عادل حمودة يكتب: حكايات مليارديرات فى مصر 3.. النجمات يسبحن فى بحيرة القلب الجاف

مقالات الرأي

الكاتب الصحفي عادل
الكاتب الصحفي عادل حمودة

الملياردير الذى مات على فخذ امرأة تحسن إليه!

 

«الدمنهورى» لم يكن نوعًا سرطانيًا فى الخراب المالى والاقتصادى فقط وإنما كان خرابه عاطفيًا وإنسانيًا

 

«ماجى المهدى» كانت الأطول بقاء بين زيجات المتعة التى عقدها وما إن حصر المصائب التى تعرض لها منذ تزوجها حتى طلقها


كتبت عنه كثيرا من قبل.

كشفت عن لحظات الاستهتار ولحظات الانكسار فى حياته ولكن لم أصل معه إلى نهايته الدرامية المثيرة التى تثبت أن القدر كاتب سيناريو لا يضاهيه بشر.

كتبت:

«إن قلبه كان مثل فندق خمسة نجوم يتسع لمن يشاء من النزيلات أو مثل بحيرة يدعو للسباحة فيها كل من يصادف من جميلات.

«كان يخلع النساء كما يخلع ستراته وقمصانه ورابطة عنقه دون أن توجه إليه تهمة حيازة أكثر من امرأة فى وقت واحد.

«لكن ذلك الطراز من الرجال متعدد العلاقات فى نفس الوقت غالبا ما يعود إلى بيته لينام وحيدا على فراش مزدوج.

«كان يعامل المرأة كما يعامل الطفل الزهرة: يقطفها بحنان ويشمها بحنان ثم يلقى بها فى بئر الأحزان.

«يرفعها على عرش الأنوثة ملكة ثم يلقى بها أمام باب المطبخ جارية».

«كان الرجال يحسدونه فهو قادر على أن يمد يده ويقطف أجمل النساء وأكثرهن بريقا مثل نجمات السينما».

«تصور قلبه حديقة من أزهار المارجريت الخرافية أو مغارة من أحجار الياقوت النادرة ولكن قلبه فى الحقيقة كان جزيرة فارغة من الهواء أو شجرة وحيدة تثمر مللا».

«لا أحد تصور أن شرايين يده ليست أسلاكا من الحرير أو الذهب وإنما شوارع مسكونة بالقلق وقطارات تنقله بسرعة من محطة الانبهار إلى محطة الاحتقار».

إن رجل الأعمال مرتضى الدمنهورى كان حالة مثالية يبحث عنها علماء النفس لدراسة ظاهرة الاضطراب العاطفى التى تنجم عن التضخم غير المتوقع وغير المنتظر للثروة خاصة إذا لم يشق فى الحصول عليها.

حالة نموذجية لفهم انفصال البيزنس مان عما حوله فى وطنه ليغرق فى غيبوبة الاستمتاع بالحياة حتى لو كان ثمن كل لحظة يعيشها هبوط إنسان غيره من الستر إلى ما تحت خط الفقر وهبوط إنسان آخر من ما تحت خط الفقر إلى ما تحت خط القبر.

مسكين هذا الوطن اختصروا مساحته حتى أصبح أصغر من حبة الذرة وضيقوه وخنقوه وعصروه حتى لم يبق من حقوله سوى شجرة ومن بحاره سوى بركة مياه ومن طموحه سوى الحصول على رغيف خبز فى العشاء.

الوطن الذى تعامل معه حلفاء الثروة والسلطة نصف وطن أو ربع وطن أو جزء على مائة من وطن.

تعاملوا مع الوطن المالى ونسوا الوطن الروحانى مثلما تعاملوا مع الدين ونسوا الله أو تعاملوا مع المئذنة ونسوا المؤذن أو تعاملوا مع الجنس ونسوا المرأة أو تعاملوا مع الأرض ونسوا البشر.

