نشأة السينما المصرية وتطورها.. مصر أول بلاد العالم التي عرفت الفن السينمائي

الفجر الفني

السينما في مصر
السينما في مصر



كانت مصر من أوائل بلاد العالم التي عرفت الفن السينمائي عام1896،
بالإسكندرية، وفي العام نفسه، قدم أول عرض سينمائي في حديقة الأزبكية بالقاهرة.

وقد أرسلت دار لوميير الفرنسية عام 1897 مبعوثًا لها إلى مصر ليقوم بتصوير أول شرائط سينمائية عن بعض المناظر في الإسكندرية، والقاهرة، والمناطق الأثرية على نيل مصر، وبلغ عدد هذه الشرائط 35 شريطًا عرضت في جميع دول العالم.

وأقيم أول عرض سينمائي في مصر في ديسمبر 1897، بمدينة الإسكندرية بواسطة أحد أجهزة لوميير، على أنه ما لبث أن توقف العرض حتى عام 1900، عندما أقيمت أول صالة للعرض يملكها "كونجولينوس" بالمدينة نفسها.

أما في القاهرة فلم يبدأ عرض الأفلام السينمائية إلا في أبريل 1900 في صالة قهوة سانتي بجوار الباب الشرقي لحديقة الأزبكية، بواسطة فرانشسكو بونفيلي وزوجته.

وكانت أسعار الدخول تتراوح بين قرش واحد وثلاثة قروش، وأحدث ذلك
العرض دهشة عظيمة ولقي نجاحًا كبيرًا، مما نبه إلى عظم ما يمكن أن يدره
الاستغلال السينمائي من أرباح.

وهكذا بدأ تأسيس دور خاصة للعرض السينمائي، وشهد عام 1905 وجود ثلاثة دور للعرض في القاهرة، ويتألف جمهور السينما في ذلك الوقت أساسًا من عامة الشعب، فضلًا عن التلاميذ، والطلاب الذين أقبلوا عليها لكونها تسلية رخيصة الثمن، علاوة على حداثة اختراعها. أما المثقفون والأوساط المحافظة فلم تبد عليها إقبالًا يذكر.

بدأ أول تصوير سينمائي مصري قامت به محلات عزر ودوريس بالإسكندرية عام1907، وجرى التحميض والطبع في معاملها، وقامت بعرض باكورة إنتاجها بالإسكندرية.

تكونت عام 1917 بالإسكندرية شركة سيتشيا السينمائية الإيطالية، بهدف إنتاج أفلام روائية نظرً لاعتدال الطقس وسطوع الشمس معظم أوقات السنة، إذ لم تكن الإضاءة الصناعية قد تقدمت في ذلك الوقت، وقام بتمويل رأس المال بنك روما بمبلغ 20 ألف جنيه، وكان أول إنتاجها الفيلم الروائي القصير "نحو الهاوية".

وفي عام 1917 تكونت الشركة السينمائية المصرية بالإسكندرية، من مصور يدعى "أمبرتو دوريس" بالاشتراك مع بعض الإيطاليين، وبنك روما، وأنتجت فيلمين قصيرين هما الزهور المميتة وشرف البدوي. وعرض الفيلمان لأول مرة في عام 1918 بسينما سانت كلير في الإسكندرية. وقد أفلست الشركة بعد عرض الفيلمين بستة أشهر بسبب الخسارة الكبيرة التي تكبدتها بسببهما.

وفي نفس العام أخرج لارتشي، فيلمًا قصيرًا باسم مدام لوريتا قامت بتمثيله فرقة فوزي الجزايرلي، وفي عام 1922 أقدمت فرقة فوزي منيب على تمثيل فيلم "الخاتم المسحور"، وقدمت في العام التالي فرقة علي الكسّار، فيلم "العمة الأمريكانية".

