في يوم المعلم العالمي.. شخصية المدرس في عيون السينما والدراما والمسرح

الفجر الفني

شخصية المعلم
شخصية المعلم



قال أمير الشعراء أحمد شوقي "قم للمعلم وفيه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا"، فالمعلم في كل زمان ومكان هو رمز قوة الأمة وعنوان حضارتها، وكم أمة بلغت المجد ولامست عنان السماء بسبب حبها لمعلميها وتقديرها لهم.

وبتحليل بعض الأعمال الدرامية والسينمائية التي تناولت شخصية المدرس نجد أن أغلبها تناول صورة المدرس بالسلب والقليل منها تناولته بالإيجاب ومتى بدأ العد التنازلي في انتقاص شأن المعلمين، وعدم احترامهم فإن نذير الخطر قد دق.

قبل أكثر من قرن من الزمان تبادل الصديقان الأديبان، مكسيم غوركي، وأنطون تشيخوف، رسائل عديدة، من بينها رسالة عن المعلّم، يستطرد فيها تشيكوف عن حاله في روسيا؛ حيث يعيش أقسى حالات التقشف، ويتساءل: كيف يمكن للمعلّم أن يُقدم أجيالًا تعلي راية الوطن وهو لا يجد قوت يومه؟

يبدو أنّ تساؤلات تشيخوف عبرت الأزمان لتستقر في الواقع المصري، الذي يشهد على ما يتكبده المعلم من عناء من الناحيتين النفسية والاقتصادية، وكان من الطبيعي أن تعالج السينما صورة "مربي الأجيال" منذ بداياتها.

ولكن غلبت على أعمالها السخرية المقصودة، وتقديمه ضمن الشخصيات الكاريكاتيرية، التي حُفرت في أذهان أجيال عديدة، رغم ظهور بعض الأعمال التي قاومت هذه الصرعة.

قدّم الفنان الراحل نجيب الريحاني، في فيلمه "غزل البنات"، أشهر نماذج المعلّم في السينما المصرية، فنجد في بداية الفيلم رجلًا رثّ الثياب يبدو عليه البؤس، ويعمل مدرس لغة عربية، لابنة أحد الباشاوات، وتلعب دورها الفنانة ليلى مراد، وبهذه الشخصية البائسة يبدو المدرس ألعوبة للطبقة الأرستقراطية، التي تسخر من ثيابه وتتقزّز منها، فيأمر الباشا أن يرتدي معلم ابنته ثيابًا مهندمة ليصير لائقًا بالفيلا الفخمة التي يسكنها برفقة ابنته وكلبه.

وفي مشاهد المدرسة وهو يلقي الدرس نجد التلميذات تسخر منه رغم مستواهم التعليمي المتدني ويقومون بعمل المقالب فيه لدرجة أن ناظر المدرسة يقول له " انت لو ليك شخصية مكانوش عملوك مسخرتهم " ومما يزيد الطين بله هو أن أناقة مربي الكلب ومقدم القهوة ومرتباتهم التي تزيد عن مرتب المدرس أضعاف المرات.

فيلم "زقاق المدق" (1963)، للمخرج حسن الإمام، الذي قام فيه الفنان الكبير حسين رياض بدور مدرس اللغة الإنجليزية، المضطرب نفسيًا، الذي أصبح محطّ سخرية أهل الحي.

ومن الأفلام التي أنصفت صورة المدرس فيلم "السفيرة عزيزة" قدم الثنائي شكري سرحان وعبدالمنعم إبراهيم، فيلم السفيرة عزيزة عام1961م، حيث جسد سرحان دور المدرس الطموح، الذي يتصدى للشر وهو (جاره الجزار)، فى الوقت الذى جسد فيه عبد المنعم إبراهيم شخصية مدرس اللغة العربية، الذي يتقن الفصحى، ويتحدثها بشكل فكاهي.

كما قدم الفنان نور الشريف، في فيلمه "آخر الرجال المحترمين" العام 1984، في شخصية الأستاذ فرجاني، المعلم الريفي الذي يتخبط بين تقاليده الريفية الراسخة، وحياة المدينة المضطربة، ويظهر هذا بقوة بعد خروجه في رحلة مدرسية مع تلاميذ لزيارة حديقة الحيوان في القاهرة، واختطاف امرأة مضطربة (بوسي) إحدى الطالبات، فتظهر الشخصية الإنسانية للمعلم خارج النمط الفني المعتاد الذي استمرأ النيل من مكانة المدرس.

فيلم "غصن الزيتون" قدم أحمد مظهر دور الأستاذ عبده عام 1962، الذى وقع بحب أجمل فتاة فى المدرسة، وهى "عطيات" التى جسدت دورها سعاد حسنى، والذى ينافسه عمر الحريرى فى حبها، والذى جسد شخصية الأستاذ جمال.

