عندما يلتقى الإيدز مع الكورونا.. كوارث ومصائب بشرية

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر



منذ بداية موجات وباء كورونا العالمى كانت الفئات الأكثر تخوفًا هم مصابو الأمراض المزمنة المؤدية إلى نقص المناعة، ولكن بالرغم من ذلك لم يتمكن مصابو الأمراض المعدية منهم من الحصول على الرعاية اللازمة لهم فى ظل الظروف الحالية التى تهدد وضعهم الطبى، لاسيما مرضى الإيدز.

فبعد اعتماد عدد كبير من الأدوية المخصصة لعلاج نقص المناعة، ضمن بروتوكول وزارة الصحة للعلاج والوقاية من فيروس كورونا، واجه مرضى الإيدز معاناة كبيرة تمثلت فى نقص الأدوية داخل الصيدليات بسبب الاحتكار وشراء المواطنين لكميات كبيرة من الأدوية، فيقول رامى.س الذى يبلغ ٢٥ عامًا، إنه اضطر للتعامل مع مكاتب تستورد الأدوية من الخارج بطريقة مهربة مقابل مبالغ مالية أكبر، ليصل ثمن العلبة الواحدة من مكملات التغذية إلى ١٠٠٠ جنيه بدلًا من سعرها المحلى الذى لا يتخطى الـ ٣٥ جنيهًا.

وبالرغم من حذف دواء علاج الإيدز لوبينافير من بروتوكول علاج كورونا بعد ثبوت ضعف فعاليته فى مواجهة الوباء، إلا أن مصابى الإيدز لا يزالون يعانون من نقصه بالأسواق، ليبدأ الأطباء المسئولون عن علاجهم فى توجيهم لشراء بدائل أخرى مستوردة بمبالغ أكبر، لا تحقق نفس فعالية الأدوية المعتمدة لهم بحسب قول و.د الذى اضطر للتعامل مع أبلكيشن مخصص لإرسال المنتجات مع القادمين من الخارج، حيث يقوم بطلب الدواء منهم مقابل دفع ٢٠٠٠ جنيه قيمة العلاج مضافًا إليها ٥٠٠ جنيه عمولة للتطبيق خوفًا من تدهور حالته الصحية.

ومع حاجة الكثير من بينهم للعزل الطبى وللحصول على المتابعة اللازمة لعلاجهم ووقايتهم، إلا أنهم قوبلوا بالرفض من المستشفيات والعديد من المراكز الطبية ما دفعهم للوقوع فريسة لتجار المرض ممن استغلوا الوضع وبدأوا فى توفير الرعاية اللازمة لهم مقابل آلاف الجنيهات اضطر العديد من بينهم للخضوع لها اتقاء لشر فيروس كورونا خاصة مع دخول الموجة الثانية منه بالتزامن مع فصل الشتاء وهو ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة به.

«أ.م» إحدى الحالات المصابة بالإيدز والذى خالط شقيقه الذى ثبت إيجابية تحليل «البى سى آر» الخاص به، بما يعنى إصابته بفيروس كورونا، ما دفعه للذهاب إلى مستشفى النهار التخصصى، لإجراء مسحة والاطمئنان على وضعه الطبى والاسترشاد بطبيب متخصص يحدد له إجراءات الوقاية اللازمة فى هذه الحالة.

إلا أن المريض فوجئ بعد دخوله المستشفى واطلاع الممرض على حالته الصحية بأنهم يمنعون تعامله معهم ويجبرونه على الخروج على الفور بدون شوشرة.

مخاوف «أ.م» دفعته للوقوف على باب أكثر من مستشفى حكومى وخاص، إلا أن الرفض خوفًا من إثارة الذعر فى ظل وضع الوباء الحالى كان يمنع حصوله على التحليل اللازم.

ولكن بعد خروج المريض من مستشفى الأندلس بدون استجابة لمطلبه، قام أحد الممرضين بمناداته وعرض عليه أن يوجهه لأقرب مركز صحى لمنزله يوفر خدمة رعاية مصابى الأمراض المزمنة ونقص المناعة مثل الإيدز، ولكن مقابل مبلغ مادى مرتفع قليلًا.

فوافق المريض، وتوجه بالفعل إلى مركز «دى إل اتش» التخصصى بمدينة نصر، ليفاجأ بأن المكان يستقبل بحد أقصى ٥ حالات شهريًا، على أن يتم تخصيص غرفة كاملة وممرض للإشراف على كل حالة بخلاف الطبيب، وذلك مقابل ٢٥٠٠ جنيه لليلة الواحدة بدون الوجبات، بالإضافة إلى إجراء المسحة مقابل ٥ آلاف جنيه لمرضى الإيدز بسبب زيادة معدل الإجراءات الوقائية هناك عن الطبيعى بسبب طبيعة حالة المرضى الخاصة.

ولكن هذا الموقف لم يكن «أ.م» الوحيد الذى مر به، فعلى مجموعات مرضى الإيدز على مواقع التواصل الاجتماعى، يناشد الكثير من المصابين بتوفير أماكن من قبل الدولة لرعايتهم فى ظل وضع الوباء الحالى، لاسيما مع عدم مقدرة الكثير من بينهم على تحمل المصروفات المرتفعة للمراكز والعيادات الخاصة.

