مليارديرات البورصة فى ٥ سنوات

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


حققوا ١٢٧ مليار جنيه ويرفضون دفع ١٠٪ ضرائب

بدأت معارك العام الجديد الاقتصادية مبكراً جداً، مع عودة انعقاد البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، وإن بدأت بمعركة قديمة تعود إلى ٥ سنوات مضت، وبالتحديد إلى عام ٢٠١٦ حيث اشتعلت أولى محاولات لوبى البورصة لتأجيل تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية البالغة ١٠٪ أو إلغائها تماماً، وذلك رغم تحقيق الشركات المقيدة أرباحاً بلغت ١٢٧ مليار جنيه منذ تعويم الجنيه.

الضريبة يحين موعد تطبيقها فى يناير ٢٠٢٢ بعد أن تم تأجيلها من لحظة إقرارها فى يوليو ٢٠١٤ حوالى ٣ مرات، نتيجة للمقاومة الشديدة لها من جانب المستثمرين ورجال الأعمال.

وزارة المالية من جانبها لم تشر من قريب أو بعيد إلى أى حصيلة من تلك الضريبة فى الموازنة الحالية ٢٠٢١/٢٠٢٢، ضمن مصادر الإيرادات المستهدفة، رغم علمها بموعد التطبيق.

وقدرت الوزارة العائد المتوقع من الضريبة فى عام ٢٠١٤ بعد إقرارها بـ ٤.٥ مليار جنيه سنوياً، فى حين قدر مشروع موازنة العام المالى ٢٠١٥/٢٠١٦ حصيلة الضريبة بـ ٣.٥ مليار جنيه، بينما كانت التقديرات فى موازنة ٢٠١٦/٢٠١٧ تبلغ ٢.٥ مليار جنيه.

وفى نهاية أغسطس الماضى، نشر قرار وزارى عبارة عن دليل إرشادى لكيفية تطبيق الضريبة، ومن هنا كانت بداية عودة حملات الضغط على الحكومة، رغم أن مطالب المتعاملين فى سوق المال كان من بينها إيضاح طريقة سداد الضريبة، وآلية التطبيق بإصدار تعليمات تنفيذية واضحة.

الوزارة فى نفس الوقت تؤيد عودة تطبيق الضريبة، لسببين، أولهما الحاجة إلى موارد مالية إضافية لتمويل عجز الموازنة، والثانى هو العدالة التى تحققها الضريبة، والتى كانت من بين نصائح صندوق النقد الدولى للحكومة ضمن برامج الإصلاح المتفق عليها، فى حين لا تزال القطاعات الأقل دخلاً هى التى تتحمل وحدها تكلفة الإصلاح الاقتصادى، ولم تنجح الحكومة فى تحصيل أى ضريبة من الأثرياء إلا ٢٢.٥٪ ضريبة دخل، والتى تحصلها من أرباح الشركات غير المقيدة بالبورصة.

وزير المالية د.محمد معيط، من جانبه ألقى الكرة فى ملعب البرلمان عندما تم سؤاله عن احتمالية تأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية على أرباح البورصة، قائلاً إن إقرار القوانين يتم من خلال مجلسى الوزراء والنواب، والتأجيل يستدعى صدور قانون جديد.

أما محمد فريد - رئيس مجلس إدارة البورصة، فقال لرجال الأعمال إنه يجرى التنسيق مع مسئولى وزارة المالية لمناقشة ملف عودة الضريبة، على أن يتناول تأثير ذلك على طرح الشركات الحكومية والخاصة ونشاط سوق المال، مقابل العائد المتوقع منها على موازنة الدولة، ليتم تحديد التأجيل أو الإلغاء أو الخفض، وهو ما جعل تحركات لوبى البورصة تتجه فوراً إلى مجلسى النواب والشيوخ، ولقت تحركاتهم تأييداً من النواب رجال الأعمال، حيث أعلن أكثر من ٢٠ عضواً بالبرلمان اعتزامهم تقديم مشروع قانون لتأجيل تطبيق الضريبة لمدة عام آخر، حتى يناير ٢٠٢٣.

من هؤلاء النائب محمد السلاب - وكيل لجنة الصناعة، ومحمد على - وكيل اللجنة الاقتصادية، ومحمود الصعيد - عضو اللجنة الاقتصادية، ومحمد طه الخولى - عضو لجنة السياحة.

وتقدم النائب أحمد سمير زكريا - عضو لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشيوخ، بطلب للنقاش حول تطبيق الضريبة، معللاً ذلك بأنها تؤدى للإضرار بالسوق، مشيراً إلى أنه ينسق مع النواب لتأجيلها أو إلغائها بسبب خسارة البورصة ٢٧ مليار جنيه فى يومين نتيجة لها.

ويروج المستثمرون والنواب من رجال الأعمال نفس التبريرات القديمة التى استخدمت للوقوف فى وجه تطبيق الضريبة منذ ٧ سنوات، وعلى رأسها فكرة ضعف إيراد الضريبة، مقارنة بالخسائر التى تنتج فى حالة هروب رجال الأعمال من السوق أو انهيار البورصة بمعنى أصح.

ومن الأكاذيب الكبرى التى يتم الترويج لها هى عدم تعافى السوق من أزمة كورونا، وعدم استعداده وضعف تداولاته، واستمرار الأسباب التى كانت سببا فى تأجيل الضريبة.

وبنظرة سريعة للبيانات الرسمية الصادرة من البورصة المصرية، والخاصة بمعدلات العائد على مؤشرات البورصة، وحجم توزيعات الأرباح، وحجم زيادات رءوس أموال الشركات المقيدة، يمكن تفيند تلك الادعاءات، كونها تشير بلا شك إلى وضع وحالة السوق الحقيقية.

