التحقيق بانفجار المرفأ مقابل "الطيونة".. كيف يمكن أن تنتهي الأزمة في لبنان؟

تقارير وحوارات

أرشيفية
أرشيفية


لم يحدث أن بنى اللبنانيون سياساتهم ومواقفهم على التقائهم وتضامنهم بل على العكس تمامًا يعيشون دوامة مدمرة كلما يخطئ طرف منهم يبني الأطراف الأخرى حساباتهم على أخطائه فيراكمون عليه أخطاء جديدة ومن لا يخطئ يديرون ظهورهم وبهذه المنهجية يشهد لبنان حاليًا سقوط آخر مؤسساته وتستمر حالة التأزم والتصعيد التي طالت الملفات كلها، في ضوء ذلك خبراء يوضحون " للفجر" الأمور التي يتوقف عليها انتهاء هذا الوضع المتأزم

الحكومة اللبنانية معطلة وتستمر على هذا الوضع حتى يتم الإنتهاء من التحقيق في قضية انفجار المرفأ ويبدو جليًا أنّ موقف الثنائي الشيعي، حركتي أمل وحزب الله، قد تغير تغيرًا كاملًا فيقول الثنائي وخصوصًا حزب الله إن مشكلته مع حركة عون أدت إلى تعطيل مجلس الوزراء وأنه لن يتنازل عن إقالة القاضي طارق البيطار أو إيجاد صيغة قانونية مغايرة للتي يتبعها البيطار في تحقيقاته بحيث لا تمس الرؤساء والوزراء والنواب متخذةً هذا الملف مقابل ملف حادثة الطيونة

المرفأ مقابل الطيونة:
وسياسة واحدة بواحدة هي التي تتحكم بالمسارات اللبنانية اليومية وانطلاقًا منها يتم التعاطي مع ملف التحقيق في حادثة الطيونة أملًا من حزب الله في إحراج القوات اللبنانية، وعليها أيضًا يعولون إلى البحث عن تسوية تتعلق بالمرفأ حتى تقتصر المعادلة على الإحتكام بقاعدة جديدة وهي إنهاء التحقيق بقضية انفجار المرفأ مفتاح إنهاء الملفات كلها. في هذا الصدد قال الدكتور أحمد ماهر، الخبير في الشؤون السياسية، تم استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية من قبل أحد قضاة القضاء العسكري اللبناني التابع لحزب الله وذلك للتحقيق معه بخصوص ما حدث في مظاهرات منطقة الطيونة

وأضاف ماهر في تصريحات خاصة " للفجر"، كل هذه محاولات من حسن نصر الله لجذب الإنتباه بعيدًا عن قضية مرفأ بيروت حتى لا ينتهي التحقيق في القضية إلى إتهام مباشر لحزب الله. وكان الميقاتي رفض مطالب الحزب القائلة بعزل طارق البيطار ويحاول الميقاتي ألا يقحم نفسه في صراعات تنتهي بالنهاية بضرب حكومته يدل على ذلك عدم سعيه حتى الآن لعقد اجتماعات في مجلس الوزراء تفاديًا لعدم حدوث صدام بين الوزراء حيث يواجه الميقاتي ضغوطًا من قبل حزب الله التي تفرض إقالة البيطار أو حل الحكومة

القضاء محل التجاذبات:

قال الدكتور محمد الرز، المحلل السياسي اللبناني، عندما صدر اتفاق الطائف للوفاق الوطني اللبناني عام ١٩٨٩ والذي جاء امتدادًا لمؤتمر القاهرة بغية حل الصراع الأهلي في لبنان، تحول هذا الإتفاق إلى دستور لبناني جديد بديل للدستور الذي وضع بإشراف الإنتداب الفرنسي عام ١٩٢٦ ومن أهم بنود هذا الدستور إحلال السلم الأهلي وصيانة وحدة لبنان وانتمائه العربي وتعزيز الجيش الوطني وانتخاب مجلس نيابي غير طائفي وعلى قاعدة الدائرة الموسعة والنسبية ومجلس شيوخ يمثل الطوائف وتكريس صلاحيات مجلس الوزراء وتوسيعها في المجال الاجرائي التنفيذي، إلا أن ما حصل هو أن الطبقة الحاكمة، التي جاءت إلى السلطة بتوافق إقليمي دولي وقتها، انقلبت على الدستور وأقامت دستورًا خاصًا بها يقوم على التسويات في كل قطاعات الدولة وتقاسم الإدارات والمرافق والمالية العامة واعتماد اقتصاد ربعي يرتكز على الإستدانة والسياحة بدلًا من الإقتصاد الإنتاجي