تم إنتاج أول فيلم روائي طويل عام 1923، وهو فيلم "في بلاد توت عنخ آمون"، وكان تنفيذه وتصويره في مصر، وعرض بالخارج، ويحكي قصة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وبلغت تكاليف الفيلم 1900 جنيه، وتوالى بعد ذلك عرض الأفلام الروائية الطويلة المنتجة في مصر، فقد عرض فيلم "ليلى" من إنتاج عزيزة أمير في نوفمبر1927، وبلغت التكلفة الإجمالية حوالي ثلاثة آلاف جنيه، وقد عرض الفيلم بدار عرض سينما متروبول بالقاهرة.

تأسست شركة مصر للتمثيل والسينما عام 1925 برأسمال 15 ألف جنيه، بعد أن كانت قسمًا للسينما تابعًا لشركة مصر للإعلانات كأحد شركات بنك مصر، الذي أسسه طلعت حرب ليكون ركنًا من أركان النهضة الاقتصادية المصرية، وقد طالب في ذاك الوقت محمد كريم بتمصير صناعة السينما، وبضرورة إنشاء شركة قومية للسينما برأسمال مصري.

كانت نقطة التحول في هذه الصناعة، تشييد استوديو مصر عام 1934، حيث توالى إنتاج الأفلام المصرية، وكثر عدد المشتغلين في هذا الحقل الجديد. ويعتبر استوديو مصر المدرسة الأولى التي تخرج منها كافة العاملين في الحقل السينمائي.

كما أرسى قواعد العمل السينمائي، ومثل مرحلة تطور هامة في تاريخ
صناعة السينما وسحبها من أيدي الأجانب وتركيزها في يد المصريين، كما أرسلت بعثات السينمائيين المصريين للتدريب في الخارج ليكونوا نواة لهذه الصناعة.

وأنشأ يوسف وهبي أول استوديو أقامه فنان مصري، وفقًا لأحدث المواصفات الفنية، وهو استوديو رمسيس، وقد كان نجاح استوديو مصر حافزًا لإنشاء استوديوهات جلال ولاما بحدائق القبة، وناصيبيان بالفجالة، والأهرام بالجيزة، وتوجو مزراحي بالقاهرة والإسكندرية، واستوديو شبرا، كذلك أنشئ معمل بالظاهر للطبع والتحميض.

فيلم "ليلى" الذي أنتجته عزيزة أمير وعرض في 16 نوفمبر 1927 في دار سينما متروبول بالقاهرة، أول الأفلام المصرية الطويلة إنتاجًا. ذلك أنه على الرغم من أن فيلم "قبلة في الصحراء"، قد سبق فيلم ليلى في العرض، حيث عرض في أواخر فبراير 1927، إلا أنه قد تولى إنتاجه اثنان من الأجانب هما إبراهيم وبدر لاما اللذان وفدا على مصر من شيلي بأمريكا الجنوبية، ومعهما بعض الأموال، وأجهزة التصوير السينمائي، واستقرا في الإسكندرية حيث كونا شركة كوندور فيلم، وعلى أي حال فقد تعاقبت بعد ذلك المحاولات لإنتاج الأفلام الطويلة.

وكثر المشتغلون بهذه الصناعة الوليدة من منتجين، وفنيين، وفنانين سواء من المصريين أو من الأجانب، ومع ذلك فلم يلبث إدخال الصوت في الأفلام في أواخر الثلاثينيات أن تمخض عن إصابة الصناعة المصرية الناشئة بخسارة فادحة، وإن لم يثبط ذلك من عزيمة السينمائيين المصريين الذين عمدوا إلى تحويل جهودهم نحو إنتاج الأفلام الناطقة،ولكن عدم وجود أجهزة لتسجيل الصوت في مصر، وصعوبة استيرادها أدى إلى تسجيل الصوت في باريس، الأمر الذي كان يكبد المنتجين نفقات باهظة، وخاصة بسبب اضطرارهم إلى نقل معظم الفنانين والفنيين إلى هناك.

وتهيأت للمصريين منذ البداية، في منافسة الأفلام الأجنبية في الأسواق
العربية، ميزة تولَّدت عن إدخال الصوت في صناعة الأفلام، ألا وهي نطق الأفلام المصرية باللغة العربية التي يتكلم بها سكان الشرق العربي قاطبة. وكان فيلم "أنشودة الفؤاد" الذي أنتجته شركة "النحاس فيلم" بالاشتراك مع "إخوان بهنا" أول الأفلام الناطقة. وسجل الصوت في استوديوهات جومونت بفرنسا.

