عبدالحفيظ سعد يكتب: المال الحرام

مقالات الرأي





للحياة حكمة.. تسيرها قوانينها الخاصة، ورغم ما فيها من ظلم أحيانا، وانتصار الباطل مرات، لكن تظل قاعدة، أنه لن يصح إلا الصحيح.. فالماء لن يسير للأعلى طبقا لقوانين الطبيعة وجاذبيتها.

وهناك عشرات القصص والحكايات التى تعطى عبرة أن العدل الإلهى، سيفرض الكلمة الأخيرة حتى لو تجمعت ملايين الأسباب لمنعه، لنقف ولا نملك إلا أن نقول سبحان الله.

وفى قصة غريبة ومعبرة وربما تكون طريفة، تتجلى تلك الحكمة فى أن الحق سيعود لأصحابه وأن المال الحرام لا ينفع، والعدل سيد الموقف، وذلك بعيدا عن كلام الدروشة أو الغيبيات.

فى القصة والتى تدور أحداثها بين السودان ومصر، بدأت قبل ١٥ عاما من الآن، وكانت نهايتها الغريبة الأسبوع الماضى.

البداية كانت فى إحدى المناطق فى شرق السودان، وقت كان يحكها نظام البشير المتحالف مع الإخوان، والذى كان يحكم بالحديد والنار أى مختلف معه ويستبيح ماله وحياته وخصوصياته.

وفى إحدى الحوادث قبل ١٥ عاما، قامت قوة مما يعرف باسم اللجان الشعبية، وهو تنظيم أمنى مواز، أنشأه نظام البشير والنظام الإخوانى لتتبع وردع أى مختلف معه، باقتحام منزل لمواطن سودانى بشرق السوادان، وذلك لاتهامه بأنه ضد نظام البشير فى ذلك الحين.

وكعادة هذه القوات الغاشمة عندما تقتحم بيوت أى مشتبه به، تتحول لأداة نهب لأى شيء أمامها سواء قطعا ثمينة أو نقودا، وهو ما حدث فى تلك القصة.

أحد أفراد قوات الأمن من اللجان الشعبية الإخوانية، وجد كاميرا تصوير فخمة من نوعية «كانون» ذات إمكانيات عالية فى التصوير، كان صاحبها اشتراها أثناء عمله فى إحدى الدول الخليجية، واستباح فرد اللجنة الشعبية كاميرا المواطن السودانى واستولى عليها أثناء تفتيش منزله، وأخذها لنفسه.

وعندما عاد المواطن السودانى بعد استجوابه ولم يجد كاميرته التى كانت يعتز بها، وسأل السلطات بعد الإفراج عنه أنه فقد كاميرته عقب تفتيش منزله، لكن لم يجبه أحدا، وفقد الأمل فى عودة كاميرته وأشياء أخرى فقدها، خاصة أن الكاميرا لم تعد ذات فائدة عملية لأنها كاميرا تستخدم أفلام التصوير القديمة، بينما المستخدمة الآن الكاميرا الديجيتال.

وتمر الأيام والسنون، وتقوم فى السودان ثورة تقتلع نظام البشير وتفكك اللجان الشعبية وتصادر أموالها، ويتم تسريح أفراده، لتعود قصة الكاميرا العتيقة مرة فى وسط القاهرة.

ويبدو أن فرد اللجنة الشعبية السودانية بعد أن استولى على الكاميرا قام بإهدائها لسيدة يعرفها. وقادت الصدفة أن هذه السيدة ذات علاقة مع عضو اللجنة الشعبية، جاءت لمصر مثل آلاف السودانيين الذين يحرصون على زيارة مصر فى أشهر الصيف.

واستأجرت السيدة شقة صغيرة فى وسط القاهرة، وعرضت على السمسار الذى تتعامل معه فى إيجار الشقة أن تبيع له الكاميرا، فقام السمسار بعرض الكاميرا على أحد استوديهات التصوير بوسط القاهرة.

لكن الكاميرا كانت قديمة ولم تعد تستخدم الآن، إلا أنها تعد «انتيكة» نادرة وجودها، وتعد ذات قيمة عالية، إذا وجد سندات ملكيتها، خاصة أنها كانت بحالة جيدة ومحفوظة فى الحقيبة المخصصة لها، فطلب صاحب الاستوديو من السمسار سند ملكيتها لبيعها كـ»انتيك»، وأنه إذا لم يوجد سند ملكيتها ستعتبر الكاميرا مسروقة ولن تباع بالمبلغ المطلوب.

اتصل السمسار بالسيدة التى أعطته الكاميرا، والتى أجابته بعدم وجود سند ملكيته للكاميرا القيمة، فأدرك السمسار أن الكاميرا مسروقة، ولأن الحرام لا ينفع.. استولى السمسار على الكاميرا لصالحه، وسكتت السيدة خشية أن يفتضح أمر الكاميرا.

عرض السمسار الكاميرا المسروقة على أحد المحلات لبيع الانتيكات، على أن يحصل على مبلغ من قيمتها، فطلب منه صاحب المحل أن يترك الكاميرا لعله يجد لها مشتريا، ولأن الحرام لا ينفع.. عرف صاحب محل الانتيكات من بواب العمارة التى تسكن فيها السيدة أن السمسار استولى على الكاميرا من السيدة.

بالمثل استباح صاحب محل الانتيكات الكاميرا القيمة، وقام بتأليف سيناريو بالتعاون مع بواب العمارة بأن الكاميرا فقدت وربما سرقت من المحل أثناء عرضها، ولم يفتح السمسار فمه، خشية أن يفتضح أمره.

القصة لم تنته بعد، عرض البواب الكاميرا على مواطن سودانى، استأجر شقة مفروشة أثناء زيارته للقاهرة، ولسخرية القدر، كان المواطن السودانى هو نفس صاحب الكاميرا الأصلى والتى استولى عليها عضو اللجنة الشعبية، فضحك الرجل خاصة عندما علم أن الكاميرا كانت بحوزة السيدة والتى جمعتها علاقة ما بعضو اللجنة الشعبية، فأعطى البواب مائتى جنيه «حلاوة» أن وجد كاميرته المفقودة بنفس حالتها.

الحرام لا ينفع، وأحيانا تقود الصدفة لعودة الحق لصاحبه.