وأضاف في تصريحات خاصة " للفجر"، لكن أخطر ما أقدمت عليه هذه الطبقة لتغطية ارتكاباتها هو تحويل القضاء من سلطة مستقلة إلى جهاز تابع لهذا الفريق أو ذاك، ومن هنا نرى قضاة يتبعون الثنائي الشيعي وآخرين يوالون نادي رؤساء الحكومات فيما عمل التيار الوطني الحر ( العوني) على محاولة السيطرة على القضاء من خلال بعض القضاة والمدعين العامين وكلنا يذكر كيف أن رئيس الجمهورية ميشال عون جمد قرار تشكيل مجلس القضاء الأعلى لمدة سنتين لأنه لم يأت متوافقًا مع رؤاه الحزبية.

وتابع المحلل السياسي، ومع كل ذلك فإن في القضاء اللبناني قضاة مستقلون يلتزمون بالنزاهة والقانون فقط وهؤلاء يتعرضون لضغوط أطراف الطبقة الحاكمة كما نرى الحال مع المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت الكارثية القاضي طارق البيطار.

ولفت إلى قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قائلًا أنه منذ ثلاثين سنة أمضاها في منصبه يعتبر جزء لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة ومسير أعمالها ومصالحها وخزينة أسرارها وساتر فضائحها وارتكاباتها ولذلك نرى الثنائي الشيعي مع رؤساء الحكومات والزعامة الدرزية وبعض المراجع الدينية يضغطون لمنع محاكمته كي لا تنكشف معلوماته في حين يستخدم رئيس الجمهورية ورقة إقالة رياض سلامة ضمن تكتيكاته السياسية للضغط على خصومه، علمًا أنه وقع مرسوم التمديد له أواخر العام الماضي.

وأوضح أنّ المسألة هي مسؤولية هذه الطبقة كلها ومن دون استثناءات عن تدمير مقومات الدولة اللبنانية وإيصالها إلى الإنهيار الحاصل الآن.

ونوّه أنّ الجيش اللبناني هو الذي يشكل الضمانة الأخيرة للحفاظ على كيان الوطن، مؤكدًا أن الحل موجود ويختصر بالآتي: على الدول العربية المعنية باتفاق الطائف والتي أنقذت لبنان من حربه الأهلية التي دامت ١٥ عامًا ان تتدخل لإعادة تصويب هذا الإتفاق عمليًا وتنفيذه فعليًا، بمعنى أن تسعى لتطبيق الدستور اللبناني لمصلحة الشعب اللبناني، وأن تشرف على حسن تطبيق هذا الدستور في الإنتخابات المقبلة كونها الطريق الوحيد للتغيير الديمقراطي سواء بقانون الإنتخابات المتوافق مع الدستور وليس القانون الحالي المفصل على مقاس الطبقة الحاكمة أو في عملية الانتخاب وشروطها.

واختتم تصريحاته قائلًا، فالذي نراه اليوم هو سعي الطبقة الفاسدة التي خربت الوطن لإعادة تجديد نفسها واستنساخ دورها من خلال الإنتخابات الأمر الذي سوف يفاقم من معاناة الناس وسيهدد فعليًا من استمرار لبنان كدولة وكوطن وسط تصاعد الدعوات التقسيمية والفيدرالية والتدخلات الإقليمية والدولية، وما حادثة الطيونة الأخيرة إلا أبرز شاهد ودليل.