منال لاشين تكتب : رحلة البحث عن بديل شرعى للطوارئ

مقالات الرأي

منال لاشين تكتب :
منال لاشين تكتب : رحلة البحث عن بديل شرعى للطوارئ


■ وزير العدل اقترح استبدال قانون مكافحة الإرهاب بالطوارئ خلال شهرين

■ محمد إبراهيم أكد أن القوانين الحالية لا تكفى لمواجهة مخططات الإخوان

■ النيابة أصدرت أكثر من 5000 أمر اعتقال ولكن الداخلية تريد استمرار الطوارئ لمداهمة أوكار الجماعة


الدولة البوليسية يجب أن تنتهى من أجل مصر


فى الشهر الماضى وعندما أعلن عن إعادة العمل بقانون الطوارئ لمدة شهر وفرض حظر التجول، كان الاستقبال الشعبى للحدثين مثار دهشة للمراسلين والمحللين الأجانب.

على صفحات الفيس بوك بدأ الترحيب بالخطوتين.لا أهلا بالطوارئ، وساعة الحظر ما تتعوضش، وربنا يخليك يا سيسى.. لميت شمل الأسرة تانى، ورجعنا نقعد مع بعض.

ونشرت الواشنطن بوست تقريرا لها على أن المصريين لا يشعرون بالغضب من فرض الطوارئ أو الحظر، واعتبر كاتب التقرير أن ما يحدث فى مصر هو انقلاب خطير فى حياة المصريين، فعلى الرغم من تأثرهم اقتصاديا بالحظر فإنهم يساندون الجيش والشرطة، ويؤكدون استعدادهم لتحمل الخسائر (علشان البلد تنظف من الإرهاب) و(مستقبل مصر أهم الآن)، ولذلك لايبدو أن قرارا مرتقبا بمد العمل بالطوارئ مرة أخرى سوف يحدث غضبا أو حتى تأثيرا شعبيا.

ففى ظل عمليات الإرهاب من محاولات اغتيال إلى تفجيرات سيناء والهجوم على الأقسام، فإن هناك أسباباً منطقية إلى مد العمل بقانون الطوارئ مدة أخرى تطول أو تقصر، والكلمة الأولى وربما الأخيرة فى مد الطوارئ لوزير الداخلية، وطبقا للإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المؤقت عدلى منصور فإن آخر مهلة دستورية للعمل بالطوارئ هى شهران إضافيان، وفى اجتماع مجلس الدفاع الوطنى الأخير كان ملف الطوارئ أو بالأحرى مد الطوارئ من أهم الملفات التى تم بحثها، وخصوصاً أن هذا الاجتماع جاء عقب محاولة اغتيال وزير الداخلية نفسه. ولذلك فإن المناخ العام فى هذا الاجتماع كان يميل إلى مد العمل بحالة الطوارئ.

1

ضد الطوارئ

الفريق الوزارى أو حتى الشعبى المعادى لمد العمل بالطوارئ يستند إلى عدة أسباب وجيهة، فمد العمل بقانون الطوارئ يزيد من صعوبة الموقف الدولى. لأنه يوحى بأن حملات القبض على قيادات الإخوان تتم وقفا لقانون الطوارئ، وانها مجرد حملات اعتقالات انتقامية أو سياسية، ولكن الواقع الفعلى أن كل من نجحت الداخلية فى القبض عليهم من الإخوان جاء نتيحة قرارات من النيابة العامة لتورطهم فى أعمال عنف أو إرهاب أو قتل متظاهرين، ولذلك فريق (لا لمد الطوارئ) يرى أن الداخلية لا تحتاج لمد الطوارئ للقبض على بقية قيادات الإخوان المتورطة فى قضايا إرهاب أو عنف، لأنها تنفذ تعليمات وقرارات النيابة العامة، فالقبض هنا قانونى ولا يتطلب إجراءات استثنائية.

ويقدم هذا الفريق أسباباً أخرى لإلغاء الطوارئ، فقانون العقوبات المصرى متخم بالجرائم والعقوبات التى تواجه إرهاب الإخوان وجرائمهم، ففى قانون العقوبات تصل عقوبة استخدام المفرقعات للقتل أو تخريب المنشآت للإعدام.بل إن قانون العقوبات يعاقب مجرد حيازة مفرقعات بدون ترخيص بالسجن المؤبد أو المشدد، ولذلك فإن معاقبة أو اصطياد الإخوان بهذه المواد سهل وسريع من دون الحاجة لقانون الطوارئ، وجرائم قيادات الإخوان تقودهم إلى السجن المؤبد، ولأن يقضوا عقوبتهم فى سجن العقرب (شديد الحراسة) بفعل مواد قانون العقوبات.

من جهة أخرى يخشى معارضو مد الطوارئ أن يؤدى المد إلى تجاوزات للشرطة فى الجرائم الجنائية، أو تجاوزات فى الحجز فى أقسام الشرطة، أو خلال عمليات التفتيش أو البحث، ولا شك أن تجاوزات الشرطة قبل ثورة 25 يناير تبرر بعضا من مخاوف هذا الفريق، فبعد أن عملت الشرطة لأكثر من 30 عاما فى ظل الطوارئ بشكل مستمر، فإن الاستعداد للعيش بدون طوارئ يتطلب إجراءات انتقالية، وجرأة أو بالأحرى ثقة بالنفس وبقدرة الشرطة ورجالها على العمل بدون طوارئ.