وعرض الفيلم في عام 1931. وتلاه فيلم "أولاد الذوات" الذي أخرجه محمد كريم لحساب يوسف وهبي، وسجل الصوت في استوديوهات توبيس كلانج في باريس. ولقي الفيلم الأخير نجاحًا كبيرًا عند عرضه في سينما رويال في القاهرة. وأمعن المنتجون المصريون في تزويد أفلامهم بالأغاني، وهكذا أنتجت شركة بيضافون عام 1933، أول فيلم ظهر فيه الفنان محمد عبدالوهاب وهو "الوردة البيضاء"، فنجح نجاحًا كبيرًا، وفي عام 1935 ظهرت أم كلثوم في باكورة أفلامها "وداد" الذي أنتجته شركة مصر للتمثيل والسينما.

وأنتج أول فيلم مصري - أجنبي مشترك عام 1933 مع شركة جومونت الفرنسية هو فيلم "ياقوت أفندي"، وفي عام 1947 ظهر الإنتاج المشترك بين مصر والعراق بفيلم "القاهرة - بغداد"، وبالاشتراك مع إيطاليا عام 1950 بفيلم "الصقر".

وتعتبر مرحلة الأربعينيات مرحلة انتعاش الفيلم المصري، حيث ارتفع معدل
الإنتاج السينمائي من تسعة أفلام في الموسم 381939 حتى وصل إلى 16 فيلمًا في الموسم 441945، ويرجع ذلك نتيجة لدخول رؤوس أموال أغنياء الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية، إلى ميدان صناعة السينما مع زيادة القوة الشرائية في نفس الوقت لدى المواطنين والمترددين على دور العرض السينمائي.

وارتفع متوسط إنتاج الأفلام في الفترة من عام 1945 إلى عام1951 من 20 - 50 فيلمًا سنويًا، وبلغ عدد الأفلام المنتجة 241 فيلمًا، أي نحو ثلاثة أضعاف
الأفلام المصرية المنتجة منذ عام 1927.

ووصل عدد دور العرض السينمائي إلى 244 دارًا للعرض عام 1949، كما وصل عدد الاستوديوهات إلى 5 استوديوهات بها 11 ساحة للتصوير، ولعب الفيلم المصري دورًا مهمًا في ربط المجتمع العربي والتعريف بمصر، وعمل
أكثر من أي أسلوب آخر على نشر اللهجة المصرية، وبهذا حظي الفيلم المصري العربي وقتئذ على مكانة عالية.

وتأثرت هذه المنزلة بما كان يطرأ على العلاقات العربية من موجات تُدعِّم هذه العلاقات أحيانًا، وتوهن عراها في أحيان أخرى، مما أدى إلى حدوث مد وجزر في توزيع الفيلم المصري في البلاد العربية، وبدأت مقاطعة الفيلم المصري في فترات متقطعة في الخمسينيات.

تعتبر فترة الستينيات مرحلة القطاع العام في السينما المصرية، وشهدت تلك المرحلة إنشاء المؤسسة العامة للسينما عام 1962، وفيها اضطربت صناعة السينما في مصر نتيجة عدم وضوح موقف الدولة من السينما، حيث لم تؤمم الاستوديوهات، والمعامل، ودور العرض السينمائي، لكنها في الوقت نفسه لم تعد في أيدي أصحابها.

وتعددت في تلك المرحلة أشكال الملكية المؤسسة لهذه المنشآت، كما تعددت أشكال الهياكل الإدارية، وأشكال الإنتاج والتمويل، ولم تستقر لمدة عامين متتاليين، وكنتيجة لذلك انخفض متوسط عدد الأفلام من 60 إلى 40 فيلمًا في السنة، وبلغ مجموع أفلام المرحلة حتى عام 1971 حوالي 416 فيلمًا، منها 50% من إنتاج القطاع العام، وحوالي 40% من إنتاج القطاع الخاص، وكان تمويله من القطاع العام، وحوالي 10% من إنتاج القطاع الخاص مُموِّل من شركات التوزيع العربية. وانخفض كذلك عدد الأفلام الأجنبية المستوردة في متوسط 500 فيلم في السنة إلى 250 فيلمًا في السنة.

