د.رشا سمير تكتب: معرض القاهرة الدولى للكتاب ٢٠٢١.. دورة استثنائية بكل المقاييس

مقالات الرأي




تعودت وأنا طفلة أن أنتظر موعد قدوم معرض القاهرة الدولى للكتاب مثل انتظارى لقدوم العيد.. فستان جديد وحذاء أسود لامع وفرحة تسكن قلبى الصغير فى انتظار فتح الأبواب.. فى رحلتنا لأرض المعارض بالجزيرة، أجرى لألتقط يد والدتى وننطلق كأننا فى موعد للقاء غرامى مع حبيب مجهول.. هو الكتاب..

عودتنى تلك السيدة العظيمة أن أقرأ منذ نعومة أظافرى، وعلمتنى وأنا شابة أن أنتقى الأفضل.. أن أستحسن الكلمة واستطعم المعنى بعقل يهيم بين الصفحات.. فمن الكلمة تولد المعانى وتولد المواقف..

بل.. وتولد الحياة.. فالقراءة حياة.

1- على موعد مع الكتاب:

من جديد قادتنى قدماى يوم السبت الماضى كما عودتهما إلى أروقة معرض القاهرة الدولى للكتاب.. البيت الكبير، حضن الثقافة العربية وملتقى الأدباء والناشرين..

وكأننا جميعا كُتاب وقراء على موعد للقاء يجمعنا على مقهى فى الشارع الثقافى.

الحقيقة أن معرض الكتاب هذا العام لم يكن مجرد مناسبة ثقافية بل هو تحد لوجود الدولة وسط ظروف صعبة أضرت بصناعة الثقافة وأطاحت بأحلام الناشرين والمؤلفين لمدة ثلاثة أعوام على التوالى والعلم عند الله إلى متى ستستمر؟..

جائحة الكورونا قضت على التجمعات بشكل عام، وعلى وجه الخصوص المعارض والتوقيعات والندوات، حتى أصبح اشتياق الكُتاب للتجمعات الثقافية شوقا لا ينضب.

الأكيد أن معرض القاهرة الدولى للكتاب كان وسيظل أكبر معرض كتاب فى الشرق الأوسط لأن الثقافة أصلها مصر، وستظل مصر للأبد هى الرحم القادر على إنجاب المبدعين والإبداع، حتى لو أطلت دول عربية أخرى وبقوة مثل الشارقة وأبو ظبى لتنظم معارض كتاب كبيرة أصبح لها اسم يحترم ولتصبح الشارقة هى عاصمة الثقافة العربية بجهد مبذول لا يمكن إنكاره، إلا أن نجيب محفوظ هو مصر، ومصر كانت وستظل هى عنوان زقاق المدق وقصر الشوق!.

2- تجربة جديدة:

توقيت المعرض يعتبر توقيتا مختلفا والحقيقة هو ليس أفضل توقيت، فهو يأتى بالتزامن مع امتحانات الثانوية العامة التى هى بعبع كل البيوت المصرية، ونحن لم نعتد أن يكون المعرض فى فصل الصيف حيث الموجة الحارة شديدة القسوة التى بدأت مع بداية المعرض، وموسم بداية المصايف التى جعلت عدد الزوار أقل من المعتاد.

خرجت علينا الصور فى أول يوم تؤكد على زحام شديد على الأبواب وإقبال جماهيرى غير متوقع وهو ما أقره بالفعل الناشرون، كما أن الجمعة الأولى أيضا كانت جمعة شديدة الزحام ثم ذهبت أنا يوم السبت أتوجس خيفة من زحام متوقع إلا أننى وجدت الأجنحة والطرقات خاوية على غير العادة!.

