مدارس تحتاج إلى «التربية» قبل «التعليم».. مهازل تطبيق قرار طارق شوقى بقبول «المدرس المتطوع»

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


 المدارس تقبل مدرسين غير مؤهلين

مدارس البنات تقبل بشرط أن يكون «مِحرم»

أخرى تؤجر مجموعات التقوية للمدرسين

ورابعة تجبر أولياء الأمور على «التطوع»

«المدارس فى واد ووزارة التربية والتعليم فى وادٍ آخر».. جملة تصف إلى حد كبير ما يحدث على أرض الواقع عند محاولة تنفيذ قرار وزير التربية والتعليم د.طارق شوقى بسد عجز المعلمين بالمدارس للعام الجديد عن طريق «المعلم المتطوع».

وبلغت نسبة العجز بالمدارس الحكومية وفقاً لآخر إحصاء ٣٢٠ ألف معلم، وحسب قرار الوزير سيتم سد العجز عن طريق التطوع مقابل ٢٠ جنيهاً للحصة، مع عدم مطالبة المتطوع بالتعيين مستقبلاً.

فى الضوابط الإدارية التى أعلنتها الوزارة فإنه سيتم الاستعانة بمعلمين لديهم خبرة سابقة فى أعمال التدريس، ومن حملة المؤهلات العليا التربوية، وبحث الموقف الأمنى للمرشحين عن طريق المديرية قبل العمل، مع عدم اشتراكهم فى أعمال الامتحانات ولجان النظام والمراقبة، ولا يجوز أن يزيد نصيب المتطوع عن ٢٤ حصة أسبوعياً، بالإضافة إلى فتح الباب التطوع للمعلمين الواقعين ضمن أزمة الـ ٣٦ ألف معلم، وأن يكون العمل بمدارس لا يوجد بها طلاب على صلة قرابة بالمتطوع حتى الدرجة الثانية، على أن تكون الأولوية لمعلمى المواد الأساسية.

على أرض الواقع تظهر أولى «المهازل» بإعلان مدارس عدم قبول متطوعين رجال، خاصة بالمدارس الثانوية بنات، ومنها على سبيل المثال بحسب ما رصدت «الفجر» مدرستى «عابدين الثانوية بنات» و«المنيل القومية الثانوية»، حاملين شعار «للسيدات فقط»، فمن الصعب بحسب إدارة المدرسة قبول متطوعين رجال للتدريس فى مدرسة بنات بالمرحلة الثانوية!

وأوضح مسئولون بالمدرستين أن قبول متطوعين من الرجال حتى لو كان «ولى أمر» أمرًا مستبعدًا تماماً، «لا نعلم كيف سيتصرف المتطوع مع البنات» ! والمدرسة حريصة على طالباتها.

حسب قرار الوزارة فإن نصيب المتطوع سيكون ٤٨٠ جنيهاً أسبوعياً، وهو مبلغ لا يمكن متقاضيه بأى حال من الأحوال فى الإضافة لمنظومة تعليمية كرر وزير التربية والتعليم د.طارق شوقى أكثر من مرة أنها منظومة حديثة، حتى فى حالة رغب المتطوع فى الإضافة، فبعد حساب تكاليفه اليومية للذهاب إلى المدرسة والعودة منها لن يتبقى فى رأسه سوى «كيف سأسدد ديونى».

وكيل إحدى المدارس أمد محررة «الفجر» التى أخفت هويتها وطلبت التطوع، باستمارة لتسجيل بياناتها، قائلاً: سيتم الاتصال بكى فور الانتهاء من إعداد جدول الحصص، وبسؤاله عن المؤهل التربوى قال: لا يشترط!

إحدى المتطوعات المتقدمات لذات المدرسة كشفت أنها والدة بنتين بالصف الأول والثانى الثانوى.

أكدت أنها قررت التطوع حتى تكون بجوار بنتيها، وأخبرت محررة «الفجر» إن هناك ما يقرب من ٥٠ متطوعة تقدمن وليسوا حاصلين على مؤهل عال تربوى، مشيرة إلى أنها خريجة معهد خدمة اجتماعية، وتقدمت لتدريس علم نفس وتربية وطنية.

وتشترط مدرسة محمد نجيب بالبساتين لقبول المتطوعين بأن يدفعوا لإدارة المدرسة نصف ما سيحصلون عليه من مجموعات التقوية، فى حين أن من حق المتطوع أخذ ما يحصل عليه من مجموعات التقوية بالكامل، ولضمان الحصول على نصف متحصلات مجموعات التقوية يتم تجميع أقارب المدرسين ومعارفهم وأولياء أمور لكتابة استمارات تطوع، مع رفض من هم خارج دائرة الأقارب، رغم التأكيد على ألا يكون للمتطوع صلة قرابة بطلاب حتى الدرجة الثانية، فالواقع شيء والقرارات الإدارية الفوقية شىء آخر تماماً.