فى صيف عام ألفين تعرضت البلاد إلى موجة حارة مشبعة برطوبة خانقة ضاعف من شدتها فشل الحكومة فى معالجة الكساد والفساد.

كانت القروض التى خرجت من البنوك ويأست من تحصيلها قد وصلت إلى ٤٠ مليار جنيه وكان كل ما وضعت البنوك يدها عليه قطع من الأراضى الفضاء متناثرة على خريطة مصر قدرتها مكاتب استشارية متواطئة بأربعة أضعاف سعرها السوقى.

بسقوط حكومة كمال الجنزورى التى تسببت فى تصدع البنوك بدأت مباحث الأموال العامة فى فتح الملفات المسكوت عنها مما أفزع طابور طويل من رجال الأعمال العاجزين عن السداد فراحوا واحدا بعد الآخر يتسللون هاربين خارج البلاد وكان منهم مرتضى الدمنهورى.

قدرت ديونه للبنوك بمبلغ ١٥٣ مليون جنيه ولكن ما يلفت النظر أن قبل شهرين من اختفائه بدا واضحا أنه سيهرب سيهرب.. راح يصفى ممتلكاته.. المكاتب والقصور والبيوت والسيارات والسندات.. كان البيع متعجلا.. متوترا.. متساهلا.. أراد قبض ما يمكن من مال فى أسرع وقت.. حصل على نصف قيمة ما باع.. وأحيانا الربع.

باع مزرعة على تسعة أفدنة شيد عليها قصرا فى «المنصورية» بعشرة ملايين جنيه بينما قيمتها الحقيقة ٣٤ مليونا وباع قصرا فى «العجمى» بخمسة ملايين قيمته ١٢ مليونا وباع فيللا فى الدقى بمليون قيمتها سبعة ملايين وباع ثلاث فيللات فى مارينا بخمسة ملايين قيمتها ١٢ مليونا وتخلى عن حصته فى شركة طباعة مقابل خمسة ملايين مضحيا بخمسة ملايين أخرى وفى النهاية لم يجمع أكثر من ٧٨ مليونا.

لم يهرب وحده وإنما أخذ معه أولاده وبناته.

تركوه يغادر البلاد سالما آمنا غانما.

هرب علنا فى الوقت الذى حدده ومن الطريق الذى اختاره وبالوسيلة التى فضلها فمن الذى أغمض عينيه عنه؟ من الذى سهل له الخروج؟ من أطفأ أمامه الإشارات الحمراء ومنحه إحساسا طفوليا بارتكاب المخالفات والحماقات؟ من الذى تركه يصفى ممتلكاته ليترك منها فقط ما لا يزيد عن عشرين مليونا لم تزد عن مخازن فارغة ومكاتب مهملة؟.

تنوعت الروايات التى شاعت عن هروبه.

هناك من أدعى أنه هرب إلى ليبيا برا ثم استقل قاربا ينتظره فيه أحد أعوانه إلى أحد الموانئ الأوروبية.

وهناك من أصر على أن الهروب جرى فى قارب خرج من الغردقة وشق طريقه فى البحر الأحمر إلى دولة قريبة ومنها إلى منفاه الاختيارى.

وهناك من سرح بخياله أكثر قائلا: إنه ترك أولاده وبناته يغادرون القاهرة بالطائرة ثم لحق بهم بجواز سفر مزور إلى باريس ومنها إلى محطة النهاية فى كاليفورنيا وبالتحديد أكثر فى بيفرلى هيلز حى المشاهير والنجوم فى لوس أنجلوس حيث اشترى قصرا بجوار فيللا ريتشارد بيرتون وإليزبيت تايلور.

لم يهرب إلى سويسرا كما تصور البعض فهو ممنوع من دخولها لتهربه من دفع فواتير شراء مجوهرات لواحدة من عشيقاته كانت ترافقه هناك.

