بطرس دانيال يكتب: إنه أبونا وكفى!

مقالات الرأي




يرفع داود النبى صوته فى المزمور لله القدير قائلاً: «يا ربِّ بكُلِّ قلبى أَحَمدُكَ وأُحَدِّثُ بجميع عجائبكِ. أَفَرحُ وأَبتهجُ بكَ، أعزفُ أيُّها العَلىُّ لاسمِكَ» (مزمور ٩: ٢-٣). ما أكثر هؤلاء الأشَخاص الذين يبحثون عن الله خارجهم، فى حين أنهم فقدوه فى قلبهم، نتيجة أعمالهم التى تتعارض مع مشيئته؟ يُحكى عن أحد جيران جحا الذى وجده ذات يومٍ راكعاً على ركبتيه أمام الرصيف خارج المنزل، وكان يبحث عن شىء ما. فسأله: «ما الذى تبحث عنه يا جحا، حتى أساعدك فى العثور عليه؟» أجابه: «أبحث عن مفتاحى الذى فقدته أثناء النهار». فركع الرجل على ركبتيه ليبحث مع جحا عن المفتاح المفقود. وبعد معاناة شديدة ووقت طويل مهدور دون جدوى، سأل الجار جحا: «أين فقدت المفتاح؟» أجابه: «فى المنزل». فصرخ الرجل: «ارحمنى يا الله! إذاً، لماذا تبحث عنه فى الشارع؟» – أجابه بكل بساطة: «لأن هنا يوجد نور، بينما فى البيت ظلمة». إذاً، ماذا ينفع الإنسان إن بحث عن الله فى الأماكن المقدسة، بينما فقده فى قلبه! لماذا لا نستعين بالله القادر على كل شىء ليسهّل لنا أمورنا ويعيننا فى حمل الأشياء التى نراها تفوق طاقاتنا وقوانا البشرية؟ للأسف، نحن نفكر فى الله ونتذكره أثناء الصلاة فقط؛ بينما نهمله تماماً طوال اليوم. لقد نسينا أن قوتنا الحقيقية تكمل مع الله عندما نطلب معونته اللا محدودة، ونسأله أن يقف معنا فى مهامنا الصعبة حتى نستطيع إنجازها. كما يجب ألا ننساه فى أى لحظة، ونشعر بوجوده أينما كنّا، ونشكره على كل عمل نقوم به. مما لاشك فيه أن الله معنا فى كل حين بيده الحانية والجبّارة لتسند ضعفنا، وتزيل العقبات من طريقنا، كما أنها تساعدنا على اجتيازها عندما نطلب معونته بكل ثقة ونعمل ببركته. مما لا شك فيه أنه لن يخذلنا أبداً، ولن يرفض لنا طلباً؛ بل سيمنحنا بركاته ونعمه حتى نشعر بالسعادة الحقيقية، عندما نتمم أعمالنا اليومية. كما أن الله موجود معنا أيضاً بكلامه الذى يُنير عقولنا وقلوبنا، ويشدّد عزائمنا، ويحثنا على عمل الخير والتحلّى بالفضائل، ولا يفوتنا أن كلامه يوبّخنا أحيانا، ويعزينا أحياناً أخرى. إذاً الله لا يتركنا أبداً، لأنه معنا فى كل حين، حتى وإن لم ندرك هذا بسبب مشاغلنا وهمومنا وارتباطاتنا اليومية. لذلك يجب علينا أن نتوكل على الله القادر على كل شىء وواهب النعم والعطايا، والذى لا يتركنا وحدنا، بل يستجيب لنا دون توانٍ وفى كل لحظة، ويزيل من أمامنا العقبات التى تقف فى طريقنا وتعوق مسيرتنا. مادام الله معنا، فيجب أن نثق بأن كل العوائق ستزول، والصعوبات تختفى، لأن الإيمان بالله يمنح الإنسان الثقة والطمأنينة والأمل، ويجعله يتخلّص من المخاوف والقلق والاكتئاب الذين يسيطرون على كل قواه، ويمنعونه من القيام بواجباته على أكمل وجه. للأسف نحن نعيش عصراً فيه يتم تزييف كل شيء، حتى أن الكثيرين قاموا بتزييف وتشويه صورة الله الحقيقية، مستبدلين إياها بصورٍ أخرى تناسب مصالحهم الشخصية وأهوائهم الذاتية، وبالرغم من أن الله هو الأب الحنون الذى يسهر على أبنائه، والمعلم الأمين الذى لا يخون أبداً؛ إلا أنهم يعتبرونه أمين الخزينة الذى يعطيهم المال لسد حاجاتهم وعوزهم. كما أن البعض منهم يعتبرون الله ساحراً جباراً يستطيعون اللجوء إليه، حتى يُنزل العقاب واللعنة على أعدائهم الخفيين والظاهرين، وهناك بعض الذين يعتبرون الله موظفاً فى مصلحة الأراضى والعقارات، جاهزاً فى أى لحظة لتسليمهم أراضى ومساحات خاصة لهم فى السماء، مقابل بعض الصلوات والعبادات الشكلية التى يقومون بها من أجل هذا الغرض فقط. ومما لا شك فيه أننا نتقابل كل يوم مع هؤلاء الذين يعبدون المال ليلاً ونهاراً صانعين منه إلهاً لهم، حتى أنهم يسعون إليه بشتى الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية، للحصول عليه وامتلاكه ولا ينظرون أبداً إلى المعوزين والفقراء ليقدّموا لهم ما يحتاجون إليه لسد حاجتهم، كما أنهم يصمّوا آذانهم عن صراخ وشكوى المظلومين والأرامل والأيتام، ويصل بهم الحال إلى أن يتحجّر قلبهم ولا يهتز لأى مشاعر إنسانية. أمثال هؤلاء يتساءلون: «أين الله فى حياتنا ليعيننا؟ نحن لا نشعر بوجوده، هل خلقنا وتركنا ولا يفكّر فينا؟ هل الله بعيدٌ عنّا؟» لذلك نقول لهم: «إن الله معنا دائما أبداً، لينظّم ما شوّهناه من أمور حياتنا، أو ليشوّش ما رتبناه ليعيد تنظيمه على أفضل وجه وأحسن حال! إنه أبونا وكفى!».