عادل حمودة يكتب: الإخوان لعبة الأمم الأخيرة

مقالات الرأي

الكاتب الصحفي عادل
الكاتب الصحفي عادل حمودة

حلمى الجزار المرشد الخفى وإبراهيم منير آخر من يعلم 
 

عصابة الستة فى إسطنبول أقالت المرشد المؤقت لكنها نسيت اختيار البديل


أزمات الإخوان بدأت بعد اغتيال البنا وتوحشت بعد قبولها التوريث ووصولها إلى الحكم


شخصيات إقليمية سيطرت على التنظيم المنهار والمجمد من الداخل


ما أن قبض على سيد قطب حتى سارع إبراهيم منير بالهرب إلى لندن.

كان ذلك يوم ٩ سبتمبر ١٩٦٥.

ويوم إعدام سيد قطب (٢٩ أغسطس ١٩٦٦) منحت بريطانيا جنسيتها إلى إبراهيم منير حتى تمنع مصر من المطالبة به لتنفيذ حكم بالسجن عشر سنوات (أشغال شاقة) صادر ضده فى قضية إحياء التنظيم السرى المسلح لجماعة الإخوان واتهامه بالتآمر على حياة عبد الناصر وتفجير المنشآت العامة وقلب نظام الحكم.

لم يكن عمره ــ يوم وصل لندن ــ ليزيد على ٢٨ عاما لكن رغم صغر سنه اعتبرته الاستخبارات البريطانية صيدا ثمينا يجب رعايته وحمايته وتدريبه ليكون أحد عيونها على الجماعة التى ساهمت فى دعمها ماليا ــ بشيك من هيئة قناة السويس ــ قبل أن يعلنها حسن البنا فى مدينة الإسماعيلية يوم ٢٢ مارس ١٩٢٨.

وما أن تولى محمد مرسى الرئاسة حتى أصدر عفوا عاما عنه فى ٢٦ يوليو ٢٠١٣ ليظهر على السطح ضيفا على مجلس العموم البريطانى فى جلسات استماع سجل فيها على نفسه بنفسه: «إنه لا تعارض بين الشريعة الإسلامية وحرية الإلحاد والمثلية الجنسية»!.

صدمت تصريحاته المجاملة لمضيفيه البريطانيين شباب الجماعة وأثارت غضبهم فشنوا عليه حربا شرسة على «سوشيال ميديا» وتلقى تهديدات بتصفيته فرضت على سكوتلانديارد فرض حراسة عليه وعلى أسرته.

الوحيد من قيادات الجماعة الذى سانده ودعمه ومد يده لانتشاله من المستنقع الذى انزلق إليه كان الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة.

لم تكن المساندة حبا فيه أو إنقاذا لقيادة إخوانية تجاوزت الثمانين وإنما كانت لتحالفهما معا ضد محمد كمال الطبيب البشرى عضو مكتب الإرشاد مسئول الكيانات العسكرية الذى خطف اهتمام أعضاء الجماعة بالعمليات الإرهابية التى سعى إلى تنفيذها ضد ضباط الجيش والشرطة بعد ثورة يونيو ٢٠١٣ حتى لقى مصرعه فى تبادل نيران مع الأمن يوم ٤ أكتوبر ٢٠١٦.

كان محمود حسين قد هرب من مصر إلى الدوحة ومنها إلى إسطنبول معلنا: إنه «سيقود الثورة من الخارج» وبتلك الحجة الوهمية سيطر على مصادر التمويل (المعلن والخفى) وتحكم فى مصائر أعضاء الجماعة الذين لحقوا به إلى تركيا (الوفرة لمن يقبل يده والمجاعة لمن لا يرضى عنه).

فى ٢٧ أغسطس ٢٠٢٠ ألقى القبض على محمود عزت القائم بأعمال المرشد (لوجود محمد بديع فى السجن المؤبد) واختير إبراهيم منير ليكون مرشدا عاما مؤقتا.