لكن المفاجأة المحيرة أنه أشترى مصنعا للملابس الجاهزة فى سانت مونيكا قيمته ٨٣ مليون دولار دفعها مرة واحدة وبشيك شخصى ودون تمويل من بنك أمريكى فى حالة استثمارية يندر حدوثها لم يفصح عن أسرارها وبدا واضحا أن الصفقة تمت بالقروض التى أخذها من البنوك المصرية.

لم يتأكد هروبه إلا عندما أعلن المدعى العام الاشتراكى وهو منصب اخترعه السادات ليتحكم فيه إذا لم يوافق النائب العام هواه التحفظ على أمواله وممتلكاته هو وزوجته وأولاده ومنعهم من التصرف فيها وجاء القرار متأخرا أسبوعين كان الدمنهورى وأولاده «فص ملح وذاب».

لم يجد المدع الاشتراكى من يحقق معه سوى زوجته الأولى أو ضحيته الأولى.

قبل خمس سنوات من الهروب أرسلها إلى نيويورك لترعى أولادهما خلال تعليمهم فى الجامعات والمدارس بينما هو فى القاهرة يمارس هوايته الشهيرة فى الزواج والطلاق وتحريض المحصنات على الخيانة بإغراء من حلى الماس التى يصعب مقاومة بريقها وتنافس معه رجال أعمال غيره غرفوا مثله الملايين من البنوك بلا حساب وتباروا فى إنفاقها على النساء.

كانت زوجته الثانية نجمة شابة تنتمى إلى عائلة سينمائية لكنه طلقها ودفع إليها مليون جنيه مؤخر صداق بعد أن ظهرت نجمة سينمائية شهيرة أمامه شبه عارية على شاطئ البيطاش فى العجمى فلم يتردد فى أن تصبح زوجته الثالثة ولكنها أصرت على أن تكون الوحيدة على ذمته.

طلق زوجته الأولى وأعادها إلى القاهرة مضحيا بمستقبل أولاده وجردها من كل شىء فلم تجد مكانا تنام فيه سوى بيت أحد أقاربها وبعد سنوات نجحت فى شراء شقة متواضعة فى المعادى لتكون مثالا حيا على أن الدمنهورى لم يكن نوعا سرطانيا فى الخراب المالى والاقتصادى فقط وإنما كان خرابه عاطفيا وإنسانيا أيضا.

وصفت ماجى المهدى بأنها «قدمها خضراء» لا تعرف رجلا إلا وتصيبه بنحس يدمره لا يقوم منه إلا كسيحا.. إنها جميلة وساحرة ومثيرة ورثت حسنها من أمها الإنجليزية ولكن عتبتها سوداء لا ينجو من يتخطاها من شر لا يعرف مصدره إلا مدمنى البحث فى الغيبيات.

قبل أن تكتشفها السينما خطبت إلى طالب فى الكلية الجوية تحطمت طائرته فى أول تدريب عملى فى الجو لتصبح أرملة قبل أن تتزوج.

بل يمكن القول إن اثنين من الذين تنافسا عليها قبل الدمنهورى انقلبت أوضاعهما فجأة ودون توقع ليسجن أحدهما ويهرب الآخر.

الدمنهورى نفسه أصيب بلعنتها.

فقد التوكيلات التجارية التى كانت تبيض له ذهبا فى كل صباح دون مجهود، وفقد مصانعه التى ورثها عن أبيه وفقد شراكته فى عدد من الشركات التجارية والصناعية والهندسية بمساهمات قدرها تصل إلى ٨٥ مليون جنيه واضطر إلى الهروب إلى كاليفورنيا متصورا أن سيبدأ حياة جديدة بالمصنع الذى اشتراه بقروض البنوك.

سقط الإمبراطور من على عرشه.