2

عشق الطوارئ

على الجانب الآخر فإن وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم حدد موقفه من القضية، فالرجل مع مد العمل بقانون الطوارئ حتى تستطيع الشرطة أن تقضى على بؤر وقياديى العمليات الإرهابية، وتتعلل الداخلية بأن عمليات البحث عن الفارين والإرهابيين ومداهمة مقارهم الخفية تجعل مد حالة الطوارئ ضرورية، فقيادات الإخوان تتنقل وتتخفى بسرعة هائلة، وفور وصول معلومة للشرطة تتوجه على الفور إما للقبض على متهم هارب، أو ضبط أسلحة أو متفجرات، ولذلك فإن وزير الداخلية يرى أن الأنسب لهذه المرحلة هو مد العمل بقانون الطوارئ، ولا يرتبط رأى الوزير بمحاولة الاغتيال، فقد كان مع إعلان الطوارئ لثلاثة أشهر مرة واحدة، ولكن رؤى أن تكون الطوارئ لشهر فقط، ويترك المد للظروف.

ويتيح قانون الطوارئ للشرطة مداهمة المنازل والمقار والأماكن بدون إذن نيابة، وذلك استثناء من قواعد قانون الإجراءات الجنائية، وبالمثل فإن إجراءات القبض أو الضبط فى قانون الطوارئ أسهل وأسرع لأنها تتم بدون إذن نيابة.

ويمنح قانون الطوارئ للسلطات حق مصادرة المركبات والبضائع، وبالإضافة إلى كل هذه الحقوق، فإن مواد قانون الطوارئ تمنح الحاكم العسكرى حق فرض حظر التجول. باختصار فإن الطوارئ تحكم قبضة الأمن على الجميع.

3

البديل الشرعى

ربما ينجح وزير الداخلية فى مد العمل بالطوارئ شهرين إضافيين، وذلك هو الحد الأقصى لاستمرار الطوارئ طبقا للإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المؤقت عدلى منصور، وبعد هذه الأشهر الثلاثة يجب إخضاع المد لثلاثة أشهر لاستفتاء شعبى، وهو أمر مكلف سياسيا واقتصاديا، ولذلك ظهر اقتراح بإحياء مشروع قانون مكافحة الإرهاب، واستبدال الطوارئ به، وهذا الاقتراح ظهر فى عام 2008 حتى يتخلص نظام المخلوع مبارك من وصمة استمرار الطوارئ طوال عهده.

ويبدو أن اقتراح وزارة العدل بقانون الإرهاب قد وجد ترحبيا من كبار المسئولين بالدولة، وبدأت اللجنة التشريعية بوزارة العدل بالفعل فى إعداد قانون مكافحة الإرهاب، ويعالج مشروع القانون حالات وإجراءات مواجهة العمليات الإرهابية، وخصوصاً فى مجال إجراءات الضبط والمداهمة والتفتيش. وقد عرف المشروع المبدئى الإرهاب بأنه (كل فعل يؤدى إلى نشر الرعب والخوف عن طريق استعمال العنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية أو التهديد باستعماله).

وتشمل قوانين مكافحة الإرهاب الدولية وفى الدول الديمقراطية حقوقا أكبر للشرطة والمحققين فيما يتعلق بقضايا الإرهاب، وذلك على حساب الحقوق والحريات، ولكن قوانين الإرهاب الدولية تأخذ ببعض الإجراءات القانونية. مثل اشتراط موافقة المحاكم على إجراءات التجسس على بعض المواطنين، وفى هذه الحالة يكون قرار المحكمة سرياً، ويترك أيضا للمحاكم الحكم بإزالة السرية عن القرارات، وبالمثل تخضع إجراءات قوانين الإرهاب إلى رقابة لاحقة من الأجهزة الرقابية، ويمكن للكونجرس أو لبعض لجانه أن يطلب الكشف عن الإجراءات المتعلقة بمكافحة الإرهاب.على أن تتم المناقشات فى لجان سرية ومغلقة. لذلك فإن الإسراع بإعداد قانون محترم لمكافحة الإرهاب يحل مأزق الطوارئ، فالــتأييد الشعبى للطوارئ معرض للتبخر إذا شعر المواطن بعودة قبضة الشرطة، خصوصاً أن تقارير بعض المؤسسات السيادية تؤكد أن الإرهاب قد يستمر لأكثر من عام، ولم يعد من القبول أن تعيش مصر مرة أخرى تحت وطأة الطوارئ، فبعد ثورتين شعبيتين يجب أن تعود الحياة فى مصر إلى سابق عهدها، وأن تتوافق مع الاعراف والمواثيق الدولية، وأن تتم مواجهة الإرهاب بقانون ضمن المنظمومة القانونية الطبيعية، وليس بإجراءات استثنائية، خصوصاً أن الصلاحيات الواسعة للشرطة فى قانون الطوارئ تغرى بمزيد من الانتهاكات، فلولا الحرب على الإرهاب فى التسعينيات واستمرار الطوارئ لأكثر من 25 عاما، لما ظهر وزير داخلية فى قسوة وظلم واستبداد حبيب العادلى، فإذا كان الإرهاب قد منح الشرطة الحق فى العمل بصلاحيات غير طبيعية، فإن هذا الحق قد انقلب عليهم فى ثورة 25 يناير، التى بدأت بانتفاضة ضد الداخلية، فلا تلعبوا بالنار مرة أخرى.