ياسر شوقي يكتب: ابتزاز السلفيين للدولة بعد "ضرب" بيزنس السياحة الدينية

مقالات الرأي

ياسر شوقي
ياسر شوقي


دأبت الجماعات السلفية طوال سنوات ممتدة سبقت ظهور جائحة كورونا، على بيع وشراء التعاليم الدينية الإسلامية، وتطويعها بما يحقق أهدافهم فى الانتشار والتوسع وزيادة رقعتهم جغرافياً ومجتمعياً وسياسياً ومادياً، وليس المقصود بالبيع والشراء سوى جعل الدين سلعة تباع وتشترى لتحقيق مكسب للطرفين، البائع والمشترى، فالطرف الأول يربح مالاً ويمشى بين الناس مختالاً بتقواه ولحيته التى تشير إلى ما ينتظره من فوز عظيم «يوم لا ينفع مالاً ولا بنون»، والثانى يعمل جاهداً على «الالتزام» بما اشترى ويعمل جاهداً على بيع الدنيا وما فيها.. يداوم على الصلوات الخمس فى مواعيدها جماعة والفروض، يقوم الليل، ويؤتى الزكاة، ويؤدى فريضة الحج والعمرة، ويعمل على نصيحة من حوله للدخول فى رضا الطاعة كما تعلمها من البائع.

يصف بعض علماء النفس عمليات غسيل المخ بأنها أشبه بطهى ضفدع دون أن يشعر، والأمر فى غاية البساطة، كل ما عليك أن تملأ إناء بالماء وتضعه على نار هادئة تماماً، ثم تضع الضفدع، وستمر الدقائق والساعات دون أن يشعر الضفدع بأن درجة حرارة الماء ترتفع تدريجياً، يعتاد الحرارة، وكلما ارتفعت يتأقلم جسده على درجة السخونة، وعند غليان الماء يكون الضفدع قد تم طهية دون أن يدرى بما حدث له.

وهذا ما يحدث فى كل عمليات غسيل المخ التى يقوم بها الجماعات السلفية الممولة، وأيضاً الجماعات الدينية المغلقة التى تسعى دوماً لضم أعضاء جدد فى سبيل تحقيق الهدف النهائى، حكم الناس والسيطرة عليهم بدعاوى تطبيق شرع الله وإقامة دولة الخلافة، حيث يطرق العضو باب الجماعة بيديه، وفى رأسه فراغ بحجم العالم عن التعاليم الدينية، لا يعلم عنها شيئاً، لكن فى داخله رغبة ملحة فى تغيير دنياه التى كرهها جراء صدمة عاطفية، أو جراء ضغوط اقتصادية لم يعد قادراً على تحملها، أو جراء أى أسباب أخرى، فتبدأ عمليات غسيل المخ رويداً رويداً وعلى نار هادئة.

والإسلام لا يغلق باب الاجتهاد، هناك آلاف الكتب التى تتحدث عن الفضائل وترتيبها من الأعظم إلى الأدنى، وهناك آلاف الأحاديث النبوية التى تؤكد دراسات علماء أزهريين أنها مدسوسة أو ضعيفة، وهناك أطنان من الروايات عن الصحابة ومآثرهم ودورهم فى نشر الدين الإسلامى ورفعته، والمهم فى كل هذا التراث الذاخر أن تنتقى ما يتفق مع العقل.

وهو ما عملت عليه الجماعات السلفية، انتقت وجمعت ودرست وشكلت منهجاً نفعياً، يحقق لها أرباحاً مادية و»عزوة» من إناس لا يطلبون سوى الستر ورضا المولى عز وجل، قيل لهم إن هذا المنهج يحقق الاثنين، ويذهب بصاحبه لجنة الرضوان.

وخلال السنوات التى سبقت الجائحة تحولت فريضة الحج والعمرة إلى بيزنس كبير، سيطرت عليه بالكامل الجماعات السلفية «سراً»، كانت تنشط فى الشوارع الجانبية والحوارى تشكيلات السلفيين للإعلان عن برامج لأداء الفريضة بأسعار مخفضة، أما فى العلن وتحت أعين الدولة فكانت تقوم شركات ما عرف بـ «السياحة الدينية» بتخليص أوراق السفر حسب القانون لمن جرى تجميع جوازاتهم من الشوراع الجانبية والحوارى، وذلك كله مقابل عمولة تتداولها تلك الشبكات فيما بينها من جيوب المؤمنين، وكله بالحلال وتسهيلاً على الناس لتطبيق شرع الله.

اقتصاد كامل جرى بناؤه بعيداً عن أعين الدولة، فلا ضرائب تدفع لـ«الدولة الكافرة» كما تروج تلك التشكيلات، ولا ولاء ولا انتماء سوى للعملات النقدية.

الآن وبعد أن حطمت الجائحة ذلك الاقتصاد، وقصفت عمره، عادت شركات «السياحة الدينية» وليست جميعها بالطبع، لمطالبة الدولة بصرف إعانات تساعدهم فى سداد أجور العمالة، وتكاليف الإيجار وفواتير الكهرباء والمياه والهاتف، بل يطالبون بتأجيل سداد رسوم اتحاد شركات السياحة التى يتم سدادها شهرياً إلى أن تنجح الدولة «الكافرة» فى المفاوضات الجارية مع الجانب السعودى حول حذف اسم مصر من الدول المحظور دخول مواطنيها أداء الحج والعمرة بسبب الموجة الرابعة من الجائحة، على اعتبار أن «ما فات مات» وأن ما تم جمعه من مليارات لم ترها أعين الدولة كانت مجرد تهيؤات فى أدمغة الناس.

ويشبه ما يحدث الآن ما حدث سنة ٢٠١٨ عندما فرضت وزارة السياحة رسوماً إضافية على راغبى تكرار العمرة خلال ثلاث سنوات، حيث صدرت بيانات شجب ولمز وغمز من شركات سياحة، ومن نواب حزب النور تحديداً ومشايخ الحركات السلفية، أشاعوا وقتها أن الدولة قررت إيقاف رحلات الحج والعمرة، هكذا قالوا، لكن ما أخفوه وقتها جملة من كلمتين «السبوبة هتبوظ».