بدأ الإمبراطورية الأب.. موظف بسيط أمين يعمل فى مصنع نسيج يمتلكه يهودى.. يجمع المال من العملاء ويودعه فى البنك.. لكنه.. فجأة ودون توقع وجد نفسه فى نفس موقف نجيب الريحانى فى فيلم «لعبة الست» حينما عرض عليه «سليمان نجيب» شراء متاجره على أقساط تسدد من أرباح البيع بعد أن هرب إلى جنوب إفريقيا خوفا من دخول الألمان مصر على إثر المعارك الدائرة بينهم وبين الحلفاء فى العلمين.

الموقف نفسه وجد الحاج محمد على الدمنهورى نفسه فيه بعد أن بدأ جمال عبد الناصر فى تمصير الشركات والمصانع الأجنبية.. تعهد الرجل بسداد ثمن المصنع على أقساط حولها إلى مالكه الأصلى فى سويسرا.. وبعد خمس سنوات أصبح الموظف الذى لا يكمل الشهر براتبه مالكا للمصنع.. وفوق رأسه وضع لافتة كتب عليها: «ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب» وفى الوقت نفسه فتح منافذ مباشرة لتوزيع منتجاته للجمهور بأسعار زهيدة وبتراكم الثروة قرر الاستثمار فى أنشطة أخرى.

لم يشأ أن يعمل ابنه معه إلا بعد أن بعد أن يتعلم إدارة الأعمال فى كلية التجارة ولكن مرتضى كان يريد أن يصبح ضابطا فى الجيش لكن ما أن تخرج فى الكلية الحربية حتى وجد نفسه فى جبهة القتال قبل يومين فقط من هزيمة يونيو لكنه ظل فى الخدمة حتى انتهت حرب أكتوبر.

حسب ما صرح به للصحف فى وقت ما فإنه بدأ العمل مع والده من الصفر حتى أصبح نائبا لرئيس مجلس الإدرة.. فى ذلك الوقت بدأ السادات سياسة الانفتاح الاقتصادى ليعطى القطاع الخاص فرصة جديدة لاسترداد سيطرة القديمة على الاقتصاد الوطنى دون خوف من تأميم أو قلق من مصادرة.

حصد مرتضى ووالده على عدد كبير من التوكيلات التجارية والصناعية.. من السيارات إلى السجائر.. ومن العطور إلى الخمور.. ومن أحبار الطباعة إلى مستلزمات الصناعة.. أصبحت شركة اليهودى الهارب إمبراطورية كبرى.

ولمع نجم الجالس على عرشها بتكريم من مبارك الذى وجد فيه رجلا مساندا للقوات المسلحة وداعما لجنودها.

فى ذلك الوقت بدأت مصر فى سداد ما عليها من قروض إلى الاتحاد السوفيتى بتصدير سلع مصرية ينتجها القطاع الخاص إليه بنظام الصفقات المتكافئة الأقرب للمقايضة تشتريها موسكو مقابل ما لها من ديون على أن تسدد ثمنها الحكومة المصرية.

هنا يمكن القول إن الفساد ولد فى تلك الصفقات.

جاء إلى القاهرة مسئول حكومى سوفيتى ليشرف بنفسه على ما يصدره القطاع الخاص ولغياب المواصفات القياسية للسلع المنتجة قرر «البعض» رشوته بكل الوسائل ليقبل بما ينتج.. اختار رجل سياحة معروف بتسامحه مع المحرمات ليتولى أمره.. وضعه فى جناح رئاسى أعلى شيراتون القاهرة بميزانية مفتوحة.. استجاب لرغباته بإحضار الراقصات كلما شاء.. وفى كل مرة يعود فيها إلى موسكو كان المال يملأ جيوبه والحلى الذهبية تملأ حقيبته.

فى المقابل لم يعترض الرجل على السلع الرديئة التى صدرها منتجوها إلى بلاده.. ثياب تفقد ألوانها فى الغسيل.. عطور عليها علامات باريسية مزورة.. سجائر يختلط فيها التبغ بنشارة الخشب.. كبريت تطير نيرانه إلى العين عند إشعاله.. مثلا.

