إيمان كمال تكتب: «ولاد ناس».. دراما الأسرة من غير فزلكة

مقالات الرأي




أن تكون البطولة هى حكايات تشبهنا .. ما وراء الأبواب التى تخفى وراء ابتسامتها وبريقها المزيف كثيرا من الألم .. الإكتئاب ..الفشل ..العلاقات غير السوية..

حكايات وحبكات مختلفة فى تفاصيلها، استطاع المخرج والمؤلف هانى كمال أن ينسجها فى مسلسله الأخير «ولاد ناس»، والذى اعتمد فى أسلوبه على المباشرة التى لا أنكر بأنها أزعجتنى فى البداية، قبل أن أتورط مع الفكرة، وأتأكد بأنه اختار الأسلوب الأنسب لتوصيل فكرته.

الأبطال مجموعة من المراهقين، لكل منهم حدوتة مختلفة، تدريجيا نكتشف مسئولية آبائهم وأمهاتهم عن الأزمات التى تحيطهم.

فالحادثة التى اختارها المخرج بداية كل حلقة كانت الكاشفة لفضح هشاشة العلاقات الأسرية حتى وإن غلفت بصورة تبدو سعيدة، بتوفير كل سبل الراحة والإمكانيات إلا أن العنصر الأهم «الحب والاحتواء» كان المفقود.

اختيار أبطال المسلسل أيضا من العناصر التى ساهمت فى نجاحه، فصبرى فواز أصبح علامة نجاح لأى شخصية يقدمها، فلا يمكن تخيل دور يقدمه إلا ونحن على يقين بأننا على موعد من متعة الفرجة وصدق الأداء والحرفية الشديدة فى تطويع الشخصية، بانفعالاتها الداخلية وملامحها وتركيبتها، فعلى الرغم من كل أخطاء «عيسى» المحامى الذى لا يهتم سوى بالمكاسب التى يحققها، إلا أننا لا نملك إلا أن نتعاطف معه، نبكى من أجله أحيانا، وننتظر معه أن يسمع «بحبك» من ابنه الصغير.

وأحمد وفيق «يحيى» والذى يبدو مثاليا فى الأحداث أو كما يقول على لسانه فى المسلسل «أبو العلا البشرى فى نفسه» نكتشف بالأحداث التجربة والتناقض الذى كان يعيشه فى الماضى، بموهبته قدم وفيق الشخصية بانفعالاتها الهادئة والمسالمة والتى تتناسب مع كون «يحيى» هو صوت «الحكمة» أو البحث عمَّا وراء القدر الذى يصيبنا بخيره وشره، وكيف علينا أن نتقبل المصائر جميعا بدون اعتراض.

وبعيدا عن «الصراخ» والأداء المفتعل الذى تفضله بعض الممثلات على اعتبار أنها ستفوز بلقب «غول تمثيل» قدمت وفاء صادق شخصية «أروى» الأم والزوجة التى تعانى من أزماتها الداخلية وتفتقد الحب والمشاعر واختارت الصمت بدلا من المواجهة، ليختفى دورها تدريجيا من حياة أولادها بدون قصد، حتى يدخل ابنها فى غيبوبة، اعتمدت وفاء على تجسيد الشخصية وانفعالاتها الداخلية بصدق شديد بعيدا عن المبالغة.

كما أكد المسلسل على موهبة الشاب الصاعد «معتز هشام» والذى كان بداية ظهوره فى «أبو عمر المصري» وبعدها فى «ممالك النار»، ليؤكد على أننا أمام مشروع ممثل ونجم موهوب، فمن خلال شخصية «ياسر» نعيش معه أحاسيس الحب العذرى لزميلته، و»لخبطة» مشاعره تجاه والدته التى لا تكاد تنفصل برجل لتتزوج اخر معتقدة بأنها توفر لابنها الحياة الكريمة والمدرسة الدولية التى تناسبه، بينما فى سياق آخر وعلى الرغم من صغر سنه لكنه يتفهم والدته ويحاول مساعدتها مما يورطه فى الخطأ، يبكى فى مشاهد أخرى ليبكينا معه على الحياة التى لا تمنح الطيبين ما يستحقونه دائما.

وقدم مع الشاب أحمد عنان أو «باسم» مشاهد مميزة فى المسلسل تكشف عن موهبتهما، فعنان أيضا نجح فى تقديم شخصية المراهق الثرى الطايش الذى يعتمد على نفوذ وشهرة والده من أجل الحصول على ما يريد، وأيضا اختيار الأطفال المشاركين من العناصر المميزة.

بعيدا عن أدواره الكوميدية قدم بيومى فؤاد نموذج الأب الذى اكتشف حمل ابنته والتى تعرضت للإجهاض فى الحادث، مشاعر تحمل الغضب والعنف والاحتواء، وتحمل جزءا من الخطأ، أيضا اختيار الفنان ماجد الكدوانى كضيف شرف أضاف كثيرا للعمل بظهوره فى مشاهد قليلة ليقدم شخصية «صلاح» الأب الملكوم الذى فقد ابنه فى واحد من أهم مشاهد المسلسل.

على الرغم من أن قصة المسلسل تبدو تقليدية، لكننا بحاجة إلى المزيد من تلك الأعمال التى تطرح بداخلنا التفكير فيما يحتاجه الأبناء، الأمان والحب أم الرفاهية والتدليل فقط؟ وأن نعيد النظر من فترة لأخرى فى علاقتنا بهم ولا ننجرف وراء اعتقادنا الداخلى بأننا نفعل كل ما فى وسعنا لأجلهم.