عائشة نصار تكتب: أفغانستان.. بلاد الرعب

مقالات الرأي

عائشة نصار
عائشة نصار

بين وحشية طالبان وهجمات داعش

تصفية مبدعين.. وذبح “حكيمى” لاعبة المنتخب الأفغانى لكرة “الطائرة” وقطع رأسها


إعدام محجبين حكيمى، إحدى أبرز لاعبات المنتخب الوطنى الأفغانى سابقًا لكرة «الطائرة» النسائية «ذبحًا»، وقطع رأسها، على يد مسلحى حركة طالبان فى كابول، وتسريب الخبر بعد أسبوعين كاملين من مقتلها، فى ظل حالة من الفزع تمنع عائلتها من الإدلاء بأية تفاصيل، خوفًا على حياتهم بعد تهديدات من عناصر الحركة..

واقعة تضيف قطعة «البازل» الأخيرة للمشهد المأساوى داخل الحدود الأفغانية، وتحولها بما لا يدع مجالًا للشك إلى «بلاد الرعب» بامتياز، على الخريطة الدولية، وفى عناوين الأخبار الأكثر دموية عالميًا.

كل ذلك بالتوازى مع هجمات داعش خراسان، على الطرف الآخر، والتى تسعى لتفخيخ الوضع بالكامل، وتحول حياة الأقليات الدينية داخل البلاد وعلى رأسهم الشيعة «الهزارة» إلى حجيم حقيقى بالهجمات المتوالية، والمتصاعدة خاصة بعد وصول طالبان للحكم، وكان آخرها هجوم انتحارى، نفذه أحد عناصر التنظيم بتفخيخ سترته الناسفة داخل مسجد للشيعة فى إقليم قندوز بصلاة الجمعة وأسفر عن ٣٠٠ قتيل وجريح من المصلين.

هكذا، وبين مطرقة «طالبان» وسندان «داعش» يعيش المواطنون الأفغان فى كابوس كبير، لا يبدو مخرجًا منه حتى هذه اللحظة.

تقارير متداولة تتحدث الآن أيضًا عن حملات تعقب وملاحقة فى أنحاء أفغانستان، لإعادة تشكيل النشاط الرياضى وفقًا لمعايير طالبان، والتى تحظر ممارسة الرياضة على النساء.

ومع العلم بأن حالة حكيمى، وإن كانت الأكثر وحشية فى التعرض للرياضيات فى أفغانستان، فإنها ليست الوحيدة، فقد سبق وأن تم حرق منازل لاعبات المنتخب الإقليمى، فى إقليم هرات غرب أفغانستان، واختطفت طالبان عائلاتهن فى منتصف الليل.

كما صرحت خالدة بوبال رائدة كرة القدم النسائية بأفغانستان، وقائدة المنتخب النسائى الأفغانى للعبة الشعبية الأولى بالعالم، عن تعرضها لاعتداءات جسدية ولفظية وتلقيها وصديقاتها تهديدات بالقتل، ما اضطرها إلى الهروب مؤقتا خارج البلاد.

وذلك فى ظل دعوات دولية مع وصول طالبان للحكم، فى مقدمتها مطالبة الأمين العام للأم المتحدة أنطونيو جوتريتش، بضرورة إنقاذ حياة الرياضيين والرياضيات الأفغان، وإيجاد وسيلة لإخراجهم من البلاد فورًا، خاصة وقد ارتبط ظهور حركة طالبان وسيطرتها على الأوضاع فى أفغانستان سابقًا فى الفترة بين (١٩٩٦-٢٠٠١) بمحاربة الفنون والرياضيات وفى مقدمتها كرة القدم، بما فى ذلك تحويل عدد من الملاعب إلى ساحات لتنفيذ أحكام الإعدام. وهى الإعدامات التى عادت مؤخرًا بالفعل إلى البلاد، وافتتحتها طالبان بالمجزرة التى نفذتها بإعدام خاطفين وتعليق جثثهم فى شوارع مدينة هرات الأفغانية.

وتزامنت دعاوى الإنقاذ للرياضيين الأفغان مع المشهد المروع الذى شاهده العالم على الهواء مباشرة لثلاث ضحايا أفغان سقطوا من طائرة عسكرية أمريكية أثناء إقلاعها من مطار كابول، وقد تعلقوا بالعجلات، رغبة ًمنهم بالفرار، وكان من بين هؤلاء لاعب منتخب الشباب الأفغانى لكرة القدم، زكى أنورى (١٩ عاما).