فى موسكو تكونت شركة مشتركة مع القاهرة للتبادل التجارى فتحت الباب إلى مزيد من الصادرات التى لا يقبل بها سوى الاتحاد السوفيتى بسبب فساد المسئولين عن الشراء ما يريد من الخارج.

تضاعفت أرباح رجال الأعمال الجدد فى مصر سواء الفاسد منهم أو الأمين وبما حققوه من قيمة مضافة توسعوا فى مصانعم بعد أن أضافوا إليه قروضا من البنوك فما دام السوق السوفيتية مفتوحة فإن الماكينات ستدور والأرباح ستسدد القروض والثروة ستقربهم من السلطة وربما تقاسموا معها النفوذ.

ولكن الرياح لم تأت بما تشتهى سفنهم.

جاء إلى السلطة السوفيتية رئيس انقلابى هو ميخائيل سيرجيفيتش جورباتشوف متسائلا:

ــ كيف نجيد صنع الصواريخ العابرة للقارات ولا نجيد صنع أوانى الطهى؟ كيف نجد مسكنا لرواد الفضاء فوق سطح القمر ولا نجد مسكنا على الأرض لنسبة متزايدة من الشعب؟ كيف نفجر قنابل نووية ولا نجد خميرة لحزبنا اليومى؟.

ولم ينتظر إجابة من أحد وإنما بدأ فى إصلاحاته السياسية والاقتصادية والمحاسبة على الفساد وإنهاء الحرب الباردة مع الولايات المتحدة.

وفى الوقت الذى حصل فيه على جائزة نوبل للسلام استقال من منصبه تاركا خليفته بوريس يلتسين يوقع على اتفاقية حل اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية وفى الوقت نفسه خرجت الكتلة الشيوعية فى أوروبا الشرقية عن طوع السلطة فى موسكو.

وفيما بعد عرفت جورباتشوف فى بيروت واقتربت منه ثلاثة أيام زرت فيها معه رموز الحكم والمعارضة هناك واكتشفت أنه شخصية خفيفة تقبل الدعوات بمقابل وتوزع اهتمامها بين النساء والخمر وهذه قصة أخرى.

بتفكك الاتجاد السوفيتى تغيرت معادلة التجارة الخارجية مع مصر وفقد غالبية رجال الأعمال سوقا لمنتجاتهم الرديئة وفقدوا أرباحا سهلة وفى الوقت نفسه أقنعوا البنوك بمنحهم المزيد من القروض لدفع إنتاجهم إلى أعلى ولكن لم تكن نيتهم خالصة لوجه الصناعة.

ولكن لا يوجد رجل أعمال فاسد إلا وخلفه مسئول فاسد فى بنك ومسئول فاسد فى جهاز رقابى ومسئول فاسد أكبر منهما.

لم يشذ مرتضى الدمنهورى عن القاعدة.

ما أن انهار الاتحاد السوفيتى حتى بدأت مصانعه تعمل بنصف طاقتها وبتكدس منتجاتها فى المخازن انهارت طاقتها إلى الربع وأصاب الصدأ الماكينات التى أجبرت على الصمت وفى الوقت نفسه استمر نزيف المال إنفاقا على النجمات وشراء الشهادات بحثا عن مكانة اجتماعية مميزة.

دفع ربع مليون دولار تبرعا إلى جامعة مجهولة فى كندا ليحصل منها على شهادة دكتوراه شرفية ادعى أنها نتيجة جهد دراسى مكثف فى إدارة الأعمال رغم أنه لا يعرف من اللجنة الإنجليزية أكثر من سنك يو وجود باى.

واشترى عقدا من الماس صاغته خبيرة كارتييه بمائة ألف دولار هدية لزوجة رجل أعمال آخر ليقضى معها أسبوعا فى مونت كارلو وربما لن نصدق أن زوجها أخذ العقد منها مقابل أن يسامحها وأهداه إلى ماجى المهدى لتقبل خيانة الدمنهورى الذى فوجئ بها تضع العقد الذى يعرفه جيدا حول رقبتها وخيرها بين الطلاق واستراد العقد فاختارت الطلاق.

