يحق لمصر المطالبة بمياه أكثر

عميد معهد بحوث "دول حوض النيل" سابقا يفجر مفاجآت حول أزمة سد النهضة

محافظات

الدكتور عدلي سعداوي
الدكتور عدلي سعداوي

ـ الأفارقة ينظرون لمصر على أنها المعين والمساندة للقارة السمراء

ـ السيسى يتبنى عدة مبادرات في القارة الإفريقية 

ـ  الأجندة الإفريقية تحقق الهوية..  والقارة السمراء بها موارد كثيرة ويمكن أن تصبح سلة للأمن الغذائى العالمي كله

ـ النيل شريان الحياة الحقيقى لمصر ونشأت على أساسه الثقافة المصرية 

ـ سد النهضة يمثل خطورة كبيرة على السودان 

للدولة المصرية دور ريادي كبير في القارة الإفريقية، حيث دشنت منظمة الوحدة الإفريقية خلال فترة الخمسينات والستينات، وتسعى منذ سنوات لتعزيز دورها أكثر، كما تحرص على العلاقات التاريخية والمصالح الحيوية التي تربط ها بأشقائها في إفريقيا، لزيادة تعميق العلاقات مع المؤسسات الإفريقية على كافة المستويات.

وأجرت بوابة الفجر الإلكترونية حوارًا مع الدكتور عدلي سعداوي، العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل بجامعة الفيوم، وعضو المجلس العربي للمياه، للتعرف على مدى أبعاد مشكلة سد النهضة وتأثيرها على الدولتين المصرية والسودانية، وإليكم نص الحوار:

 ـ العلاقات المصرية الإفريقية مرت بعدة مراحل.. ما هو الدور التاريخي للقاهرة في دول القارة السمراء؟

- مصر جزء من القارة الإفريقية ويُنظر إليها على أنّها رائدة وقائدة في القارة، ومنذ تولي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؛ مقاليد الحكم في مصر وتبنى رسالةً إنسانيةً للخلاص من الاستعمار، وكانت رسالة محترمة، قاد من خلالها العديد من الدول إلى الخلاص من الاستعمار ووصل بهم إلى مرحلة التحرر الوطني.

وفي عام 1955 جمعت مصر ممثلي الدول الإفريقية في مؤتمر في دولة إندونيسيا لتدشين منظمة دول عدم الانحياز، بمشاركة وفود حركات التحرير، مثل الوفد الجزائري والسوداني، وأُعلن عن تأسيس منظمة التعاون الأفروآسيوي، وانتهى دور دول "عدم الانحياز" بتفكك الاتحاد السوفيتي في أكتوبر 1991.

في فترة لاحقة بعدت مصر عن القارة الإفريقية، لكنّ الدور المصري عاد قويًا مرة أخرى وبزخم كبير في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتحديدًا بعد ثورة 30 يونيو، وفي خلال الأربع سنوات الماضية كان هناك تفعيل للدور الإقليمي بالقارة، وهذا انعكس في أحدث تحرك مصري بالقارة السمراء وهو مساهمة شركة المقاولون العرب في إنشاء سد تنزانيا الذي يخدم التنمية هناك.

ـ ما هو انطباع دول القارة الإفريقية عن الدولة المصرية؟

- الأفارقة ينظرون إلى مصر على أنها دولة يطلون من خلالها على العالم العربي ودول أوربا، وأنها تقدم العون والمساندة لهم وهي دولة رائدة ومتقدمة وهذا يمثل عبئًا على الدولة المصرية، وضغطًا على مواردها، لكن القاهرة دائما تقدم العون من خلال برامج مختلفة، وتقدم مساعدات لوجستية، وتساعد في بناء قدرات الكوادر الإفريقية.  

ما هي مبادرات الرئيس السيسي في التنمية؟

والرئيس السيسي يتبنى عدة مبادرات منها: "رواد التنمية في إفريقيا"، "مكافحة ومواجهة الهجرة غير الشرعية"، "السعي لتدريب الشباب الإفريقي لبناء المستقبل وبناء قدراتهم" و"تقديم المنح الدراسية"، بالإضافة إلى العلاقات مع جميع دول القارة على رأسها جنوب السودان ونيجيريا.

