صندوق النقد يبدأ محاسبة الدول على قروض كورونا

الاقتصاد

صندوق النقد الدولى-ارشيفية
صندوق النقد الدولى-ارشيفية

 

عندما ضربت جائحة فيروس كورونا المستجد العالم في العام الماضي قدم صندوق النقد الدولي قروضا عاجلة بقيمة 118 مليار دولار إلى 87 دولة لمساعدتها في تجاوز الأزمة.


وفي رسالة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر في أبريل 2020 دعت كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي الحكومات إلى القيام بكل ما يلزم لمحاربة الجائحة، لكن مع الاحتفاظ بفواتير إنفاق الأموال في إشارة إلى اعتزام صندوق النقد مراجعة كيفية إنفاق الحكومات للأموال التي حصلت عليها.


والآن جاء وقت الحساب، حيث اشترط صندوق النقد على الكثير من الدول ضرورة إجراء مراجعة محاسبية مستقلة لكيفية إنفاق أموال الطوارئ التي حصلت عليها من الصندوق، قبل منحها أي قروض جديدة. ولكن عمليات الإنفاق في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومناطق أخرى، لا يتم توثيقها بإيصالات، كما أن بعض المسؤولين في تلك الدول دخلوا السجن بسبب الفساد.

وتقول الكاتبة الأمريكية شيريدان براسو المتخصصة في الشآن الآسيوي إن عددا قليلا من الدول هي التي لديها بيانات نتيجة المراجعة المحاسبية العامة.


والمعلومات المتاحة تشير إلى إنفاق مئات الملايين من الدولارات من أموال مساعدات الصندوق تم بطرق غير صحيحة؛ وهو ما يعني أنه تم استخدام جزء صغير من الأموال لشراء أجهزة التنفس الاصطناعي وإقامة المستشفيات المتنقلة ومعدات الوقاية الشخصية، وهو ما أدى إلى فقدان أعداد كبيرة من الأرواح حسب ثيو فان دير ميرف  أحد المسؤولين في منظمة الشفافية الدولية المعنية بمكافحة الفساد وعمليات غسل الأموال والموجود مقرها في العاصمة الألمانية برلين.

ونقل فان دير ميرف عن تقارير الأمم المتحدة القول إن ما بين 10 و25% من الأموال التي أنفقتها الحكومات على المشتريات على مستوى العالم تتبدد بسبب الفساد حتى في الظروف الطبيعية. وأضاف أن متابعة منظمة الشفافية الدولية لأوجه إنفاق المساعدات الطارئة التي قدمها صندوق النقد لدول العالم منذ بدء الجائحة أشار إلى أن المبالغ المهدرة مثيرة للقلق بشدة، في حين أن صندوق النقد لا يملك أرقاما دقيقة عن حجم المبالغ التي تم إهدارها.

 

من ناحيته قال جيري رايس المتحدث باسم صندوق النقد إن الدول المتلقية للمساعدات التزمت بإجراءات حوكمة، مصممة خصيصا وفقا لظروفها المحددة، بما في ذلك المراجعة المحاسبية ونشر بيانات المشتريات والتعاقدات وتطبيق هذه الالتزامات المستمرة.


ومع بداية الجائحة، وجد صندوق النقد الدولي نفسه في مواجهة واحدة من أصعب المعضلات التي تواجه مجتمع التنمية: هل يتم صرف الأموال للدول المحتاجة بسرعة ودون إجراءات صارمة لمنع الفساد، مع الأمل في صرفها على النحو الصحيح؟ أو هل تأخذ  الوقت اللازم لإجبار الدول على وضع مثل هذه الآليات أولا وهو ما يعني فقدان المزيد من الأرواح حتى تتم العملية؟.

يقول مات اندروز وهو كبير محاضرين في موضوعات التنمية بكلية كيندي في جامعة هارفارد الأمريكية: "من المحتمل ألا تكون هذه التوترات  أكبر مما هي عليه في أوقات الأزمات مثل  جائحة كورونا.. يجب تقديم هذه الأموال  لسد الفجوات الأكثر من المعتاد  في هذا الوقت، وبأسرع من المعتاد".


فالنظم المالية في العديد من الدول النامية لا تستطيع إدارة تدفقات مالية كبيرة دون تسرب جزء من هذه الأموال بعيدا عن مصارفها المقررة.

ورغم أن الكثير من الدول تعهدت بمراجعة الإنفاق كشرط مسبق للحصول على التمويل العاجل من صندوق النقد، فإن أكثر من نصف هذه الدول لم تف بهذه الالتزامات، حسب منظمة الشفافية الدولية. كما أن الالتزام بهذه الشروط متقطعا. فقد أنشأ عدد من الدول ومنها نيجيريا التي حصلت على أكبر شريحة من أموال المساعدات بإجمالي 3.4 مليار دولار،  مواقع إنترنت  لنشر بيانات الإنفاق والتعاقدات، لكن المعلومات الأساسية غير منشورة في هذا السياق، وهناك مشكلات فنية تحد باستمرار من القدرة على الوصول إلى الوثائق.


ويقول فان دي ميرف:  "عندما تكون هناك أزمة كبرى، تحتاج إلى توفير الأموال، وهذه فرصة حقيقية للفساد بكل طريقة ممكنة".

ومن بين الدول التي التزمت بإجراء مراجعة مستقلة، وبينها نيجيريا، فإن عددا قليلا للغاية هو الذي نشر نتائج المراجعة. وشدد دي ميرف على أهمية نشر هذه البيانات، قائلا إن النشر يسمح للمواطن العادي والمجتمع المدني ووسائل الإعلام بتوفير طبقة إضافية للتدقيق في استخدام الموارد العامة، وزيادة ترسيخ معايير الشفافية والمحاسبة في إدارة المالية العامة.


وتقول سارة سعدون كبيرة الباحثين في مجال الأعمال وحقوق الإنسان بمنظمة هيومن رايتس ووتش والتي تتعاون مع منظمة الشفافية الدولية  في متابعة الفساد المرتبط بجائحة كورونا، إن المراجعة المحاسبية للإنفاق الحكومي وسجن المسؤولين الفاسدين تمثل إشارة إلى التقدم الذي تحقق على صعيد محاربة الفساد في الدول.


وأضافت أن صندوق النقد لم يركز على ضرورة وجود قواعد الحوكمة المحسنة إلا عندما نشر إطار عمل مكافحة الفساد في عام 2018 وقد بدأت ثمار هذه الخطوة تظهر الآن وبخاصة  مع رغبة الدول في الحصول على مزيد من القروض وبالتالي اضطرت إلى الالتزام بقواعد  الحوكمة.