د. رشا سمير تكتب: الزوج الثاني والثالث والرابع..والليلة يا عُمدة!

مقالات الرأي



تتوالى الأيام وتتبدل الصور..ما بين الماضي والحاضر تسقط قيم وتظهر أخرى..ما بين الأمس واليوم تتطور العلاقات وتتغير مفاهيم الأشياء والمسميات.

على مر سنوات طويلة تغير دور الزوجة ومفهوم الأمومة ومعنى الزواج..

لم تعد أم العشرينيات هي نفسها أم الستينيات..ماذا تغير؟ وكيف؟ أسئلة تحتاج إلى ألف قرين وألف دليل ومئات الإعتبارات.

في ثلاثية العالمي نجيب محفوظ، رصد المبدع العظيم فترة عشرينيات القرن الماضي في مصر تحت وطأة الاحتلال الإنجليزي..فكانت أمينة، زوجة سي السيد، هي نموذج فريد للزوجة والأم التي رسمها بدقة محفوظ بقلمه الرشيق. 

أمينة تمثل القيم الأخلاقية التقليدية للمجتمع المصري أنذاك..الأم الحنونة المتفرغة لتربية أولادها، والزوجة القنوعة الراضية بزوجها ومتفهمة لهفواته، تستقبل زوجها وأولادها بالدعاء وآيات القرآن عقب دخولهم وخروجهم من المنزل..

ظلت أمينة لسنوات أيقونة وصورة للمرأة المصرية في زمان ما..تغيرت الدنيا وتبدلت الأوضاع وخرجت المرأة تطالب بحريتها وخلاصها من قبضة سي السيد الذي كان يمثل القهر والسيادة الذكورية على المرأة..هو من حقه أن يلهو ويرافق الراقصات وهي تنتظر منكسرة حائرة.

هل كان هذا الدور هو الدور الطبيعي للمرأة؟ هل ربت أمينة أفضل أجيال؟ أم أن هذا القهر النفسي إنعكس على أجيال ربتهم إمرأة مهزوزة مكبوتة؟

هذا السؤال أجابته الأيام..وكانت إجابته قاسية.

الزوجة الحائرة:

في العشر سنوات الأخيرة وربما تم ربط هذا التوقيت بقيام ثورة يناير، ومن وجهة نظري أن التغيير ليس له أي علاقة بالثورة بل أن له علاقة وثيقة بإنتشار السوشيال ميديا وفرض سطوتها على كل شئ، بل وله أيضا علاقة بتغيرات إجتماعية وإنسانية طرأت على البشر..

في الماضي كانت الزوجة هي عماد الأسرة، وكانت الأم هي المدرسة والقدوة لأبنائها..

الزوجة التي يموت زوجها تظل طوال العمر أرملة لا تفكر سوى في تربية أبنائها ولو جاءها العدل من جديد تفكر ألف مرة قبل أن تتخذ قرار ربما يؤثر على نفسية أبنائها ولو واحد بالمائة. الأم التي يتزوج زوجها بأخرى تنأى بنفسها بعيدا رغم الألم والإنكسار في محاولة لجمع شتات نفسها والمحافظة على كيان البيت..تنجرح ربما، تصرخ في صمت ولكن لا يهمها إلا أن تقدم الصورة المتماسكة لأبناء هم كل حياتها.

قد يخون الرجل، وقد يتزوج بأخرى..والزوجة صابرة، ساكنة، لا تدخل في مهاترات، بل وتدفع الثمن في سكوت..قد تنصل من مسئولياته أما هي فلا..ولو أثقل الحمل كاهله لتقدمت هي بكل جسارة وحملتها فوق ظهرها دون أن تنحني أو تئن.

أما اليوم..

اليوم ظهر نموذج الstrong independent woman أو المرأة القوية المستقلة، وهو نموذج تم تصديره بقوة من الغرب..لتصبح الأمهات وبالتالي البنات ضد فكرة الأم المضحية، الضعيفة، البائسة، التي تجلس في مقعد المتفرجين وليست محرك محوري للأحداث.

والحقيقة أن نموذج (أمينة) كان بالفعل نموذج بائس لإمرأة ربما ربت أجيال ولكن دون شك هي إمرأة أنجبت وربت أيضا فتيات ينتمين لنفس الفئة، خاضعات خانعات لا يعترضن ولا يعلو صوتهن إلا بالدعاء للزوج وهو في طريقه ليلهو:

" من شر حاسد إذا حسد يا سي السيد!".

المرأة في الدراما:

طلت علينا من خلال الدراما نماذج جريئة مثل نازك السلحدار في (ليالي الحلمية)، السيدة التي تتزوج وتطلق وتحرك الكون بإصبعها الصغير..

وفي العامين الماضيين طلت نماذج أكثر جرأة في مسلسلات قلبت كل الموازين والأعراف مثل مسلسل (سابع جار)، و(نمرة إتنين) الذي قدم نماذج لنساء متحررات، لا يبحثن عن رجل ليعشن في كنفه بل يبحثن عن شاب لطيف لقضاء وقت ألطف!..

حكايات غريبة وكأن هناك فقرة معينة أو حقبة بعينها سقطت منا نحن البشر العاديين..