ـ ما أهمية تنمية العلاقات المصرية - الإفريقية؟

إفريقيا بالنسبة لمصر سند سياسي في الهيئات والمنظمات الدولية، وفي التصويت نجد 54 دولة إفريقية بحكم الانتماء القاري تصوت لصالح مصر في الهيئات والمنظمات الدولية، والقارة تعتبر سوقًا واعدًا كبيرًا للمنتجات المصرية، وهذا يساهم بشكل كبير في نمو الاقتصاد المصري وخلق فرص عمل للشركات المصرية وللشباب، ولا أحد ينكر أن إفريقيا ذات أهمية كبيرة بالنسبة لمصر على المستوى التجاري والسياسي والاستثماري.

 ماذا تمثل إفريقيا بالنسبة للعالم؟

إفريقيا معروفة على مستوى العالم على أنها مهد الحضارات، ومهد النشأة الأولى للإنسان؛ وهي 54 دولة يمثلون ثقلًا كبيرًا في المنطقة، بالإضافة إلى الموارد الضخمة غير المستغلة؛ وعلى رأسها البترول، والذهب، اليورانيوم، وموارد زراعية غير مستغلة للآن، يمكن أن تُستغل وتصبح سلة للأمن الغذائي عالميًا، وهي قارة شابة، حيث إن عدد الشباب بها أكبر من جميع قارات العالم، وتتوسط العالم كله وهي مسار للتجارة من خلال قناة السويس والبحر الأحمر، والعالم كله يتنافس على الاستثمار والتعاون مع إفريقيا سواء بالتجارة أو الزراعة أو الصناعة.

ـ ما هي فرص الاستثمار المتاحة لمصر في القارة الإفريقية؟

هناك فرص للاستثمار في الطاقة؛ ومصر لديها تجارب في هذا الشأن، وهناك فرص للربط الكهربائي والاستثمار في البنية الأساسية، والقاهرة لديها تجربة جيدة في مجال البنية الأساسية؛ مثل المشروعات القومية الضخمة، وشبكة الطرق العملاقة، ونحن قادرون على نقل هذه التجربة إلى القارة السمراء لأن من أحد أهم مشاكل القارة الإفريقية افتقاد البنية الأساسية، وغياب الربط بينها وبين دول الجوار، وهذا يعوق التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي والتجارة البينية لغياب البنية الأساسية، وغياب الطرق سواء السكة الحديد أو الطرق البرية، وبالتالي لدينا فرصة كبيرة لنستثمر في مجال البنية التحتية، والزراعة سواء في السودان أو تنزانيا أو السنغال أو أوغندا، حيث يوجد لديهم موارد زراعية غير مستغلة، فمصر والشركات المصرية قادرة على الاستثمار في هذه الدول.

الصناعة وصندوق المخاطر

كما تعتبر الصناعات مجالًا جيدًا للتوسع في القارة الإفريقية، ويمكن للشركات المصرية أنّ تساهم في التطور الصناعي وهناك مجالات كبيرة للتعاون المصري الإفريقي، والرئيس السيسي يولي هذا الأمر أهمية كبيرة، وهناك أيضًا صندوق مخاطر الاستثمار في إفريقيا الذي يساند المستثمر المصري والشركات المصرية ويساعدهم على الاستثمار بشكلٍ آمنٍ ومستقرٍ في إفريقيا.

ـ ما هو دور المؤسسات الثقافية في مصر في توثيق علاقة القاهرة بالقارة السمراء؟

الأجندة الإفريقية من ضمن أهدافها وطموحاتها تحقيق الهوية الإفريقية بمعنى أنّ الإفريقي يعتزّ بثقافته وإفريقيته وانتمائه، ومصر تسعى لهذا من خلال العلاقات الثقافية المختلفة؛ والربط مع القارة الإفريقية، وهناك أسبوع للفيلم الإفريقي والسينما الإفريقية وملتقيات إفريقية مختلفة، ومؤتمرات للشباب يعقدها الرئيس السيسي، بهدف تحقيق الاندماج بين الشباب وخلق حالة من حالات التلاحم الثقافي، ومازال هذا الأمر يحتاج دعمًا كبيرًا من الحكومة المصرية والحكومات الإفريقية للوصول إلى بناء هوية إفريقية يعتزّ بها جميع الأفارقة.

المستوى الأكاديمي والعلمي في مصر

وعلى المستوى الأكاديمي والعلمي، فإن الجامعات المصرية مفتوحة لجميع الأفارقة، وفي جامعة الفيوم هناك طلاب وزملاء من إفريقيا وجامعة الأزهر أيضًا تضم الكثير من الطلاب الأفارقة، كما يوجدون في جميع الجامعات المصرية، وهناك علاقات علمية وأكاديمية جيدة، ومصر تقدم منحًا كثيرة لهم.

ـ النيل شريان الحياة؛ ويربط بين 11 دولة إفريقية ؟ ما هي أبرز التحديات التي تواجه دول حول النيل، وأثرها على الأمن المائي؟

النيل شريان الحياة، ويجب أنّ يكون شريانًا للتعاون والترابط والتماسك والتنمية بين دول حوض النيل، ونتمنى على المستوى المصرى أنّ يكون هناك مجلسًا مع دول حوض النيل.

الالتزام بالمواثيق الدولية

ويعتبر النيل مجالًا للربط الكهربائي بين دول حوض النيل، وهناك إمكانية للتنازع على النيل من خلال مشكلة سد النهضة، وبناء منشآت مائية على النهر، ويجب أن تلتزم جميع دول حوض النيل بالمواثيق والقوانين الدولية؛ وهي واضحة في هذا المجال وتشترط أن من يبني سدًا على نهر مشترك يجب أن يُبلغ دول المصب على نفس النهر، لإجراء دراسة كاملة من الناحية البيئية والاجتماعية لكي لا تتعرض للضرر. 

هل السلوك الإثيوبي في أزمة سد النهضة يجافي القانون الدولي؟

 السلوك الإثيوبي يجافي القانون الدولي ومبادئ الإخاء وحسن الجوار والمودة والمحبة والتعاون المشترك والحرص على المصالح المشتركة بين الدول، وأتوقع أن يعود الرشد إلى أديس أبابا للوصول إلى اتفاق يضمن حقوق دول المصب سواء مصر أو السودان فيما يتعلق ببناء سد النهضة، لكن التعاون لم يغب في أي وقت من الأوقات، ومصر شاركت في بناء سدود في دول حوض النيل، وبنت سدًا في أوغندا في الخمسينيات تكلف مليون دولار في ذلك الوقت، وسدودًا في السودان، ومصر تشارك مع جميع دول حوض النيل في تحمل عمليات تنظيف ومتابعة نهر النيل، والحفاظ على جريان وسريان النهر والحفاظ على مصالح دول المنبع وموارد النيل، والموارد الطبيعية في دول المنبع تتجاوز الاحتياجات الحقيقية لجميع دول الحوض، ويجب أن يبتعدوا عن التوظيف السياسي لمثل هذه القضية، التي يجب توظيفها لتحقيق المنافع المشتركة، تحقق الرفاهية لشعوب دول الحوض.

ـ ما هي المخاطر التي تواجه دولة السودان بسبب سد النهضة؟

فيما يتعلق بسد النهضة تحديدًا، فإنه يرتفع عن العاصمة الخرطوم 300 متر، وبناء سد بهذا الحجم، وبهذا القدر من التخزين والذي يصل لـ74 مليار متر مكعب، يمثل خطورة على السودان والسدود السودانية وعلى الشعب السوداني خاصة من يعيشون على مجرى النيل الأزرق والذين يتجاوز عددهم نحو 20 مليون سوداني، يعملون في الزراعة التي تعتمد على روافد النيل الأزرق، وبالتالي؛ فإن أي مشكلة في السد سواء كانت في تشغيلة أو في أمانه فهي تمثل خطرًا كبيرًا عليهم، ويجب مراعاة هذا من الجانب الإثيوبي.

ـ لماذا كل هذا التعنت من إثيوبيا في بناء سد النهضة؟

الإثيوبيون ليست قضيتهم إدارة وتشغيل السد والاستفادة منه في توليد الكهرباء، والرئيس السيسي قال إنّ مصر ليس لديها مشكلة في أنّ يولدوا كهرباء لأغراض التنمية، لكن النيل بالنسبة لمصر يمثل حياة المصريين، ويجب أنّ يحافظوا على احتياجات مصر من مياه نهر النيل لأنها هي سبب وجود المجتمع، ودون نهر النيل ستكون صحراء جرداء، فهو شريان الحياة الحقيقي لهذا البلد، ونشأت على ضفافه الثقافة والحضارة والتنمية المصرية، ومصر تعتمد على نهر النيل لأن الصحارى المصرية معدل البخر بها أعلى من معدل تكوين المياه، وذلك فإن النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة، وحرصها عليه نابع من مسألة بقاء الشعب والدولة، والتعنت الإثيوبي لامبرر له إلا الضغط على مصر لمحاولة خنقها، وهذا لن يحدث، فمصر لها دور إقليمي ودولة محورية ولها احترامها على المستوى العالمي، وبالتالي كل العالم لا يتفهم الموقف الإثيوبي، ومسألة الوصول لاتفاق  قانوني ملزم للدول الثلاثة فيما يتعلق بإدارة وتشغيل سد النهضة لحماية أمن واستقرار مصر والسودان أمر لا جدال فيه، ولن تتنازل عنه الدولة المصرية بأي حال من الأحوال. 

ـ ما تحليلك لدور مجلس الأمن الدولي الأخير في مشكلة سد النهضة؟

مجلس الأمن الدولي عندما عُرضت عليه القضية في المرة الأولى أحالها إلى الاتحاد الإفريقي باعتبارها قضية مرتبطة بالإقليم؛ والقارة الإفريقية وأعطى فرصة للاتحاد الإفريقى ليصل إلى نتيجة مع إثيوبيا لكن الجانب الإثيوبى ظل مُصّرًا على موقفه وعدم الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف ويحقق المنافع المشتركة، ويحقق أهداف كل طرف من أطراف النزاع، ثم عُرضت القضية مرة أخرى على مجلس الأمن من خلال السودان وتونس، واستغرق مجلس الأمن وقتًا طويلًا جدًا، ثم صدر البيان الرئاسي وأشار إلى نفس مطالب الدولة المصرية بالوصول لاتفاق قانوني ملزم، في خلال فترة وجيزة، وننتظر أنّ يعود الجانب الإثيوبي إلى رشده، وتعود حالة الإخاء والتعاون المثمر بين الدول الثلاث للوصول إلى اتفاق يضمن حقوق الجميع، ويحافظ على الأمن والاستقرار في المنطقة ويخلق فرصًا للتعاون المشترك بين الدول الثلاث.

ـ هل مصر مستعدة لكل السيناريوهات في قضية سد النهضة؟

كما قلت، النيل بالنسبة لمصر هو البقاء والحياة لـ 105 ملايين مواطن ولا سبيل أمامنا إلا الحفاظ على حقوقنا التاريخية الممتدة منذ آلاف السنين، وننتظر أن يعود الجميع إلى مائدة حوار يتفقون من خلالها على المصالح المشتركة، وتضمن حقوقنا المائية التي جرى العرف عليها، ومن حق مصر أنّ تطالب بزيادة في مياة النيل والموارد المائية على حوض النيل تسمح بذلك، لكننا نطالب بحقنا التاريخي، رغم أنه مع النمو السكاني أصبحنا في حالة فقر مائي، وفي الخمسينيات كان نصيب الفرد 2000 متر مكعب في العام، أما الآن أصبح 560 مترًا مكعبًا، فنحن تحت خط الفقر المائي أصلًا والدولة تبذل جهدًا غير طبيعي  في رفع كفاءة كل نقطة مياه، ونعيد استخدام مياه الصرف الصحي والصرف الزراعي، ونحلي مياه البحار ونسعى إلى استخدام المتاح من المياه الجوفية ونسعى لاستخدام كل نقطة مياه تسقط على الأراضي المصرية، ونحن حريصون على التعاون والاستقرار، أما إذا وصل الأمر إلى خنق مصر والشعب المصري فلن تقف الدولة مكتوفة الأيدي، وقدرات الدولة المصرية الشاملة تستطيع حماية حقوق شعبها وحقوق الوطن وحقوق كل مواطن مصري.

ـ ماذا يحدث إذا انهار سد النهضة؟

كمية المياه الموجودة خلف السد الآن لا تتجاوز 8 مليارات متر مكعب، وهذا الرقم لا يمثل أي مشكلة حتى إذا انهار السد، ومصر بالتأكيد حسبت حساباتها جيدًا، ولديها ترتيبات في حالة انهيار السد أو حدوث فيضان أكبر من استيعابه وهناك حسابات متعلقة بالسد العالي وحسابات متعلقة بتصريف كميات المياه، لكن المشكلة الأكبر تقع على السودان لأن انهيار السد بالنسبة له يمثل دمارًا كاملًا وشاملًا، كما أنه في حالة انهيار السد فإن وصول المياه لمصر يستغرق نحو 15 يومًا على الأقل، ولدينا القدرة على ترتيب أمورنا في هذه الفترة.