الريش والبقشيش من الكيت كات للجونة

العدد الأسبوعي

فيلم ريش
فيلم ريش

شريف منير من ٣٠ سنة دافع عن حق الإبداع فى تناول الفقر


دولة مبارك حرمت استخدام كلمة الفقراء واستبدلتها بمحدودى الدخل


صناع فليم زينب من ٩٥ سنة غسلوا الحقول لتصوير الريف


الخناقة حول فيلم ريش الذى عرض فى مهرجان الجونة قديمة جدا رغم أنها وقعت الأسبوع قبل الماضى، ولكن الجدل أو الخلاف عن الفقراء ما بين الواقع للإبداع قديم ولا يخلو من طرائف وكوارث أحيانا.


أذكر منذ سنوات قبل ثورة ٢٥ يناير كان مجلس الشعب يناقش اتفاقية تعاون دولى لدعم الفقراء، وكان الدكتور يوسف بطرس غالى يناقش الاتفاقية من الحكومة، كانت اتفاقية نمطية، وفجأة رفع الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان مبارك ورجله القوى طالبا الكلمة، وكان زكريا متحمسا فاندهشت وقلت لنفسى (هيقول إيه) فإذا بالدكتور زكريا يلقن الحكومة درسا بتعبير النواب. إيه الدرس وإيه الأزمة.. الدكتور زكريا رافض لاستخدام كلمة فقراء، ويعنى إيه الحكومة تستخدم كلمة فقراء، مفيش لياقة.. مفيش ذوق.. اسمها محدودى الدخل، والنواب تصفق، ولا أنسى منظر وجه الدكتور يوسف وهو ينظر لزكريا وعلى وجهه نظرة (إحنا دفنينه سوى)، وبالطبع لم يعجبنى الموقف وكتبت حينها أن إنكار الفقر أو الفقراء فى مصر هو قمة الفقر السياسى والاجتماعى.

ولكن ظهر أن هذا اتجاه الدولة التعتيم على الفقر والفقراء بما فى ذلك تحريم استخدام كلمة فقراء، بدلا من ذلك يشار لهم بمحدودى الدخل.

ومن هنا يمكن تفهم العداء لأفلام أو دراما تصور الحارة أو شوارع الفقراء وحياتهم واعتبار ذلك خيانة وتشويهًا لسمعة مصر، وهذه التهمة الأمنية صارت لصيقة بأهم المبدعين والأعمال.. الفيلم الأيقونى الكيت كات لداود عبد السيد يسىء للحارة والست المصرية ومعظم أفلام عاطف الطيب وخان والميهى تشويه لمصر وصولا لفليم ريش مرورا بأعمال يوسف شاهين وتلميذه خالد يوسف، وفى الدراما نجيب محفوظ وأسامة أنور عكاشة.

أتذكر الآن بوضوح الغضب شبه الرسمى ومنافقى السلطان على فيلم سواق الأتوبيس، وكأنهم أدركوا أن كلمة أو بالأحرى شتيمة (يا اولاد الكلب) التى انتهى بها الفيلم موجهة لهم.. إلى كل ناهبى حقوق المصريين. ولسنوات لم أفهم لماذا يكره بعض البهوات أن يظهر الفقراء والمهمشون فى الأفلام أو الدراما، وكأن وجودهم يزعجهم ويذكرهم بذكريات وماضٍ يطارد حياتهم وثرواتهم، وقد قرأت تفسيرا أو تحليلا للعبقرى الدكتور جلال أمين فى رائعته ماذا حدث للمصريين؟، وكان يقارن ما بين موقف الباشا من المدرس الفقير نجيب الريحانى فى غزل البنات، وموقف رجل الأعمال الكبير (الباشا الجديد) كرم مطاوع تجاه المحولجى الفقير عادل إمام فى فيلم المنسى، وتوصل الرجل جلال أمين إلى أن كراهية وتوتر كرم من المنسى سببه أنه كان ينتمى قبل سنوات إلى عالم المنسى، بينما الباشا فى غزل البنات مطمئن للفروق الفاصلة الحديدية بينه وبين نجيب الريحانى وطبقته، وقد أعجبنى تحليل الدكتور جلال أمين جدا، وأتبعته فى حياة بعض من أمثال كرم مطاوع فى الحياة فوجدت العجب.إنهم يكرهون الفقراء ويخشون من الفقراء فى دوائرهم الحياتية، ولكن مع ذلك يدفعون بقشيشًا كبيرًا ويعلنون عنه، وكأنهم يؤكدون الفاصل بينهم وبين هذه الفئة.

فئة كرم مطاوع ترى ضروريًا تجميل الواقع وإجراء مونتاج يحذف المشاهد أو بالأحرى الواقع الفقير.

ولكن أن نضطر فى عام ٢٠٢١ نذكر البعض بأن الاتجاه الواقعى فى الفن ألغى حكاية الواقع المفلتر فهذه مصيبة فى حد ذاتها.

أن يكون بعض من يمارسون الفن والإعلام يرون ضرورة فلترة ومونتاج لحياتنا على غرار فيلم زينب فهذه مصيبة، وحكاية فيلم زينب فى ١٩٣٠ لها العجب زينب له نسختان واحدة صامتة لبهيجة حافظ، حيث قام صناع العمل تقريبا بغسيل الحقول فضلا عن كل شىء فى ريف الفليم. ثم أعيد بعد ٢٥ عاما ينطق بطولة يحيى شاهين وراقية إبراهيم، والقصة فى النسختين بالطبع للدكتور محمد حسنين هيكل، وقد كان إطلاق فيلم عن فلاحة خطوة كبيرة فى ذلك الوقت، حتى وأن كانوا لم يصوروا الريف أو الفلاح الحقيقى فى الواقع بل فلاحين السينما أو محلاها عيشة الفلاح، وزينب مريضة بالسل وأهل زوجها يرفضون علاجها، وقبل أن تموت تهرب من مصيرها الأسود إلى المستشفى وهى تقول (اللى مالوش أهل الحكومة أهله)

بالطبع ريف فيلمى زينب يختلف عن الزوجة الثانية أو عزيزة فلاحة الحرام وزملائها، ونفس الخلاف والاختلاف ستجده فى الحارة قبل صلاح أبوسيف وبعده، وفى أعمال مخرجى الثمانينيات والواقعية الجديدة.

ولذلك ففكرة الجدل أو الخلاف حول فيلم ريش ليست جديدة، ولكن استمرارها بصراحة فضيحة وإهانة لمصر وتاريخها فى الإبداع ومكانتها الرائدة فى الفنون فى الوطن العربى وإفريقيا.

وبالنسبة للفنان شريف منير المنسحب والمعترض على فليم ريش لأن دى مش مصر اللى يعرفها. أحب أفكره وأبهركم برأيه من ٣٠ سنة أيام الفن والكحرتة. شريف منير هو البطل الشاب أو ابن الشيخ حسنى فى رائعة الكيت كات.، فاكر يا شريف رأيك أو بالأحرى معارضتك لحكاية أن الفليم يسىء لسمعة مصر والحارة والست، فاكر دفاعك عن الإبداع وعن حق الفقراء فى أن يجدوا من يعبر عنهم على الشاشة، فاكر كلامك عن حرية الإبداع.

فاكر يا شرشر هذه الأيام وارتماءك فى أحضان كبار المبدعين مثل داود عبد السيد وعمك صلاح جاهين

فاكر ياشرشر، وإن كنت ناسى أفكرك.