هنا تحول الحلفاء إلى أعداء.

تصور محمود حسين أنه أولى بالمنصب ــ لمعرفته بكل كبيرة وصغيرة فى التنظيمين المحلى والدولى من إخوانى مثل إبراهيم منير قضى عمره بعيدا عن الجماعة وخضع لسيطرة قوى أمنية خفية محيطة به وعلى الفور رد أنصار إبراهيم منير التهمة نفسها إلى محمود حسين ليبدو الصراع بينهما صراعا بين القوى التى تحركهما فى منافيهما الجغرافية.

والحقيقة أن ذلك الصراع صراع طبيعى والانقسامات الحادة داخل الجماعة انقسامات متوقعة فما أن فقد التنظيم كيانه فى الداخل وقطعت أوصاله وفقد القدرة على الحركة حتى انهار تماسكه المبنى على السمع والطاعة من المستوى الأدنى (الأسرة) إلى المستوى الأعلى (مجلس الشورى) وعندما تقرر إحياء التنظيم فى الخارج تدخلت إرادات أجنبية فى توجيهه وسيطرت شخصيات إقليمية فى السيطرة عليه وراحت السفينة تتأرجح يمينا ويسارا لوجود أكثر من ربان على عجلة قيادتها وبات مؤكدا أنها لا بد أن تتحطم.

تجميد الجماعة فى الداخل ألقى العبء على الخارج والخارج غير متجانس وغير متوافق ومتأثر بمن يمول وبمن يحمى وبمن يساند وبمن يطالب بسداد الفواتير فلا خبز يقدم مجانا.

شردت الجماعة فى المنافى وتنازع على قيادتها أعضاء التنظيم الدولى من ماليزيا إلى المغرب ومن الولايات المتحدة إلى السويد وضاعفت حالة التيه التى تعيشها من الصراعات والانقسامات وبدأ كل فريق يبحث عن كيفية السيطرة عليها وعلى مصادر تمويلها.

والحقيقة أن جنون السلطة مرض مزمن يعانى منه الكثير من قيادات الجماعة منذ اغتيل حسن البنا فى ١٢ فبراير ١٩٤٩ وظل مثل سرطان بلا علاج.

حسب ماهر فرغلى الباحث فى شئون التنظيمات الإسلامية فإن قيادات الجماعة كادت تحتكم إلى السلاح عند اختيار خليفة البنا.

وما أن بويع حسن الهضيبى مرشدا عاما حتى اختار سيد قطب ليعيد تشكيل التنظيم على أسس عقائدية ولكن سيد قطب دفع به إلى هاوية العنف المسلح.

وأمام إغراء الوزارة خلع الشيخ أحمد حسن الباقورى ثوب الإخوان وارتدى ثوب الثورة وتحمس لنشر صوره مع بناته وهن يعزفن الموسيقى دون حجاب.

وفى الانتخابات التشريعية (٢٠٠٥) جلست قيادات إخوانية مع قيادات من أمن الدولة لتحديد عدد المقاعد المتاحة لهم وبسهولة جرى السيطرة على بعضهم بما لا يستحق من منح بدت أقرب للرشوة وفقد هؤلاء النواب الهالات التى تصور شباب الجماعة أنهم يتمتعون بها.

وما أن شاع الحديث عن التوريث حتى عرض مكتب الإرشاد مبايعة جمال مبارك مقابل السماح بحزب للجماعة.

ويوم وصل الإخوان إلى الحكم انفجرت تطلعاتهم الشخصية وبدأ الصراع بينهم على المكاسب والمناصب وفى كل قرية أصبح عضو الجماعة مركز قضاة المصالح بمقابل يحدده ما يطلب.

وأصيبت الجماعة بالمرض السياسى الشائع الذى يفسد التنظيمات على اختلاف توجهاتها بعد أن تتحول الأيديولوجيات إلى حكومات.