لا يسعنى فى الأيام التى زرت فيها المعرض إلا أن أقول إن التنظيم جيد بشكل كبير والتكييف أنقذ الزوار ورحمهم من حر الخارج، والقاعات نظيفة حقيقة لا يشوبها إلا سلوك الأفراد الذين لازالوا عازفين عن فكرة مساعدة الدولة فى الإبقاء على جمال الحدث، فدورات المياه جيدة ولكن مشكلتها سلوك الزائرين التى حولتها إلى مهزلة، وأماكن الطعام خارج القاعات مرتب اللهم إلا من الأكياس والزجاجات التى لازال البعض يصر على إلقائها على الأرض!..

3- سلوك فردى حزين لن يغيره سوى الوعى والتعليم

جاءت التجربة الجديدة الأخرى وهى تجربة التسجيل أونلاين لشراء التذاكر ودخول المعرض محيرة ومربكة إلى حد كبير، نفس الفكرة تم تطبيقها فى معرض أبو ظبى هذا العام للحد من انتشار مرض الكورونا.

الواقع أن التسجيل الإلكترونى هذا العام تسبب فى مشاكل وفى زهق عام أدى إلى أن العديد من أبناء الأقاليم عزفوا عن المشاركة، كما وقع الموقع وتعطل قبل المعرض بأيام نظرا للزحام فى التسجيل، إجراءات معقدة وصعبة، فكرة يبدو أن المقصود بها هو حصر أعداد الداخلين أمنيا ووبائيا!..

كان قد أعلن رئيس هيئة الكتاب، أن الحد الأقصى للتذاكر ٤ تذاكر للفرد، كما أن السعة الاستيعابية للمعرض ١٠٠ ألف زائر يوميا، فى ضوء الالتزام بالإجراءات الاحترازية، إلا أن دخول مائة ألف ثم إغلاق باب الدخول تسبب للأسف فى هرج ومرج وسط موجة حارة للجو أشعلت تذمر الزائرين.

مما اضطر المسئولون عن البوابات فى اليوم الأول ونظرا لحالة الهياج التى أصابت الواقفون على الباب، السماح للزائرين بالدخول من صالة ٣ بدون تذاكر ولا تسجيل وهو ما أدخل الراحة قليلا على من تذمروا ونشروا الصور فى ثوان على مواقع التواصل الاجتماعى مهاجمين التنظيم.

4- الناشرون حائرون يشتكون: 

بالحديث مع الناشرين، صرحوا بأنهم غير راضيين عن أسعار متر الإيجار المرتفع، فى حين أن البيع ليس مضمونا فى هذه الظروف الاستثنائية لمعرض يقام فى توقيت مختلف، ربما كان تخفيض الايجارات هذه المرة أمرا واجب الحدوث..

الناشرون الكبار لم يتأثروا بشكل كبير لأنهم لا يعتمدون فقط على البيع من خلال المعارض، بل يعتبرون معرض الكتاب مناسبة لطرح الصفقات وفتح باب لعلاقات مع دول عربية تدعم الثقافة ومع رؤساء المعارض العربية الكبرى مما قد يغطى نفقات المعرض بصفقات ثقافية أخرى.

أما بالنسبة للناشرين اللبنانيين وهم كُثر منهم دار الساقى والآداب والعربية للعلوم والنشر وهاشيت أنطوان وغيرهم، فكنت ولازلت أرى إن استثنائهم بالكامل من دفع الإيجار كان لابد وواجب، فمصر هى الشقيقة الكبرى لكل العرب وهى الداعم كما عودنا رؤساؤنا لكل القضايا العربية، والحقيقة أيضا أن التحية واجبة لكل من يعملون بالنشر فى لبنان لما يتكبدونه من تدهور سريع للحالة الاقتصادية وهم لازالوا يعافرون ومصممون على إعلاء لواء الثقافة.. لذا كان واجبنا أن ندعم تلك العزيمة كنوع من المساندة والجدعنة المصرية.

الناشرون الصغار يشتكون من عدم وجود بيع بالقدر الكافى ويلومون وزارة الثقافة على ذلك وهو فى الحقيقة ما أراه لوما فى غير محله، لأن الوزارة لم تضرب أحدا على يده للاشتراك فى المعرض، التوقيت ليس الأفضل منذ بداية الحدث هذا ولم يكن سرا.