وبالفعل بعد تصفح هذه المجموعات عثرنا على إعلانات لعيادات خاصة ومراكز طبية تعلن عن توفير أماكن عزل وخدمات إجراء المسحات الطبية وبروتوكول الوقاية والعلاج مقابل مبالغ مالية كبيرة.

بالعثور على إعلان لعيادة الدكتور عصمت السيد بمصر الجديدة، يعلن عن توفير أماكن لإقامة ٤ أفراد من مصابى نقص المناعة بغرف عزل قمنا بالتواصل معه هاتفيًا، ليبدأ فى سرد التفاصيل لنا موضحًا أن الإقامة مقابل ٦ آلاف جنيه فى الليلة مع توفير ممرض للإشراف، بالإضافة إلى إتاحة مجموعة من الأدوية والوجبات الصحية اللازمة لكل حالة.

وحينما طلبنا الحجز معه أوضح لنا أن تأكيد الحجز يتم من خلال الحضور إلى مقر العيادة وتسجيل الاسم ورقم الهاتف ودفع مبلغ مالى قدره ألفين جنيه لضمان الجدية، وسيتم التواصل لتحديد أقرب موعد لحضور المريض فيه بعد تجهيز إحدى الغرف الشاغرة.

وبالتواصل مع مركز الدكتور عمرو السنوطى التخصصى بكفر الشيخ، أكد لنا أن هناك ٥ غرف فارغة يتم تخصيصها لمرضى نقص المناعة ومصابى الأمراض المزمنة المصابين والمخالطين والراغبين من بينهم فى الوقاية.

وحينما سألناه عن التكلفة، أكد لنا أن الغرفة لمصابى الأمراض المزمنة وكبار السن تبدأ من ١٠٠٠ جنيه فى الليلة الواحدة، بينما تبدأ من ٣ آلاف جنيه لمرضى الإيدز غير المصابين بكورونا، بينما تصل إلى ٧ آلاف جنيه فى الليلة للمصابين أو المخالطين من بينهم لحين التأكد من سلبية المسحة بعد إجرائها لهم فى أول ليلة مقابل ٣٢٠٠ جنيه.

وكان النائب فرج عامر، رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، قد تقدم بطلب إحاطة إلى وزارة الصحة بسبب امتناع المستشفيات الحكومية والخاصة عن استقبال مصابى الإيدز وعلاجهم.

وأوضح أن المستشفيات بهذه الطريقة تخالف القانون الذى يلزم مقدم الخدمة بأدائها أو تحويل المريض لمستشفى آخر يلائم وضعه الصحى وهو ما نصت عليه المادة ١٨ من الدستور الذى يكفل لكل مواطن حق الرعاية والخدمة الطبية المتكاملة.

ولكن لم تقتصر معاناة مرضى الإيدز على ذلك فحسب، بل أصيبت فئة من بينهم لا سيما المراهقين بأمراض نفسية مضاعفة مثل الوسواس القهرى والضغط النفسى والانهيار، وذلك خوفًا من عدم قدرتهم على مواصلة الحياة بسبب تهديد فيروس كورونا لجهازهم المناعى، فتروى والدة ياسين.ع أن نجلها البالغ من العمر ١٨ عامًا يعانى من الأرق منذ عامين وتحديدًا مع بداية أزمة كورونا، وبالرغم من أنه كان حريصًا على المتابعة مع طبيبه الخاص شهريًا، إلا أن حالة الهلع التى جعلته يخاف أن يتخطى باب المنزل دفعته لرفض العلاج وإيقافه حتى انخفض مستوى المناعة لديه.

وبالرغم من محاولات الأسرة إقناع ابنهم بأن يأتى الطبيب خصيصًا إلى المنزل لدعمه ومتابعة حالته التى بدأت فى التدهور، إلا أنه رفض أن يدخل غرفته أى شخص حتى من أفراد الأسرة، لدرجة أنه يعامل نفسه كالمعزول طوال الوقت ويتلقى وجبات الطعام أمام باب غرفته، ويمنع نفسه عن دخول الحمام فى أوقات الذروة، حيث ينتظر حلول المساء لتعقيم المكان بنفسه.

أما ع.ح فروى عبر إحدى المجموعات المخصصة للدعم النفسى لمرضى الإيدز، إن حياته تحولت إلى رقمية منذ تفشى جائحة كورونا، فأصبح تعامله مع الأشخاص وتواصله مع أفراد عائلته عبر تطبيقات «الفيسبوك» و«الواتساب» فقط، ولكن لم يكتف بذلك فحسب بل منع تلقى العلاج مؤكدًا أنه فى كل الأحوال سيقضى الفيروس على مناعته فى أى لحظة، وبالتالى فإن حياته تعتبر شبه منتهية حيث وصف نفسه بـ «الميت إكلينيكيًا» ليبدأ تدريجيًا فى رفض تناول الطعام والشراب وامتنع عن تغيير ملابسه منذ أكثر من أسبوع أو حلاقة ذقنه، واكتفى بتناول المهدئات التى تجعله ينام لأطول فترة ممكنة حتى يعتاد على الموت بحسب قوله.