وضاعف من سرطان الفساد مبادئ السرية والتقية والطاعة العمياء والادعاء الوهمى بأن القيادة الإخوانية قيادة ربانية بينما كانت فى كثير من التصرفات غير القانونية قيادة شيطانية.

وجاءت الضربات الموجعة التى أجهزت على الجماعة فى الداخل بعد إسقاط حكمها ولم تنس القيادات التى فرت إلى الخارج أن تحمل معها عيوبها بل أكثر من ذلك أضافت إليها عيوب المنافى التى سكنتها وحسابات الدول التى لجأت إليها.

بالقبض على محمود عزت انفجر أسوأ صدام بين الكبار فى الخارج.

كشف إبراهيم منير عن قرار صدر عام ٢٠١٢ يلغى منصب أمين عام الجماعة ما يعنى أن محمود حسين ليست له صفة رسمية ومن ثم فإن عليه ترك رئاسة المكتب الإدارى للجماعة فى تركيا.

ومن جانبه أعلن محمود حسين أن إبراهيم منير لا يحق له تولى منصب المرشد لأنه لم يكن فى يوم من الأيام عضوا فى مجلس الشورى.

وتطوعت اللجان الإلكترونية المدفوعة من جيب كل منهما بنشر المزيد من الفضائح منها أن محمود حسين اشترى سيارة بى إم دبليو بمائة ألف يورو وأهداها إلى ابنه فى الوقت الذى لايجد أعضاء فى الجماعة ثمن الخبز أو إيجار السكن هناك.

تخلص إبراهيم منير من محمود حسين بالإقالة لكنه سرعان ما أعاده وفى النهاية تقرر إجراء انتخابات جديدة نسى المرشد المؤقت إجراءها فى موعدها ربما بسبب الشيخوخة أو بسبب الزهايمر الذى يعانى منه أحيانا.

لم تكن نتيجة الانتخابات فى صالح محمود حسين ومجموعة الخمسة المؤيدة له وعلى رأسها مدحت الحداد المشرف على قناة «وطن» فى تركيا.

قرر الستة إقالة إبراهيم منير ونشروا قرارهم على موقع مغلق على الانستجرام ووصل القرار إلى جمال حشمت فنشره على صفحته كاشفا المؤامرة على المرشد.

والحقيقة أن القرار يفتقد أصول القواعد الإدارية فهو يقيل المرشد ولكن لا يختار بديلا ما أفقده قوته وصلاحيته وأثبت جهل محمود حسين بأصول اللعبة.

وتدخل حلمى الجزار لحسم الموقف لصالح إبراهيم منير.

وهناك مؤشرات لا يستهان بها تدل على أن حلمى الجزار هو المرشد الخفى للجماعة (بقرار من محمد بديع) وأن إبراهيم منير مجرد واجهة تفرضها خبرته وعلاقاته الدولية فى وقت توارى فيه أعضاء التنظيم الدولى للإخوان وراء سواتر جمعيات إسلامية وثقافية وحقوقية منتشرة فى كل دول أوروبا وأمريكا الشمالية بلا استثناء.

والمؤكد أن ذلك التستر يثبت وجود أزمة فى التنظيم الدولى الذى عليه دعم الجماعة فى مصر قبل أن تفقد أنفاسها الأخيرة ما يعنى أن المنقذ فى حاجة إلى منقذ والمساند فى حاجة إلى من يسانده والداعم فى حاجة إلى من يدعمه.

جماعة مشلولة فى الداخل.. طلبت النجدة من جماعة الخارج.. لكن جماعة الخارج منقسمة ومتصارعة وغير شرعية.. تسيطر عليها قوى خفية فى دول مختلفة.. تفرض عليها ما تشاء.. تمولها أو تهملها.. تقربها أو تبعدها.. تحضنها أو تطردها.. إنها لعبة الأمم الأخيرة التى على وشك النهاية.. «جيم إذ أوفر».