفريقيا للشباب، وتألقه في تلك البطولة هو ما تسبب في أول عرض احتراف من نادي لشبونة البرتغالي لكن تواجده في المنتخب حال دون ذلك.

 

وبعد انتهاء البطولة قضى معايشة مع نادي "لوهافر" الفرنسي وأقنع مدربه "بوب برادلي" بمستواه، لكن عام فقط وعاد للمقاولون العرب بسبب قلة خبرته كما يوضح مدربيه.

 

رحلة انتقال " طاهر" للأهلي التي تمت في 2020 سبقها كواليس كثيرة بدأت من حسام غالي حين كان يتولى منصب مدير الكرة بالنادي ولفت أعين الإدارة إلى هذا اللاعب، ثم تولى بعد ذلك أمير توفيق إتمام الصفقة.

 

شخصيًا لدي طاهر محمد طاهر حلم الاحتراف في الخارج، تحديدًا الدوري الأسباني كما أوضح هو قبل ذلك، لكن هذا قبل التوقيع للنادي الأهلي الذي قال في أول يوم دخوله للقلعة الحمراء، تجربة الاحتراف ليست في حساباتي، لا أحد يفكر في الاحتراف وهو في الأهلي كدلالة أن "القلعة الحمراء" احتراف في حد ذاتها.

 

تحقق الحلم، أخيرًا يقف طاهر في "التتش"، يرتدي قميصه رقم 27، ورقم 7 هو الرقم الذي يتفائل به، يعرف أن في هذا الملعب أمجاد صنعت للكرة العالمية، تحسر قليلًا أن الأجيال التي رغب اللعب بجوارها اعتزلت، حزن إنه لم يلعب بجوار "أبو تريكة" و"عماد متعب" و"عماد النحاس" الذي نصحه بالالتزام، لكنها أقدار وفي النهاية عليه أن يصنع تاريخه وحده.

 

الصعوبات بدأت من أول يوم أيضًا في "الأهلي"، إصابة تلو أخرى أبعدت الصفقة الجديدة عن الملاعب، المدرب "رينيه فايلر" ليست لديه الطاقة لتجربة لاعبين جدد وتدريبهم على المراكز رغم أن طاهر يجيد اللعب في ثلاثة مراكز، لكن تلك الفترة سرعان ما انتهت بقدوم موسيماني الذي منح الفرصة لـ"طاهر" الذي تألق و"فك نحس" الإصابات بتسجيله أهدافًا حاسمة وأداء جيد.

 

ثلاثة أهداف حددها "طاهر" في أول يوم له بقميص النادي الأهلي، الحفاظ على بطولة الدوري، اللعب كأساسي، والحصول على بطولة دوري أبطال إفريقيا، ونستطيع القول إنه بعد عام واحد فقط حقق الثلاثة أهداف ومعهم هدف آخر الحصول على برونزية كأس العالم للأندية.

 

تلك الرحلة لم يكن يحركها سوى "الطموح" والقتال من أجل النجاح وعدم الاعتماد على أحد، فحين كان "طاهر" يلعب في نادي المقاولون العرب لم يخبر أحد أن قريبه هو نجم النادي اللاعب محمد فضل الذي انتقل بعد ذلك للأهلي، بالإضافة إلى هدوئه وتنفيذه لكافة التعليمات داخل الملعب والثقة بالنفس التي تؤهله أن يكون قيادي متمكن داخل المستطيل الأخضر.

 

مدربو "طاهر" أجمعوا إنه من الذين يركزوّن في الملعب ولديه تعامل جيد مع الأحداث، لكنه كفتى ينتسب لـ"برج الحوت"، البرج المائي الذي شعاره رفض التقيد، فإن "طاهر" يرفض تقييده داخل الملعب وهو سر إجادته اللعب أكثر  من مركز، كما أنه يرفض أن توجه له اللائمة أمام أحد وتلك من المآخذ التي تؤخذ عليه، لكنه في المقابل لا يأخذ أي ردود فعل سوى الالتزام وهنا يطغى العقل عليه.

 

أحلام طاهر الكروية تتمثل في لاعبين تأخذهم قدوة مثل ديفيد بيكهام ومحمد صلاح، أما حياته بعيدًا عن كرة القدم فنادرة، فقط الأسرة والأصدقاء والتركيز في الملعب بعيدًا عن "السوشيال ميديا" التي يعدّها تشتيت له.