وفيما نجحت ٢٠ لاعبة كرة قدم أفغانية فى الهروب من أفغانستان، بعد وصول صعود حركة طالبان، وإحكام قبضتها على السلطة بالبلاد، من بين ٧٥ شخصًا من لاعبات ومدربين ومدربات، من أعضاء الفرق الرياضية المتنوعة هربوا إلى مدينة لاهور بباكستان، بصحبة عائلاتهم، غير أن المنتخب النسائى لكرة الطائرة النسائية، كان الأسوأ حظًا على مايبدو.

فلم تكن من بين الفارين سوى لاعبتين فقط للكرة الطائرة، بينما استمرت الباقيات داخل البلاد، مهددات ومتواريات عن الأنظار، ومن بينهن حكيمى التى لقيت مصرعها «ذبحًا» وقطعت رأسها، وهددت أسرتها بالنهاية.

فيما حالة الرعب تسيطر فى الأوساط الأفغانية بشأن مصير الشخصيات العامة، الشهيرة والمؤثرة فى أفغانستان، خاصةً من النساء والشباب، والذين لم يتمكنوا من الهروب إلى خارج حدود البلاد، بعد سيطرة طالبان على الحكم، ومنهن الرياضيات.

وذلك بالتوازى مع حالة من الرصد والتعقب من قبل طالبان، لهذه الشخصيات المؤثرة ممن يمتلكون آراء مناهضة لسياستها، أو مواقفها ومعتقداتها.

وسبق وأن استهدفت طالبان الشاعر الأفغانى وهيلامان زوندوى، كما نشرت تقارير أمريكية مؤخرًا أن حركة طالبان قد قتلت مطربا شعبيًا أفغانيًا معارضًا هو فؤاد أندرابى فى ظروف غامضة، وفى منطقة جبلية مضطربة، فضلًا عن قتلها قبل فترة وجيزة من استيلائها على الحكم لممثل كوميدى ساخر هو نزار محمد المعروف باسم خاشا جوا.

كما أن بيانًا صادرًا عن إدارة نشر الفضيلة ومنع الرذيلة بقيادة طالبان فى إقليم هلمند بأفغانستان، قد حظر مؤخرًا حلق لحى الرجال أو تشذيبها، أو تشغيل الموسيقى فى صالونات الحلاقة والحمامات العامة ومنعها منعًا باتا.

وهى القرارات التى ترتبت عليها أوضاع جديدة بالبلاد، التى أُغلقت فيها المعارض الفنية، ومتاجر الآلات الموسيقية، وبالتبعية كذلك توقفت الفرق الموسيقية الشعبية عن العمل بالأفراح، التى حظرت فيها الموسيقى.

وفى هذه الأجواء شديدة الخطورة، وردت شهادات لفنانين ورسامين أنهم بعد وصول طالبان للحكم، أقدموا على الفور على إخفاء رسوماتهم، خاصة التى تصور النساء، أو حتى التخلص منها بإحراقها، خوفًا من عثور عناصر الحركة عليها، وإنزال العقاب المشدد بهم.

وكذلك اعترف أحد المخرجين الأفغان الذين نجحوا فى الفرار من البلاد، بأنه أخفى قرصًا يحتوى على أكثر من ٢٠ فيلما فى مكان سرى رعبًا من مصيره فى حالة اكتشافها، كما فعل بائعو الكتب نفس الشىء بالمخطوطات والكتب، التى سعوا إلى إخفائها أو التخلص منها.

الحريات العامة التى بات واضحًا بجلاء أنها وصلت إلى حد المأساة الآن فى أفغانستان، وبمجرد صعود الحركة الأفغانية المتشددة، تأتى فى مقدمتها حقوق النساء اللواتى يعانين الرعب من مصيرهن، بعد عقدين من الزمان حصلت فيها المرأة الأفغانية، على مكتسبات واسعة، فى مقدمتها التعليم، والذى أصبح ممنوعًا حاليًا فى البلاد، وفقًا لقرارات الحركة الأفغانية المتشددة، بحظر دخول النساء لجامعة كابول، سواء طالبات أو كمعلمات، وحظره كذلك بمرحلتى التعليم الإعدادية والثانوية.

وفى هذا السياق لم يعد هناك مهرب من المخاطرة، للحيلولة دون شيوع الأمية بين الجيل القادم من النساء الأفغانيات، وإيجاد بدائل للتحاليل على الوضع القائم الذى تفرضه قيود طالبان، فقامت مؤسسة «أفغانستان للتعليم» بوضع برامج تعليم سرية للفتيات ممن تجاوزن ١٢ عامًا عبر الإنترنت، على أن يقدم هذا البرنامج وفقًا للتقارير الغربية المتداولة، لـ١٠٠ فتاة شهريًا، فى العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.