د. رشا سمير تكتب: زراعة الفساد

مقالات الرأي




ليست القضية التى أنا بصدد الكتابة عنها هى قضية الاتجار بالآثار أو غسيل الأموال.. بل هى قضية فساد الذمم وسوء الاختيار ونخبة هى سبب نكبة مصر الحقيقية.. زمن أصبح المال والنفوذ فيه هما العملة الرائجة.. زمن اكتظت الساحة فيه بالنصابين واللصوص.

منذ أيام استيقظنا على خبر القبض على نائب برلمانى فى قضية الاتجار بالآثار، وبعدها بأيام جاء القبض على رجل أعمال له وزن وصاحب قناة فضائية بتهمة تمويل البرلمانى للتنقيب عن الآثار، المضحك والمحزن فى آن واحد أن رجل الأعمال هذا له صالون ثقافى باسمه يطرح من خلاله قضايا عامة ليستنير بها الحاضرون، وتبث من خلال قناته التليفزيونية على الملايين لتدخل العقول قبل البيوت!.

والأكيد أن البقية تأتى.. والمؤكد أن الأسماء التى ستأتى لن تقل فى ثقلها عن من تم القبض عليهم.. يبدو أن مسلسل الانبهار لن ينقطع!.

انقلبت مواقع التواصل الاجتماعى رأسا على عقب، حرب بلهاء بين من ينسبون هذان الرجلان إلى جماعة الإخوان، وإلى برلمان الإخوان ومن ينسبونهما إلى زمن مبارك ورجاله..

يتراشق الطرفان على التويتر بطلقات من النيران التافهة التى لا تقدم ولا تؤخر، بل تسفه القضية وتجعلها قضية طائفية بلا أب حقيقى، وكأن القضية هى قضية على أى زمن نطلق الرصاص؟ وليست قضية على من نطلق الرصاص؟.

يكتب أحداهما: «طبعا ما هو مبارك ده أبو الفساد وكل اللى حواليه كانوا زيه».

والرد يكون: «لا يا حبيبى ده من عندكم من برلمان الخرفان وعصابة مرسى».

وصلة ردح خالصة تنتهى إلى.. لاشىء!.

المشكلة فى الواقع أكبر من ذلك، القضية هى أن الفساد فى مصر متغلغل حتى الأعماق، ضاربا بجذوره فى باطن المجتمع حتى بات كل شىء عطنًا، من أول المعاملات مع البشر وحتى نفس الهواء.

المشكلة هى كيف ينبت الفساد ويترعرع وينمو فى كل مكان حتى يأخذ كل الصلاحيات؟.

أتساءل فى كل مرة يسقط أحد أعضاء البرلمان بتهمة أو بغلطة أو بتسريب، كيف وصل شخص بهذه الكينونة وهذه الأخلاق المتدنية وسلسلة الفضائح القديمة إلى البرلمان المصرى صاحب التاريخ العظيم؟ كيف تم اختياره؟ وكيف وافقت عليه الجهات الرقابية والمعنية بالدولة؟.

من المؤكد أن حسن أو سوء السير والسلوك ليسا وليدا الصدفة، بل هما سلوك راسخ لدى الإنسان عادة منذ نعومة أظافره إلا من رحم ربى، فكيف يتم التحرى عنه؟.

لماذا أصبح النصب والفهلوة والتجارة بالأخلاق هى سمة مجتمع بأكمله فى وقت أزمة حقيقية، هى أزمة وجود الشخص المناسب فى المكان المناسب، أزمة شخص قادر على تحمل المسئولية والانسحاب وقت الخطأ؟.

نائب الجن والعفاريت! ياله من لقب (ده فاضل يكون فى نائب الكباب والكفتة)!..

هل هو شخص اختاره أبناء دائرته أم أن الرشاوى والعصابات التى تتحكم فى نجاح نواب الشعب هى السبب فى وجوده تحت القبة وفى برامج ريهام سعيد لاستخراج الجان من صباع رجل الضحية!.

هذا الأخ كان منذ نحو ٦ أعوام الشاهد الرئيسى فى قضية فساد البرلمانى السابق حمدى الفخرانى، رئيس جمعية مكافحة الفساد متلبسا بتقاضى رشوة!.

فى أغسطس ٢٠١٧، تم حبس النائب، لمدة ٤ أيام على ذمة التحقيقات فى البلاغ المقدم ضده من رجل الأعمال صاحب القناة التليفزيونية الشهيرة والذى اتهمه فيه بالنصب عليه فى مبلغ ٣ ملايين دولار قيمة تعاملات تجارية.. وانتهت القضية الخاصة بواقعة النصب، بالتصالح بين الطرفين وتنازل رجل الأعمال عن القضية (يعنى من الآخر القضية انتهت بتجديد عربون المحبة والمصلحة)!.

لا أحد يعلم إلى أين ستنتهى تلك القضية ولا من سيأتى بعدهما؟ لكن الأكيد أن هناك آلاف ممن نطلق عليهم لقب (النخبة) فى جعبتهم الكثير والكثير..

الأكيد أن تلميع الأشخاص فى مصر عن طريق تولية المناصب ودخول البرلمان وشغل الوظائف العامة والظهور على شاشات الفضائيات، نظرية أودت بكل المحترمين والشرفاء ولم تترك إلا هؤلاء..

الشباب المحترم لا يجد وظائف.. الإعلامى المحترم لا يجد هتيفة.. الإنسان المحترم ينأى بنفسه عن تولى المناصب.. المصرى المحترم أصبح أسطورة عصور مضت..

نحن نزرع الفاسدين والبديهى أن يكون المحصول.. فاسدًا!.