يصف البسطاء تلك الواقعة الحقيقية بكلمة «بزرميت».

فى ذلك الوقت سمعت من السفير البريطانى فى القاهرة السير ديرك بلوملى: «إن المجتمع الراقى فى مصر تختلط فيه العلاقات الجنسية إلى حد يصعب تصوره».

وبلوملى متزوج من نادية جوهر ابنة الكاتب يوسف جوهر الذى كنت أجاوره فى الأهرام كل سبت ورغم أنه أنهى مهمته فى مصر إلا أننا ظللنا على اتصال حتى أنه طلب منى مساعدة ابنه فى دراساته عن الصحافة المصرية.

تضاعفت نفقات الدمنهورى رغم عدم وجود سوق بديل للسوق الروسية.. السوق العربية تفضل شراء المنتجات الأصلية من مصادرها.. والسوق المحلية خصصت نسبة أكبر من دخلها على الطعام بعد تزايد أسعاره.. كما أنها وجهت نسبة أخرى من دخلها على التليفون المحمول.. كما أن سلع بديلة خرجت من مصانع تحت السلم تزور الماركات وتتهرب من الضرائب وتبيع بأسعار أرخص من أسعار منتجاته.. طردت العملة الرديئة العملة الجيدة ولم يكن هذا القانون الاقتصادى فى صالحه.

وذات ليلة كنت أتناول فيها طعام العشاء فى مطعم يطل على النيل عندما وجدته فى مائدة مجاورة ورغم أننى قصرت تحيته بابتسامة باهتة فإنه سمح لنفسه أن يأتى ليجلس معى على مائدتى معتذرا على التطفل قائلا:

ــ تمنيت كثيرا التحدث إليك وأعرف أنك لا تجدنى موهوبا فى شىء مجرد رجل ورث ثروة لم يتعب فيها وراح يبددها على النساء.

ــ أليس ذلك صحيحا؟ ألا تشبه مصطفى البليدى وحسام أبو الفتوح؟ ألم تبدد مثلهما ما ورثت عن أبيك.

ــ ربما ولكنى أضفت لما ورثت الكثير على أن السوق فقدت خصائصها بتهريب المنتجات الصينية الرخيصة بمليارات الجنيهات دون جمارك أو ضرائب ولن تصدقنى لو قلت إن كبار المهربين أصبحوا أعضاء فى مجلس الشعب ليحصلوا على الحصانة ودفعوا مقابلها ملايين.

ــ لدينا نواب مخدرات ونواب تأشيرات حج ونواب قروض وتضيف الآن إليهم نواب التهريب.

ــ ولو اعترضت ستجد نفسا فى السجن متهما فى قضايا ملفقة ألم يحدث ذلك مع حسام أبوالفتوح؟ سجنوه بدعوى إحراز سلاح دون ترخيص وخمر دون جمارك وفضحوه بنشر سيديهات عارية واتهموا من معه بالزنى.

ــ كان باعة الصحف ينادون على تلك السيديهات بعد صلاة الجمعة.

ــ مثل هذه الأمور سببت لى إحساسا دفينا بالخوف.. الخوف من المجهول.. أنا نفسى معقد.. لدى سبعة تليفونات فى مكتبى.. عقدة قديمة من أيام ما كانت الحرارة لا تزورنا إلا فى السنة مرة.

وأغلب الظن أنه لا يعانى من عقدة اختفاء حرارة التليفون فقط وإنما فى العلاقات الإنسانية أيضا فهو الأكثر شهرة بين رجال الأعمال فى الزواج والطلاق حتى قيل إنه وظف مأذونا فى شركاته إلى جانب طلب من طاقم محامين التفرغ لقضايا الأحوال الشخصية.

وربما أصابته الثروة بالملل.