ويتضح من الأرقام، أن هناك عوائد كبيرة على الاستثمار فى البورصة، وأرباح ضخمة تحققها الشركات، وزيادات كبيرة فى رءوس أموالها، ونكتفى هنا برصد معدل العائد الخاص بالمؤشر الرئيسى للبورصة، والذى شهد أكبر زيادة له بنسبة ٧٦.٢٪ فى عام ٢٠١٦، عام تعويم الجنيه، كأعلى نسبة زيادة خلال آخر ١٠ سنوات.

كما ارتفع بنسبة ٢١.٧٪ خلال عام ٢٠١٧، وشهد انخفاضاً بنسبة ١٣.٢٪ خلال عام ٢٠١٨، وصعد بنسبة ٧.١٪ فى عام ٢٠١٩، ثم تراجع بنسبة ٢٢.٣٪ خلال عام ٢٠٢٠، وسجل نمواً بنسبة ٢.٨٪ منذ بداية العام الحالى، أى أن متوسط نمو العائد على المؤشر الرئيسى للبورصة حوالى ٢٧٪ خلال الخمس سنوات الماضية.

وبالنسبة لحجم توزيعات الأرباح النقدية، فيصل إجماليها فى هذه السنوات إلى ١٢٦.٦ مليار جنيه، بما يعادل ٨ مليارات دولار، حيث بلغت فى عام ٢٠١٦ حوالى ١٢.٢ مليار جنيه، وفى عام ٢٠١٧ حوالى ٢٠.١ مليار جنيه، وفى عام ٢٠١٨ حوالى ٢٩.٩ مليار جنيه، وفى عام ٢٠١٩ حوالى ٢٣.٩ مليار جنيه، وفى عام ٢٠٢٠ حوالى ٢٦.٣ مليار جنيه، وحتى أغسطس عام ٢٠٢١ بلغت ١٤.٢ مليار جنيه.

وسجلت الشركات زيادة فى رءوس أموالها بقيمة ٥٨.٩ مليار جنيه (ما يعادل ٣.٨ مليار دولار) بحوالى ٤.٨ مليار جنيه لعدد ٢٢ شركة فى عام ٢٠١٧، و٢٧.٦ مليار جنيه لعدد ٥٩ شركة فى عام ٢٠١٨، و١٠.٣ مليار جنيه لعدد ٥٤ شركة خلال عام ٢٠١٩، و٨.٧ مليار جنيه لعدد ٣٧ شركة فى عام ٢٠٢٠، و٧.٥ مليار جنيه لعدد ٢٠ شركة حتى يونيو ٢٠٢١.

ويبلغ عدد الشركات المقيدة فى سوق المال ٢٣٨ شركة، موزعين على ٢١٢ شركة بالسوق الرئيسى، و ٢٦ شركة مقيدة بسوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويقدر رأس المال السوقى لتلك الشركات بـ ٧٣١ مليار جنيه حتى نهاية أغسطس الماضى.

وتوجد ١٥٠ شركة سمسرة تعمل فى مجال الأوراق المالية، وتحقق عمولات من الأرباح عن طريق عمليات البيع والشراء، وهى بالتالى تشكل أداة ضغط أخرى على الحكومة، حيث تفرض ضريبة الأرباح الرأسمالية على صافى الربح الناتج من عملية البيع والشراء، وعن التوزيعات النقدية على الأسهم، بعد خصم الخسارة والتكاليف التى تم إنفاقها.

ومن الأوراق التى يستخدمها لوبى البورصة حالياً، التلويح مرة أخرى بفشل برنامج طرح الشركات الحكومية إذا تم تطبيق الضريبة التى ستتسبب فى غياب جاذبية السوق، وعلى رأسها شركة العاصمة الإدارية، وشركة آى فينانس، وشركة نادى غزل المحلة، بالإضافة إلى طروحات لشركات خاصة مثل شركة أبو عوف وغيرها.

وتقول ورقة أعدها الباحث الاقتصادى عبد الحميد مكاوى تحت عنوان «ضريبة الأرباح الرأسمالية أكثر عدالة من الدمغة»، إن الضريبة على الأرباح الرأسمالية والضرائب التصاعدية على الدخول والأرباح والثروات والممتلكات هى الوسيلة المثلى لزيادة الإيرادات وخفض عجز الموازنة.

وتشير الورقة إلى أن الضرائب هى أعدل الأدوات المتاحة للتوزيع العادل للثروة والتغلب على الفقر والبطالة، وزيادة الاستثمارات الحكومية فى الخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم والسكن وغيرها، وليس الاستدانة أو خفض الدعم.

وتوضح الورقة معدلات الضريبة فى دول مختلفة مقارنة بمصر، ففى بريطانيا تصل إلى ٢٠٪، و٢٢.٤٪ فى جنوب إفريقيا، و٢٢.٥٪ فى البرازيل، وجميع دول أمريكا الجنوبية تتراوح فيها ما بين ٥ إلى ٣٥٪، وتعبر الأرجنتين عن المعدل الأعلى فى العالم ٣٥٪.

وتشير دراسة للدكتور عمار نصر - أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بجامعة الأزهر بدمنهور، إلى أن من ضمن العوامل المحفزة للأخذ بضريبة البورصة هو أنها تعد وسيلة للحد من المضاربة، وتقلبات أسعار الأسهم التى تنتج من دخول وخروج الأموال الساخنة، وبالتالى توجيه الأموال للاستثمار الإنتاجى.

ويضيف نصر، أن هذه الضريبة تعد مساهمة فى تحمل أعباء النهوض بالاقتصاد واستعادة عافيته، فى ظل الحاجة إلى تكاتف الجهود، حيث إن هناك ضريبة تفرض على دخول الأفراد، وضريبة أخرى على أرباح الشركات غير المقيدة بالبورصة.