5- تزوير الكتب:

تزوير الكتب مشكلة عويصة ظهرت على السطح منذ أعوام، بدأت بالكتب الإنجليزية والمترجمة وانتهت بالروايات والكتب العربية، اتهم الناشرون والمؤلفون إتحاد الناشرين بالتقصير فى مواجهة هذا الأمر، واتهم اتحاد الناشرين بدوره وزارة الداخلية والجهات الرقابية المسئولة عن تنفيذ القانون بالتقاعس فى مواجهة هذا الأمر.. فى النهاية هناك محاولات ربما تبدو جادة إلا أن الظاهرة لازالت تتفشى، وبسببها تكبدت دور النشر والأدباء خسائر بالغة.

الكتب المزورة كانت على أرصفة شوارع القاهرة دون رقابة، ثم انتهى الأمر أنها منذ أعوام دخلت إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب، ولكن هذا العام تم التعامل بحسم أكبر مع الأمر حيث أعلنت هيئة معرض القاهرة للكتاب عن غلق جناح إحدى مكتبات «سور الأزبكية» بعد تأكيد شركة المصنفات الفنية وهى الجهة المنوط بها محاربة تزوير الكتب، وجود أحد الباعة داخل الجناح مُتهم بتزوير ٥٠ ألف كتاب، فتم إغلاق الجناح وتداول الخبر، وربما أن هذه هى الخطوة التى سيبدأ بها مشوار الألف ميل.

6- الإبداع الموسمى:

هى عادة (وربنا ما يقطع لنا عادة) ولكنها عادة زادت عن الحد، الكم الهائل من الإصدارات الجديدة التى أصبحت بالمئات ودور النشر التى تظهر فجأة فى المعرض ثم لا يصبح لها أى وجود بعد المعرض بلا سبب وجيه، وكأن هؤلاء الكُتاب والناشرين يحملون لقب الإبداع الموسمى، يظهرون فى موسم المعرض ثم يتبخرون!.

على ما يبدو لى أن نصف قراء العام الماضى أقسموا أن يصبحوا كتابا هذا العام!

عشرات العناوين ومحتوى فارغ.. والقارئ المسكين حائر بين هذا وذاك، هل يشترى القيمة أم يبحث عن اللغة العامية والأفيهات الدارجة والعناوين المثيرة ويريح باله؟

تكتظ الأرفف بعناوين أغرب من الخيال وأغلفة عجيبة، ويقف أمامها كاتب شاب ليلتقط الصور السيلفى فى زفة من الأحبة والمريدين، وكأن الكتابة أصبحت كلها زفة كدابة!..

لا يسعنى التعليق هنا إلا بالقول: رحم الله أساتذتنا نجيب محفوظ وخيرى شلبى وإحسان عبد القدوس وأطال الله فى عمر بهاء طاهر وإبراهيم عبد المجيد..

لازلت أصر على أن هذا الكم أساء للوسط الثقافى ولم يثره، لازلت أصر على أن نصف من يخرجون من باب المعرض محملين بأكياس من الكتب لا يقرأونها!

لازلت أصر على أن (جروبات الكتب) التى تتصدر الفيسبوك وعليها الآلاف من المشتركين تشجع على بيع الكتب ولا تشجع على الكاتب الأفضل.. تشجع على اقتناء الكُتب ولا تشجع على قراءتها.. تروج للأكثر مبيعا ولا تروج للأكثر قيمة..

لابد أن نعلم أولادنا أن اقتناء مكتبة بها مئات الكتب المغلفة بورق السوليفان ليست ثقافة بل هى منظرة، وأن الثقافة الحقيقية هى استعارة كتاب واحد من مكتبة المدرسة أسبوعيا وقراءته حتى ترقص أوراقه فرحا!.