"مدرس خصوص" تدور أحداث الفيلم حول الطالب ممدوح، الذى يحيى ظروف اجتماعية قاسية بعد انفصال أبواه، والذى يكتشف حب مدرسه الخصوصى الذى يجسد شخصيته الفنان "عماد حمدى" لأخته، وأنه يكتم مشاعره ولا يبوح بها، ويقرر المدرس أن يضحى بحبه من أجل سعادة نادية، الفيلم إنتاج عام 1965

"ممنوع في مدرسة البنات" يقدم الفيلم شخصية المدرس الذي يحاول أن يقود مدرسته وطلابه إلى النجاح، ولكنه يفشل عندما تتعارض جميع الظروف المحيطة به مع أخلاقه ومبادئه.

"اغتيال مدرسة" قدمت الفنانة نبيلة عبيد الأستاذة "هدى"، التى تحاول مساعدة إحدى الطالبات لديها، في حل مشاكلها الأخلاقية، إلا أنها تقع فريسة سهلة وتنتحر بإطلاق الرصاص عليها.

"الإنسان يعيش مرة واحدة" جسد عادل إمام زعيم السينما المصرية دور المدرس في فيلم الإنسان يعيش مرة واحدة، من خلال تجسيد الدور السلبى للمدرس، الذى يلعب القمار ويشرب الخمر يوميًا قبل الذهاب للمدرسة، بالإضافة إلى تعديه على مدير المدرسة الذى يصدر أمرًا بنقله السلوم.


وفي السبعينيات قدّم حسين فهمي، في "انتحار مدرس ثانوي"، دور المعلم المسكين الذي أرهقته سياسات الانفتاح وغلاء الأسعار، وزواجه بامرأة أخرى طمعًا في أن يصبح أبًا، لتتحوّل زوجتاه إلى مصنع أطفال، فضاق عليه الحال، لينتهي منتحرًا في مياه النيل.

أمّا أحمد زكي، في فيلمه "البيضة والحجر" العام 1990؛ فقد جسّد شخصية دور معلم الفلسفة، الذي حوّلته المدرسة للتحقيق؛ لأنّه دعا طلابه للتمسك بالقيم والمبادئ، فضاق به الحال، بعد خسارة عمله الذي لا يكفل له حياة كريمة، فاستخدم قدراته المعرفية في الدجل والشعوذة، ليصبح صاحب سلطة ومال.

فيلم "المذنبون" الذي عُرض العام 1975 حيث يبيع ناظر (مدير) إحدى المدارس الحكومية أسئلة امتحانات نهاية العام، لقاء حفنة من المال، لرجل ثريّ في حفلة ماجنة، ليتمّ إلقاء القبض على الجميع، ويتلقى المعلم عقوبة السجن، ويظهر كضحية للمجتمع الذي أفسد منظومة التعليم، ويلقي الضوء على الفساد داخل المؤسسة التربوية، وهنا يقع المعلم أسير القضبان نتيجة جشعه الذي ولّده ضيق حال المدرسين في مصر.

وناقش فيلم الناظر، الذى قدمه علاء ولى الدين عام 2000، العديد من نماذج المعلين وحال المدارس ومديرى تلك المدارس، فى إطار كوميدى ساخر، وأبرازهم الفنانة حنان الطويل "مس انشراح"، معلمة اللغة العربية الدائمة البحث عن الزواج.

"الشقة من حق الزوجة" قدم الفنان جورج سيدهم، في إطار كوميدى دور المدرس الفقير الذي يدرس للأطفال في شقته الصغيرة، عام 1985م.

فيلم "مبروك أبو العلمين حمودة"، مدرس اللغة العربية في بلد ريفي تسمى ميت بدر حلاوة، ويخشاه الجميع نتيجة حزمه وانضباطه، إلى أن تجبره الظروف ليعمل مدرسًا في مدرسة خاصة تضم أبناء كبار المسئولين، وتتوالى الأحداث.

مسلسل "مسيو رمضان مبروك أبو العلمين حمودة" العام 2011 لمحمد هنيدي، بعد النجاح الذي حققته الشخصية العام 2008 في فيلم "رمضان مبروك أبو العلمين حمودة"، الذي ظهر فيه المدرّس مادة للسخرية من قبل طبقة أبناء الأثرياء، الذين لا يأبهون للتعليم؛ بل يتّخذون المدارس نوادي اجتماعية للاستمتاع بالمقالب اليومية التي يمارسونها على المدرسين

مسرحية مدرسة المشاغبين عام 1973 والتى أثرت بشكل كبير على الطلاب جعلتهم يقلدون شخصياتهم، حيث تناول المؤلف شخصية الأستاذ علام، الذى يقوم بشرح الدرس لنفسه بالرغم من تأكده من عدم وجود أى طلاب بالفصل الدراسى إرضاء لضميره المهنى وأخلاقه فقط، وكيف أن الطلاب يسخرون من مدرستهم ومن ناظر المدرسة.