وفى مدرسة أحمد عصمت التجريبية بعين شمس، وجمال عبدالناصر التجريبية بمصر الجديدة، ومدرسة السيدة عائشة التجريبية، ألزمت الإدارة أولياء أمور بملء استمارة التطوع بدون مقابل لسد عجز المدرسين، لصعوبة القيام بذلك عن طريق متطوعين، وحسب إحدى أولياء الأمور بمدرسة جمال عبدالناصر التجريبية للغات، فرض على أولياء الأمور ملء استمارة التطوع للعمل يوم واحد فى الأسبوع، وفق جدول عنوانه «جداول توزيع أولياء الأمور».

وأشارت إلى أن أولياء الأمور وافقوا خوفاً على مصالح أبنائهم، ونقص درجات أعمال السنة، رغم أنهم غير مؤهلين للتدريس وأغلبهم ليسوا حاصلين على مؤهل تربوى، وحسب بيانات المجمعة على جروب أولياء أمور المدرسة، هناك حاصلون على مؤهل فوق المتوسط، لكنهم يسجلون على استمارة التطوع بأنهم حاصلين على مؤهلات تربوى وآداب ودار علوم لـ«تستيف» الورق المقدم لإدارة التوجيه التعليمى.

فى حين كشف «م. عبدالحميد» موجه أول رياضيات بإدارة توجيه عابدين، أن أغلب الاستمارات التى وردت للإدارة يحمل أصحابها مؤهلات غير تربوية، مشيراً إلى أن المدارس لا تلتزم بشرط «التربوى»، مضيفاً أنه من خلال عمله اكتشف أن الكثيرين من أصحاب المؤهلات المتوسطة يعملون بالتدريس فى المدارس الخاصة لأنهم أقارب أو معارف صاحب المدرسة، ويسجل أسماؤهم بالدفاتر على أنهم «مشرفون» أو «إداريون».

وأوضح أن العجز فى المدرسين ليس عددياً بمعنى أن العجز فى معلمى الرياضيات بمحافظة القاهرة كبير، لكن بالمحافظة فائض فى معلمى اللغة الإنجليزية، وعلى العكس تعانى محافظة الجيزة من فائض فى معلمى الرياضيات، وعجز فى معلمى اللغة الإنجليزية، وهناك أكثر من ١٠٠ ألف مدرس ومدرسة يعلمون احتياطى مقابل ٦ جنيهات للحصة، وهؤلاء يمكن الاستعانة بهم «بدل شغلهم فى السناتر الدروس الخصوصية».

وأوضح أن «التطوع» لا يقضى على ظاهرة الدروس الخصوصية، كما صرح وزير التربية والتعلين الدكتور طارق شوقى، بل على العكس ستزيد، لأن المتطوع سيستغل عمله بالمدرسة لتجميع طلاب وعمل مجموعات منهم للدروس الخصوصية، وسيكون أكثر حرية عن القيام بذلك مقارنة بالمدرس المعين، لأنه لا يتبع وزارة التربية والتعليم، وقوانين منع الدروس الخصوصية لا تنطبق عليه، ولن يهدد بالفصل من الخدمة، لأنه ليس فى الخدمة أصلاً.

عددت الوزارة مزايا التطوع، منها الحصول على شهادة خبرة معتمدة، وشهادة تقدير على مساعدات المتطوع فى دفع العملية التعليمية لتحقيق أهدافها.

وتبلغ مخصصات وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى ١٧٢ ملياراً و٦٤٦ مليون جنيه للعام المالى ٢٠٢١ -٢٠٢٢، مقارنة بـ١٥٧ ملياراً و٥٨٠ مليون جنيه للعام المالى ٢٠١٩-٢٠٢٠.

من جانبه قال الدكتور حسام المندوه، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، إن وزارة التربية والتعليم فتحت باب التطوع لسد العجز فى عدد المعلمين، موضحاً أن الدولة أوقفت باب التعيينات تماماً بجميع القطاعات حتى تنتهى من عملية الهيكلة، ولذا لجأت وزارة التعليم إلى هذا الحل حتى لا تتحمل عبء أجور جديدة، وكمسكن لسد العجز فى العام الدراسى الجديد.

وأضاف: المتطوع لن يأخذ ثمن الحصة «٢٠ جنيهاً» بشكل منتظم، لأن الأمر مرتبط بتوفير اعتمادات لثمن الحصة من الصناديق الخاصة، مثل مجموعات التقوية أو الكانتين أو الوحدات المنتجة.

ويعترض اللواء هانى أباظة، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، على فتح باب التطوع لسد العجز بالمدارس، قائلاً: «عايزين مدرسين مكوجية». وأضاف أن الوزارة أصبح لديها «فقر فكرى شديد» على حد وصفه، موضحاً أن الدولة حرصت على إنفاق مئات الملايين على مشروع التعليم الجديد خلال السنوات الأخيرة، فى حين تستعين بمتطوعين مقابل ٢٠ جنيهاً فى الحصة لتنفيذه، متسائلاً: لماذا لا تستعين الوزارة بـالـ٣٠ ألف معلم فى سد العجز بالتعاقد معهم.