طارق الشناوي يكتب: فيلم ونجم (على الحُركرك) .. (موسى) .. فكرة تحلق فى السماء .. ومعالجة كسيحة!

الفجر الفني

بوابة الفجر


في لقاء جمع بين كريم محمود عبدالعزيز والإعلامية منى الشاذلي، حكى لها كيف أنه شاهد والده رؤيا العيان أثناء تصوير فيلم (موسى) وهو يطلب منه أن يسارع بالاستيقاظ ويهيئ نفسه للذهاب إلى الأستوديو، آمن محمود بأن كريم يمتلك موهبة، وأنه (الجان) القادم، في نفس الوقت كانت لدى كريم قناعة بأن (موسى) هو الذي يتجسد فيه الحلم المشترك بينه وبين والده في العالم الآخر.

الفيلم لايزال في بداية السباق، يقف وراءه بيتر ميمي مخرج يجيد مخاطبة الجمهور، بما يعتقد أنه يبحث عنه وينتظره، ينتمي بيتر إلى قائمة المجتهدين وأيضاً الحرفيين القادرين على قراءة الحياة الفنية بكل تفاصيلها، صار في غضون سنوات قليلة اسماً يعتد به على الخريطة الدرامية بشقيها السينمائي والتليفزيوني.

لم يدرس السينما ولكن الطب، إلا أنها النداهة، فوجد مصيره على الشاشة الفضية، آمن بموهبته المنتج تامر مرسي فصارت وراءه شركة كبيرة تستطيع تحقيق أحلامه.

قارئ جيد للجيل الذي يحرك مؤشر الفن، أقصد شباب العشرينيات، هؤلاء هم قاطعوا التذكرة، الجيل الذي يتعامل مع الوسائط الرقمية باعتبارها هي الحياة، بينما جيلنا يتعامل معها باعتبارها إضافة للحياة، تفصل بيتر سنوات قلائل عن هذا الجيل، ولهذا فإنه من السهل جداً أن يدرك أين هم بالضبط؟ وهكذا رأيت مثلاً فيلمه (الهرم الرابع) أحد أفلام البدايات وهو يتناول القرصنة الإلكترونية، لأن هذا هو مزاج الشباب.

يجيد بيتر الحرفة وتقديم ما يجذب الجمهور مثل مسلسل (كلبش) وفيلم (كازابلانكا)، وعندما أتيح له التصدي لمسلسل (الاختيار) بجزئيه كان قادراً على تقديم عمل وطني بقدر ما هو ممتع.

في فيلم ( موسى) يواصل علاقته بهذا الجيل، ولهذا قدم الروبوت العملاق وأطلق عليه موسى- موسى هو(كليم الله) وحامل رسائله للبشر أجمعين.

تلك الومضة مقصودة في اختيار الاسم، ولكن بيتر لا يمتلك الجرأة لكي يخوض أكثر، كما أنه ليست لديه رؤية عميقة مثل المخرج داود عبدالسيد عندما قدم مثلاً في فيلمه (أرض الخوف) شخصية تحمل اسم موسى، فكان يحمل رسالة من السماء، كما أن الرقابة في الماضي كانت أكثر مرونة في التعامل مع هذا الهامش بدون أن تصادر أو تتوجس.

(موسى) ينتمي لسينما الخيال العلمى، يظل هذا الأمر صحيح فقط نظريا أكثر منه عملياً، نرى روبوتاً عملاقاً لأول مرة في السينما المصرية، ولكن أين بعد ذلك الخيال والعلم، هذا الخارق في كل شئ، يحيى (كريم عبدالعزيز) العبقري الذي يدرس علم الفيزياء ويتقدم خطوات بعيدة تتجاوز حتى أستاذه إياد نصار، شخصية خجولة تحمل الكثير من الانكسار الشخصى رغم عبقريته، إنه امتداد للأب (صلاح عبدالله) أيضاً ورث عنه هذا الشغف.

يمتلئ بالإحباط الشخصي الذي يعيشه عندما يرى الأشرار يحرقون والده (صلاح عبدالله) أمام عينيه، فيقرر أن يخلق هذا الروبوت، وكأنه يعيد شقيقه مجدداً إلى الحياة ومن خلاله يستعيد نفسه وينتقم من ظالميه.

الدولة تنزعج من هذا العملاق وإحدى العصابات تقرر قتله، ونتلقى، كمشاهدين، السؤال: هل هو في النهاية ضحية أم مذنب، الروبوت يقتل الأشرار، إلا أنه في نفس الوقت يقتل القانون.

مثل هذه الشخصيات المهيمنة تصاحبها لمحات موازية يتم التعبير عنها بالصوت والصورة والجرافيك لتشغل الجزء الأكبر من عيون الناس وتمتلك قلوبهم، الجمهور في السينما لا يتعامل مع الشريط السينمائى باعتباره مصرى الصنع، وعليه أن يحمد ربنا على تلك الخطوة المباركة، ولكنه مع تعدد المنافذ للرؤية السينمائية من منصات وفضائيات، صار لديه رصيد ضخم ويريد للفيلم المصرى كحد أدنى أن يقف بجواره هذا إذا لم يتجاوزه، وهذا هو ما ينبغى أن يعمل له المخرج ألف حساب، وهو تحديدا ما لم يفعله بيتر للمتفرج.

على مستوى الصورة لم يستطع المخرج تقديم تلك الحالة من الإبهار بصريا، على مستوى شريط الصوت قدم خالد الكمار واضع الموسيقى التصويرية رؤية حقا ممتعة.

كان من الممكن أن يستثمر المخرج العلاقات بأسلوب درامى أكثر عمقا مثل علاقة البطل بأستاذ الفيزياء إياد نصار، الذي يرى تلميذه يتفوق عليه، كذلك توجس الدولة من هذا الكائن الأسطورى، شاهدنا أمير كرارة في اللقطة الأخيرة ممسكا برأسه دلالة على أنه لم يمت بعد.

أجمل وأصعب أدوار كريم محمود عبدالعزيز على الشاشة، ولم تكن المرة الأولى التي تُسند له البطولة، إلا أن تلك الومضة الجماهيرية لم تتحقق، ومع تعدد الفرص يخفت الأمل، ورغم ذلك لا أستطيع أن أعتبرها نهاية الحلم، ولكن على كريم، وهو بالفعل ممثل موهوب، ألا يتمسك في المحطة القادمة بدور البطولة المطلقة، عليه أن يأخذ الحكمة من الخالدين: الراحل (صالح)، ومتعه له بالصحة والعافية (الصاوى) وهى أن يقبل فيما هو قادم الدور الثانى على الشاشتين طالما وجده يضيف إليه، تراكم النجاح حتى لو لم يتصدر اسمه (الأفيشات) و(التترات) أحد الأسلحة التي تحافظ على بقاء الأمل في البطولة المطلقة.

فيلم (موسى) خطوة لا بأس بها سينمائيا وجماهيريا، إلا أنها تقف في مرحلة (الحركرك) لا شاشة جاذبة ولا نجم لديه جماهيرية!!

[email protected]
المقال: نقلاً عن (المصري اليوم).