د. نصار عبدالله يكتب: عن مستقبل الكورونا

مقالات الرأي

د. نصار عبدالله
د. نصار عبدالله


صحيح أن المستقبل لا يعلمه إلاالله، لكننا بوسعنا مع ذلك أن نتنبأ بالمستقبل فى حدود معينة باستخدام أساليب علمية معينة، وأن تكون النتائج التى نتوصل إليها بالتالى ذات مصداقية تتناسب مع مستوى دقة المنهج الذى استخدمناه، كما تتناسب فى نفس الوقت مع طبيعة المجال الذى طبقنا عليه هذا المنهج، .. وعلى سبيل المثال فإنه فى المجالات الفيزيائية والكيميائية فإن دقة التنبؤ تصل إلى ١٠٠٪، ثم يقل مستوى هذه الدقة قليلا فى الظواهر الطبيعية الأخرى لكنه يظل عاليا فى تلك النوعية من الظواهر نتيجة لمبدأ مسلم به وهو أن الطبيعة لم، ولن، تغير سلوكها منذ الأزل وإلى الأبد، فإذا انتقلنا إلى الظواهر التى تمتزج فيها الظواهرالطبيعية مع الظواهر الإنسانية مثل كيفية مواجهة الإنسان للكوارث ومدى قدرته على المواجهة فإن القدرةعلى التنبؤ فى هذه الحالة تصبح أقل بكثير لكنها مع ذلك تظل قدرة باقية وذات مصداقية معتبرة، ولولا هذه القدرة على التنبؤ لما أمكن للإنسان وضع خطة معينة للعمل فى أى مجال من المجالات، وفى ضوء هذه المقدمة التى وجدنا أنه من الضرورى أن نبدأ بالإشارة إليها قبل أن ننتقل إلى موضوع حديثنا وهو مستقبل الكورونا الذى يشغل الأذهان حاليا لا فى مصر وحدها بل فى العالم بأكمله نقول إنه قد يكون من المفيد جدا أن نستخدم القياس المنطقى، أى أن نقيس ما يجرى حاليا على ما حدث للعالم من قبل فى ظروف مشابهة، مع الأخذ فى الاعتبار طبيعة الاختلافات بين العالم فى ظل تلك الظروف وبين العالم الراهن، وفيما أتصور فإن أكثر تلك الكوارث تشابها مع كارثة كورونا أو كوفيد ١٩ التى تجتاح العالم حاليا.. أكثر تلك الكوارث تشابها هى كارثة الإنفلونزا الإسبانية التى اجتاحت معظم أرجاء الكرة الأرضية فى عام ١٩١٨ (بالمناسبة فإن الإنفلونزا الإسبانية لم تكن إسبانية المنشأ ولكنها كانت أمريكية فتكت بنسبة كبيرة من الشعب الأمريكى تماما مثل الكورونا الحالية قبل أن تنتقل إلى أوروبا، لكن الجميع تكتموا على أخبارها إذ ذاك نتيجة للقيود التى كانت مفروضةعلى الصحافة الأوروبية والأمريكية منذ الحرب العالمية الأولى، وكان الاستثناء الوحيد هو الصحافة الإسبانية نظرا لأن أسبانيا لم تكن قد دخلت الحرب!، وهكذا فعندما نشرت الصحافةالإسبانية أخبارالجائحة أطلق عليها الأوروبيون والأمريكيون «الإنفلونزا الإسبانية»، والتى تسببت فى هلاك أعداد يقدرها البعض بخمسين مليونا بينما ترتفع بها تقديرات أخرى إلى مائة مليون إنسان !! فى وقت لم يكن فيه تعداد العالم ليتجاوز مليارا ونصف المليار نسمة أى أن معدل الوفيات قد وصل إلى خمسة فى المائة وربما أكثر من ذلك، إذا نظرنا إلى تلك الجائحة نجد أن تلك الإنفلونزا لم تنحسر تماما بعد موجة الفتك الهائلة تلك، فقدتحورالتكوين الجينى للفيروس المسبب لها، وفى نفس الوقت تحورت مناعة الكائنات البشرية لتصبح أكثر مقاومة للمرض، ومن ثم فقد تعايش الإنسان مع فيروس الإنفلونزا على مدى العقود التالية، فإذا ما عدنا الآن إلى الجائحة الراهنة وأخذنا فى الاعتبار طبيعة التغيرات التى حدثت على مدى قرن من الزمان، وفى مقدمتها سرعة المواصلات وسهولتها، وفى نفس الوقت اكتشاف أنواع من اللقاحات التى تحول دون الإصابة بالمرض أو على الأقل تحول دون تفاقمه فى حالة الإصابة ( بلغ عددها حتى الآن سبعةعشر لقاحا مختلفا والبقية تأتى )، وإذا أخذنا فى الاعتبار كذلك ارتفاع مستوى الوعى الذى ساهمت فيه وسائل الإعلام مساهمة مشهودة)، إذا أخذنا كل ذلك فى الاعتبار فليس لنا أن نتشاءم كثيرا، لكننا فى الوقت ذاته ليس لنا أن نسرف فى التفاؤل، ولا أن نتصور أن العالم سوف يتمكن من القضاء على كوفيد ١٩تماما، فالأرجح أن الكوفيد ١٩ سوف يواصل تحوراته فى الوقت الذى يواصل فيه الإنسان تطوير لقاحاته، والمحصلة النهائية التى قدم التاريخ نفسه سابقة لها يمكن أن نقيس عليها، المحصلة النهائية هى أن الكورونا سوف تتحول إلى مرض مزمن يتعايش الإنسان معه ويعيش فى ظله حتى بعد أن يكون قد أهلك الملايين من البشر، وبالمناسبة أيضا فإن هذه النتيجة التى لا أدرى إن كان يمكن وصفها بأنها مفزعة أو مطمئنة ليست هى من بنات أفكارى أواستنتاجاتى، فأنا بطبيعة الحال لست من المتخصصين فى الفيرولوجيا علم الفيروسات، ولكنها النتيجة التى انتهت إليها منظمة الصحة العالمية، وبوسع القارئ إذا شاء أن يرجع إلى موقع جوجل ويبحث فيه عن: «مستقبل الكورونا».