زوجته الأولى تمت إليه بصلة قرابة والمؤكد أنها تحملته كثيرا وصبرت طويلا حتى تخرج أولادها وبناتها من الجامعات.

زوجته الثانية النجمة الشابة هادية رؤوف اعتزلت الفن وتحجبت وتفرغت لإرضائه مقابل فيللا وسيارة وعقد آخر من الماس أعادته إليه بعد أن أوهمها بتعرضه لضائقة مالية ولكنها وجدته بعد أيام على صدر ماجى المهدى قبل أن تقبل بالزواج منه.

كان زواجه من هادية رؤوف دليلا على اضطراب شخصيته.. لم يستمر الزواج أكثر من عام طلقها فيه ثلاث مرات.. لكنها ما أن تزوجت من غيره حتى «حليت» فى عينيه من جديد.. ظل وراءها حتى طلقت ليتزوجها من جديد.. عدة شهور فقط.

طلقها ليتزوج من صديقتها نرمين سماحة.. لبنانية جاءت إلى القاهرة بحثا عن فرصة لشقيقها فى سلك الطرب.. لم يكن لها محل إقامة ثابت.. بيتها حضن رجل ينفق عليها حتى يملها مثل الدمنهورى الذى لم تبق فى عصمته أكثر من أسبوع واحد.. تزوجت بعده أحد نواب القروض الذى انتهى به المطاف فى سجن طرة.

أما ماجى المهدى فكانت الأطول بقاء بين زيجات المتعة التى عقدها.. ثلاث سنوات وكان يمكن أن يبقيها على ذمته رغم اكتشافه خيانتها إلا أنه وجد «عرافة» حذرته من «النحس» الذى تسببه لكل من تدخل فراشه وما أن حصر «المصائب» التى تعرض لها منذ أن تزوجها حتى طلقها.

والحقيقة أن الطلاق كان يليق بنجمة فى شهرتها.. دعا كل النجوم والمشاهير إلى حفل أسطورى على شرفها فى قصرهما فى العجمى وفى الصباح وجدت ورقة الطلاق على مائدة الإفطار ووجدت ثلاث حقائب على الباب فيها ملابسها.

لم يكن من السهل فهم ذلك السلوك الذى لا يحمل أبسط قدرة على المواجهة ولكن تلك على ما يبدو عادته فى البيزنس والزواج.

وجاء الدور على الزوجة الخامسة والأخيرة.. هادية شرباش.. تمت له بصلة قرابة.. مطلقة.. تؤمن بأن الرجل وليا من أولياء الله يجب طاعته وخدمته مهما تجاوز.. سيدة بيت بعيدة عن الأضواء التى أعمت عينيه عن رؤية حقيقة النساء اللاتى سعين إليه من أجل ثروته.. لحقت به إلى لوس أنجلوس لتعيش معه سنواته الأخيرة فى الغربة.

لكنه على ما يبدو كان مثل سفينة الأشباح «الهولندى الطائر» الخرافية التى عليها أن لا ترسو فى ميناء وأن تظل عاجزة عن الاستقرار على أرض ولو جرداء.

كان الدمنهورى مثل غالبية رجال الأعمال فى مصر يتقرب من الوزراء أصحاب النفوذ المقربين من الرئيس متصورا أنه يمكن أن يجد صديقا بينهم ولو بالإيجار.

والحقيقة أن أحدهم أوحى إليه بالهروب فى الوقت المناسب فاعتبره صديقا وفيا يمكن أن يقبل بنصائحه.

لكن ما أن تلقى مبارك تقريرا عن ما فعل الوزير حتى استدعاه معاتبا منذرا إلا أنه أنكر ما نسب إليه وفسره بحقد الوزراء الآخرين عليه وكراهية رئيس الحكومة له.

لم يصدقه مبارك وأمره بالانصراف لكنه قال:

ــ يا سيادة الرئيس إننى استطيع إعادته إلى مصر إثباتا لحسن نيتى.