حتى الأغاني أصبحت تدعم إستقلالية المرأة ودفعها لنيل حقوقها وحقوق الجيران!..مما جعل أغنية مثل أغنية الديفا سميرة سعيد (ماحصلش حاجة) قنبلة أسعدت كل النساء وحطمت كل الرجال..وأغنية أنغام (ولا دبلت) أغنية تؤكد على أن الحياة تستمر معك أو بدونك.

إلى هنا وكان الوضع يعتبر نقلة حضارية لإمرأة هي نصف المجتمع تستحق أن يكون لها كيان وأن تقف في وجه ذكورية المجتمع القاسي.

الواقع أن المرأة في المجتمعات العربية كانت ولازالت لحد كبير تشعر بالتهميش والمعاملة التي تضعها في المرتبة الثانية..وهي التي تستحق أكثر من ذلك بكثير..

الزوجة الفرفوشة رزق:

ثم حدثت الطفرة الغير مفهومة..طفرة الزوجة التي تخون زوجها إيمانا منها بأن العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم!.

والمرأة التي تنفتح على كل العلاقات مثل فكرة أن يكون لها صديق مقرب، عادة هو زميل عمل، تستأنس به، ثم تشكو له، ثم تخرج معه، ثم......

ثم تدخل في دوامة مقارنته بزوجها والمفاضلة بينهما، وحيرتها التي لا تنتهي، إلى أن يتغلب على حيرتها حسابه في البنك أو محبته للحياة (يعني الشاب فرفوش والا نكدي زي جوزها)..

وهنا تقرر الزوجة ألا تنظر خلفها ولا حتى بجوارها وهي تتخذ قرار الإنفصال..فلو نظرت خلفها لرأت ماضٍ جمعهما ولو نظرت بجانبها لربما رأت الأولاد!.

لم تعد الزوجة تقبل الزوج الخائن ولا النكدي ولا الممل..فالطلاق موجود والصداقة موجودة وكل شئ أصبح متاح في الظاهر والباطن.

بالأمس كان الرجل يبحث عن زوجة جديدة عقب طلاقه مباشرة..واليوم باتت الزوجة تبحث عن رفيق جديد وهي في مرحلة تخليص أوراق الطلاق!..

زوج..إثنان..ثلاثة..وربما أربعة..(طالما النفس موجودة فإيه المانع)!.

هل من حق المرأة أن تتزوج أكثر من مرة؟ بالقطع نعم..ولم لا..فلماذا نحرم ما حللناه للرجال؟

ولكن تبقى المعضلة الرئيسية في هذا المشهد المرتبك..وهم الأولاد..

سؤال حائر بين جيلين:

لو سألت أي شاب أو شابة هذه الأيام سؤال تقليدي وهو:

" إيه رأيك لو ماما اتجوزت بعد طلاقها من بابا مرتين أو تلات مرات؟"

سيرد على الفور ودون تفكير: 
" وإيه يعني..هي حرة ودي حياتها، من حقها تعيشها زي ما تحب".

وإذا وجهنا نفس هذا السؤال لسيدة من جيل أمهاتنا أو جداتنا لردت على الفور الرد المتوقع:
"بلاش مسخرة وقلة قيمة".

هذا هو الفرق بين جيلين، جيل يرى التضحية واجبة دون النظر لحق المرأة في أن تعيش كما يحلو لها..وجيل مع الحريات وإستقلال المرأة والمساواة في كل شئ من أول الميراث إلى أن تنزل الشارع بالشورت!.

لن أجادل هذا أو ذاك لأنني من المؤمنين بحرية الرأي وحرية الإختيار، ولكن جدالي سوف يكون منصبا في منطقة الأولاد وما يحدث لهم عقب إنفصال الأب والأم، والدخول في معركة فرض الوصاية وجذب الأبناء بالمال والتدليل واللابتوب والموبايل..وما يحدث لهم بعد أن تنتهي المعركة وينتقل الأب إلى أحضان زوجة جديدة أو عشيقة، وتنتقل الزوجة إلى بيت زوج جديد..

إنها مرحلة أن يصبح الأبناء بلا عنوان..بل مرسى..بلا مكان في حياة الأباء..بلا أمين يستمع إليهم أو يوجههم..
هنا يتحول الإهتمام من النصيحة والتوجيه والإحتواء إلى:

(عايز فلوس يا حبيبي..ما تيجي تطلعي معايا أنا وطنط إيطاليا وتريحي من أمك يومين..إنزلي إشتري الموبايل اللي انتي عايزاه يا حبيبتي والفلوس أهي..أمكم بتحاول تبعدكم عني وهي أصلا سبب الطلاق..أبوكم نسيكم وهو طول النهار يصرف فلوسه على الهانم الجديدة)!.

جُمل مُسممة تدفع الأبناء في النهاية إلى التعامل مع الطرفين على أنهما البنك أو دفتر الشيكات..

فلو بابا دفع ألف ماما هتدفع إتنين..ولو ماما وديتنا الساحل بابا بكرة جاهز يطلع الجونة) وهكذا!.

هذا هو خلاصة الموضوع..سقوط الأبناء أدى إلى سقوط المجتمع وظهور آفات لا خلاص منها إلا بدق ناقوس الخطر..الشباب في خطر..

المخدرات والشذوذ والإلحاد والأمراض النفسية والطلاق السريع بين الشباب..هذه هي التداعيات  
وتلك هي الحكاية.