بدأ عرضها بعد أشهر قصيرة من نصر أكتوبر وشكلت إهانة المعلم الجسر الذي عبر عليه أبطالها إلى النجومية، ويبدو أن هذه الوصفة "المضمونة" للنجاح غير مرشحة للتراجع بعد.

قدمت الفنانة ياسمين عبد العزيز 4 أنماط للمعلمة فى فيلم الثلاثة يشتغلونها، فحرصت فى المرة الأولى على أن يحفظ تلاميذها المنهج عن ظهر قلب، ومن ثم المعلمة المتشددة فى الدين، وتلتها المعلمة المعتدلة التى تبحث عن تعليم الاطفال الإبداع وحب الدراسة، بالإضافة إلى المعلمة التى تتبع أشكال الحداثة أثناء تدريسها للمادة.

فيلم "عسل اسود" الذي جاء ساخرًا من المجتمع المصري، وطريقة تدريس معلمة اللغة الإنجليزية المصرية، في نموذج "مس ميرفت"، الذي قدمته إيمي سمير غانم، التي لا تستطيع نطق اللغة بشكل سليم، في إشارة إلى مستواها المتردي الذي يسفر عن إنتاج تعليم ضعيف.

"بون سواريه" تناول هذا الفيلم شخصية مدرسة اللغة العربية، والتى جسدتها الفنانة مي كساب فى إطار ساخر، وكانت تنتقد الشعب المصري لاستخدامه كلمات كثيرة باللغة الإنجليزية بدلا من العربية على الرغم من أهميتها.

أما عن الدراما جسدت سميرة أحمد شخصية معلمة في سن التقاعد، في مسلسل "امرأة من زمن الحب"عام 1998، وتقوم على رعاية أبناء أخيها فى سن المراهقة الذين تربوا خارج مصر، وتعمل على رسم حياة منضبطة لهم بعد وفاة والدتهم، المتمسكة بالقيم الاجتماعية التي تربّت عليها في المنيا، بصعيد مصر.

ضمير أبلة حكمت مسلسل درامي اجتماعي مصري أنتج عام 1991 من إخراج المخرجة المصرية إنعام محمد علي وهو أول مسلسل قامت ببطولته الفنانة فاتن حمامة، وتناول ما يجري داخل المدارس وتطرق إلى المسكوت عنه، وجسدت فاتن حمامة شخصية ابلة حكمت ناظرة المدرسة وصاحبة المبادى التى تحاول تحقيق حلمها بتطبيق تجربتها التربوية على جميع مدارس محافظة الإسكندرية الموجودة بها المدرسة التي تعمل بها، الا انها تقابل العديد من المشاكل داخل المدرسة وخارجها وتخوض حربا ايضا ضد تحكم رأس المال المتمثل في والد إحدى الطالبات الذي يشتري الذمم والضمائر بأمواله من أجل إنصاف وتبرئة ابنته المتمردة المنحرفة، الا ان ابلة حكمت لم تيأس بل دافعت على معتقداتها حتى حالفها النصر فى النهاية، وكرمتها وزارة التربية والتعليم بإطلاق اسمها على مدرسة نور المعارف كنوع من الاعتراف بفضلها

و لعب الفنان نور الشريف في مسلسل "حضرة المتهم أبي" عام 2006، دور مدرس ثانوي يمتنع عن إعطاء الدروس الخصوصية، بالرغم من ضيق عيشه.

مسلسل "قصة حب" والذى جسد فيه الفنان السورى جمال سليمان شخصية ناظر إحدى المدارس الثانوية بالقاهرة، ويناقش المسلسل الكثير من المشاكل التي يواجهها الطلبة فى تلك المرحلة.

مسلسل “أنا وهولاء” للفنان محمد صبحي، مع الفنانة داليا مصطفى، والذي قدم شخصية مدرس تاريخ يعمل على تعليم الطلاب حضارة بلدهم وعظماء التاريخ، وكيف تخلصوا من الأزمات والمشاكل التي كانوا يتعرضوا لها على مدارس تاريخهم؟ وكيف من الممكن أن نستفيد بها في الواقع الحياتي الحالي؟

وستظل للمعلم مكانته السامية الراقية التي تترسخ في الاذهان رسالة الانبياء والقدوة في ظل فقدها في الكثير من المجتمعات وستظل مقولة امير الشعراء احمد شوقي راسخة في الاذهان:
قف للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولًا