بطرس دانيال يكتب: القِ على الربِّ همَّك

مقالات الرأي




الله القادر على كل شيء يشددنا بكلماته قائلاً: «مَنْ يدعونى، أستجيبُ له، أنا معه فى الضيق، أُخَلِّصُه وأَمنحهُ مجداً (مزمور 90: 15). نحن نعيش فى عالمٍ غارق فى الماديات والشكوك واليأس، نتيجة الأحداث التى تحيط بنا، حتى أن الكثيرين يُعاتبون الله هكذا: «أين معونتك وقدرتك أمام تحديات هذا العالم؟». يُحكى أن كاهناً كان جالساً فى غرفته بجوار النافذة، منهمكاً فى إعداد عظته الأسبوعية وكان موضوعها: «العناية الإلهية» وسمع فجأةً صوت انفجار، وعلى أثره كان الناس يهرعون هنا وهناك، ثم عرف سبب ذلك وهو أن سور النهر تهدّم بسبب فيضان، وكانت المياه تُغرق كل شيء، حتى أنها ملأت الشوارع وعندما اقتربت منه، تأمل لحظة مع ذاته وقال: «كيف أهرب مثل باقى الناس، فى حين أننى أُعِدّ عظة عن العناية الإلهية؟ لذلك يجب عليَّ ألا أتحرك من مكانى حتى أعطى مثالاً حيّاً عما أعظ به الآخرين، كما أننى أثق فى عناية الله التى تنجّينى من هذا الخطر». وعندما ازدادت المياه ووصلت إلى النافذة، شاهد مركبة صغيرة بها بعض الأشخاص ينادونه: «رجاءً، انزل مسرعاً وتعالى معنا». ولكنه أجابهم: «مستحيل يا أعزائى، اتركونى وشأنى، لأننى أثق فى العناية الإلهية التى ستنقذنى من الغرق». ثم صعد إلى مكانٍ أعلى، ولكن المياه وصلت هناك أيضاً، ثم أتت مركبة أخرى بها أشخاص آخرون ينادونه ليهرب معهم، ولكنه رفض أيضاً نصيحتهم مفضّلاً المكوث فى مكانه، ثم صعد إلى مكانٍ أعلى بكثير، ولكن المياه قد لحقت به، فأسرع إليه شرطى النجدة بمركبٍ خاص، ولكنه صمم على الرفض قائلاً له: «أنا أثق فى الله الذى لن يتركنى أغرق أبداً، أفهمت؟» فغرق الكاهن ومات، وعندما ذهب إلى السماء، قام بمعاتبة الله قائلاً: «لماذا تركتنى أغرق وأموت بالرغم من ثقتى الكاملة فى معونتك التى تنقذنى؟» أجابه الله: «أتريد الحقيقة؟ لقد أرسلتُ لك ثلاثة مراكب لنجدتك». هذه التجربة تحدث معنا كل يوم فى الظروف التى نمر بها، كم من المرات التى أرسل الله فيها مَنْ يرشدنا وينقذنا، ولكن للأسف لم نسمع له ولم نعيره انتباهاً؟ مما لا شك فيه أن الله حاضر فى حياة كل واحدٍ منّا، حتى وإن لزم الصمت. هل ننسى أيوب البار الذى اكتشف معنى صمت الله فى نهاية حياته، وفهم جيداً أن كل شيء يحدث معه؛ له معنى ومخطط إلهى من أجل خَيره العظيم؟ للأسف، نحن أمام إرادة الله التى تواجهنا فى الظروف اليومية، نتصرف بطرقٍ مختلفة، نريد فى كثير من الأحيان ألا يسمح بها الله، وأحياناً أخرى نتمنى أن يبدّلها بغيرها، حتى أننا فى بعض المرات نطلب منه أن يستشيرنا قبل أن يقرر شيئاً فى حياتنا. يعود هذا إلى قلّه وضعف إيماننا بحُب الله الساهر دائماً علينا، لذلك يجب علينا أن نثق بأن كل ما يحدث فى الحياة، إنما بسماح من الله، الذى لا يدعنا نُجرّب فوق طاقاتنا، كما أن الله يجعل مع الشدّة والضيق مخرجاً، نستطيع اكتشافه إذا تفحّصنا الأمور بحكمةٍ، وتركنا أنفسنا بين يديه وفى نفس الوقت نعمل كل ما فى وسعنا لعبور هذه الضيقات والخروج منها بدرسٍ عظيم، يساعدنا على النمو فى حياتنا. وكما يقول القديس بطرس: «القُوا على الرب جَميعَ هَمكّم فإنه يُعنى بكم» (1بطرس 7:5). مما لا شك فيه أن الله خلقنا لا ليهملنا، فإذا حدث شر أو أصابتنا مصيبة، فالله أبٌ رحيم لا يتركنا، بشرط أن يقوم كل واحدٍ منّا بدوره والسعى وراء ما هو أفضل له، كما يجب على كل شخصٍ أن يلجأ إلى رحمة الله وحنانه. لذلك يجب علينا أن نثق فى عناية الله، ونتكل عليه فى كل لحظة حتى يصير المرُّ حلواً والصعب سهلاً، والمستحيل ممكناً. كما يجب أن نثق بأنه يعرف ما هو الأفضل لخيرنا، ومادام الله كلى القدرة، فهو يستطيع أن يعوّض فى لحظةٍ ما نتخيّل أننا فقدناه للأبد، إذاً يجب علينا أن نتركه يعمل وفق مشيئته لا مشيئتنا. كم من سعادة تغمرنا عندما نعتمد على الله، وإذا لزم الأمر سيحملنا بين ذراعيه، لنتخطى العقبات التى لا نستطيع التغلّب عليها بقوانا الشخصية؟! ونختم بالعبارة الرائعة الموجودة على حائط أحد المخابئ بألمانيا: «أؤمن بالشمس حتى وإن لم تشرق؛ أؤمن بالحُب حتى وإن لم أشعر به؛ أؤمن بالله حتى عندما يصمت».