بدأ بث التليفزيون المصري، لأول مرة، في الستينيات، ولمدة ثلاث ساعات يوميًا في المتوسط في 21 يولية 1960، ووصل متوسط ساعات الإرسال للقنوات التليفزيونية الثلاث إلى 20 ساعة يوميًا عام 1963، وبدخول الخدمة
التليفزيونية في مصر أصبحت لصناعة السينما المصرية منافسًا جديدًا إضافة إلى منافسة الفيلم الأجنبي.

وتوقف القطاع العام عن الإنتاج السينمائي عام 1971 نتيجة خسائر مالية قدِّرت بحوالي 8 ملايين جنيه نتيجة لمشاكل إدارية. وبعد ذلك انتهى دور القطاع العام في مجال الإنتاج السينمائي، حيث صدر القرار في عام 1971 بتحويل المؤسسة العامة للسينما إلى هيئة عامة بعد ضم المسرح والموسيقى إليها، لتصبح الهيئة العامة للسينما، والمسرح، والموسيقي، ورغم توقف القطاع العام عن الإنتاج السينمائي إلا أن متوسط إنتاج الأفلام السنوي ظل كما هو حتى عام 1974، ثم ارتفع إلى 50 فيلمًا عامي 1975، 1976، كذلك ارتفع عدد دور العرض السينمائي إلى 296 دار عرض عام 1972، وارتفع عدد الأفلام الأجنبية المستوردة إلى 200 فيلم سنويًا.

وأنتجت الغالبية من الأفلام المصرية الطويلة في ظل القطاع الخاص منذ
عام1971، على حين أنتج القليل من هذه الأفلام بضمان القطاع العام للقرض المصرفي، وهو النظام الذي اتبعه القطاع العام منذ توقفه عن الإنتاج.

وبعد أن كانت غالبية الأفلام من إنتاجه، أو تمويله طوال فترة الستينيات. هذا وقد انتعش إنتاج الأفلام المصرية طوال فترة السبعينيات لعدة أسباب، أهمها، تحسن مستوى المعيشة في القاهرة، التي تعتبر المحك الرئيسي لنجاح الأفلام أو فشلها، وإقبال الجمهور على الأفلام المصرية، وتحرير السوق من بيروقراطية القطاع العام، وارتفاع أسعار الأفلام في دول منطقة الخليج.

وشهدت الثمانينيات انتعاشًا في السينما المصرية، لا يلبث أن يستمر حتى منتصف التسعينيات، ليستمر بعد ذلك الانخفاض في إعداد الأفلام المنتجة، نتيجة لارتفاع أجور الفنانين ومنافسة التليفزيون، ثم الفيديو، وأخيرًا القنوات
الفضائية، الأمر الذي انعكس على الإنتاج السينمائي.

وخلال التسعينيات تحدث تطورات مهمة في صناعة السينما في مصر، على مستوى اقتصاديات إنتاج وتوزيع الفيلم السينمائي، على الرغم من ظاهرة الانخفاض الحاد في عدد الأفلام المنتجة، وخلال هذه الفترة لوحظ ارتفاع عدد دور عرض الدرجة الأولى، من 20 إلى 100 دار، وارتفاع متوسط نفقات إنتاج الفيلم من ربع مليون جنيه، لتصل إلى مليون جنيه، كما ترتفع متوسطات إيرادات الفيلم، حيث بلغ أعلى متوسط إيراد للفيلم خلال الثمانينيات مليون جنيه، ارتفعت إلى 20 مليون في التسعينيات. وخلال التسعينيات فاز المخرج يوسف شاهين عام 1997، بجائزة اليوبيل الذهبي لمجمل أعماله في مهرجان كان السينمائي.

وفي عام 1999 نالت الأفلام المصرية 42 جائزة عالمية في مهرجانات سينمائية دولية.