ــ كيف؟.

ــ سأعده بعدم القبض عليه وتسوية ديونه وجدولتها ومنحه فرصة لسدادها بعد بيع ممتلكاته فى الخارج وعندما يهبط من الطائرة نضع الحديد فى يديه.

ــ شوف أنا لا أقبل الخديعة ولكن فى الوقت نفسه لا أقبل سرقة أموال البنوك تصرف على مسئوليتك.

بالفعل انتظر الوزير اتصالا من الدمنهورى يهنئه بحلول شهر رمضان ليقول له بطريقة لا تثير الشك:

ــ لم لا تعود؟.

ــ سأجد فى انتظارى شرطة تنفيذ الأحكام.

ــ لو طلب محاميك التسوية لن يتعرض إليك أحد.

ــ على ضمانتك؟.

ــ أكيد.

ولكن ما أن نفذ الدمنهورى ما طلب منه وعاد هو وأولاده وبناته وزوجته الأخيرة حتى وضعوا كلبشا فى يديه فور وضع جواز سفره أمام الضابط المختص ومن مطار القاهرة جرى ترحيله إلى مزرعة طرة حيث يقضى المميزين من المساجين فترة العقوبة أو الحبس الاحتياطى.

وسخر رجال الأعمال منه.. من زميلهم الذى صدق كلام الحكومة.. ووصفوا الوزير الذى ورطه فيما جرى له بأنه «قتل القتيل ومشى فى جنازته».

على أن معالى الوزير لم ينج بفعلته وخرج من الحكومة فى أول تعديل وزارى.

بقى الدمنهورى فى السجن عدة شهور حتى قبلت البنوك التسوية التى عرضها محاموه وفى خلال تلك الفترة باعت هادية شرباش شقتها فى الزمالك واستأجرت شقة بالقرب من السجن وراحت تعد الوجبات المنزلية وتوصلها لمن يحتاجها وأنفقت بما تكسب عليه ليستريح فى محبسه.

لكنه ما أن خرج من السجن حتى رفض السكن معها ونزل فى فندق صغير فى منطقة الأهرام بل أرسل إليها ورقة الطلاق.

تصور أنه تحرر من كل القيود الجنائية والزوجية ولكنه ذات صباح وجد شرطة تنفيذ الأحكام تقبض عليه فى قضية شيكات دون رصيد وقعها ثمنا للشقة التى اشتراها لماجى المهدى ومرة أخرى وجد نفسه فى السجن ومرة أخرى راحت هادية شرباش تبحث عن حل لإنقاذه واسترداد حريته ومن جديد أعادها إلى ذمته.

ذهبت بصحبة ضابط شرطة محبوب تولى مناصب عليا فى الداخلية إلى أصدقاء المهندس الذى حصل على حكم الحبس ليتنازل عن ثلاثة ملايين جنيه قيمة الشيكات التى وقعها الدمنهورى ولم يسددها.

ومن عجائب القدر أنه كان فى لندن يحاكم على جريمة لفقت له من وزير إسكان يمتلك مكتبا هندسيا منافسا لمكتبه فوافق دون تردد على الصلح والتنازل عن الحكم الذى حصل عليه لعل الله ينقذه من السجن المهدد به فى الغربة.

واسترد الدمنهورى حريته من جديد وفى سيارة زوجته سألها:

ــ إلى أين؟.

ــ إلى بيتنا.

ــ لكنك طالق أنا لم أعد أطيق النساء.

وحبست المرأة أنفاسها ولكنها لم تستطع حبس دموعها ونظرت إليه قائلا:

ــ سامحك الله.

ولكنه لم يرد.

واصلت قيادة السيارة وهى تبكى شبه غائبة عن الوعى وفى لحظة كادت تصطدم بسيارة أخرى لكنها فى اللحظة الأخيرة تفادتها وأوقفت سيارتها بقوة لتجده يسقط برأسه على فخذها.

مات.