فضائح مهلكة.. اتهامات جديدة بالفساد تطارد جونسون

العدد الأسبوعي

بوريس جونسون
بوريس جونسون

نفت الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون، الاتهامات الجديدة بالفساد بداية هذا الأسبوع، فى ثانى فضيحة تضرب حزب المحافظين خلال الأيام القليلة الماضية، حيث نشر موقع فرانس ٢٤ تحقيقًا عن فضائح جديدة تلاحق حكومة بوريس جونسون والسر وراء تغاضى الشعب البريطانى عن كل هذه السلوكيات غير الأخلاقية.


1- أزمة برلمانية
استيقظ الناخبون فى بريطانيا على اتهامات جديدة بالفساد ضد حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون صباح الأحد الماضى، حيث أظهر تحقيق صحفى أن المانحين لحزب المحافظين قد عُرض عليهم مقاعد فى مجلس اللوردات.

وذكرت صحيفة صنداى تايمز أن ١٥ من إجمالي ١٦ أمين خزانة محافظ على مدى العقدين الماضيين قد تبرعوا بأكثر من ٣ ملايين جنيه إسترلينى للحزب ثم عُرض عليهم مقعد فى الغرفة العليا بالبرلمان، وردا على ذلك، نفت الحكومة ادعاءات الفساد للمرة الثانية فى أقل من أسبوع من فضيحة أخرى أطلق عليها «فضيحة مهلكة» تتعلق بالنائب المحافظ السابق عن شمال شروبشاير، أوين باترسون.

فى الأسبوع الماضى، وجدت اللجنة البرلمانية للمعايير، وهى هيئة رقابية حكومية، أن باترسون قد ضغط مرارا وتكرارا على الحكومة والمسئولين نيابة عن شركتين كان يعمل لديهما كمستشار مقابل رسوم قدرها ١٠٠ ألف جنيه إسترلينى سنويا، فى حين أن الاستشارات مدفوعة الأجر مسموح بها بموجب القواعد الحكومية، ووجد التقرير أن تصرفات باترسون نيابة عن الشركتين فى البرلمان كانت بمثابة «ضغط سياسى مكشوف»، حيث فازت إحدى الشركات، وهى راندوكس، بعقد خاص بـاختبار فيروس كورونا من الحكومة بقيمة ١٣٣ مليون جنيه إسترلينى.

وأوصى التقرير الرسمى بوقف باترسون عن عضوية البرلمان لمدة ٣٠ يوما كعقوبة، ولكن فى خطوة غير عادية للغاية، رفض زملاؤه أعضاء البرلمان فى حزب المحافظين هذا الإجراء، وبدلا من ذلك، نظموا تصويتًا للإطاحة بعملية تنظيم المعايير البرلمانية تماما، وهو الأمر الذى صوت لصالحه غالبية النواب، كما استخدم التصويت حق النقض ضد تعليق عضوية باترسون، وقد علق النائب على هذه التطورات لبى بى سى قائلا إنه «ممتن لرئيس الوزراء».

حسب تقرير فرانس ٢٤، تسبب التصويت فى البرلمان فى احتجاج الأوساط السياسية والإعلامية، حيث نشرت صحيفة الديلى ميل الشهيرة تقريرًا بعنوان يقول إن أعضاء البرلمان «غرقوا فى الفوضى»، واتهم زعيم حزب المعارضة كير ستارمر بشكل علنى المحافظين بالفساد فى مقال نشر فى صحيفة الجارديان، ثم فى منعطف مفاجئ بعد يوم واحد، تم عكس القرار واضطر باترسون إلى الاستقالة.

وقال البروفيسور روب فورد، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة مانشستر، لفرانس ٢٤ إن هذا ربما كان بسبب شكل آخر من الضغط الخارجى الذى ينجح فى تغيير العقليات بين السياسيين. يقول فورد: «نحن نعلم أن الجمهور فى بريطانيا لا يحب حقا الفساد والفاسدين فى عالم السياسة».


2- فوضى سياسية
أضاف تقرير فرانس ٢٤ أن منذ وصوله إلى السلطة فى عام ٢٠١٩، تعرض بوريس جونسون وحكومته لسلسلة من الفضائح التى كان من الممكن أن تحول الناخبين ضده، لكن يبدو أن أيا منها لم يتسبب فى أضرار لا يمكن إصلاحها حتى الآن.

يقول فورد إن هذا يرجع إلى رغبة الجمهور فى منح الحكومة «فائدة الشك»، يمكن إرجاع الاتهامات بسوء إدارة الأزمة الصحية - التى تسببت فى معاناة المملكة المتحدة من أعلى نسبة وفيات بسبب جائحة كوفيد-١٩ فى أوروبا مع ١٤٢ ألف حالة وفاة حتى الآن - إلى الظروف الاستثنائية، يضيف فورد أن إطلاق اللقاح الناجح «أنقذ الحكومة» أمام الرأى العام.

وبحسب فورد، حتى زلات جونسون اللفظية، بما فى ذلك قوله فى أكتوبر ٢٠٢٠، إنه يفضل «ترك الجثث تتراكم بالآلاف» بدلا من إغلاق البلاد مرة أخرى، يمكن أن يبررها الجمهور البريطانية بأنه «كان مرهقًا، وغاضبًا، ومحبطًا»، كما أكد فورد أن الجمهور من الممكن أن يتفهم مثل هذه المشاعر بل ويتعاطف معها.

كما فشلت فضائح أخرى أيضا فى توجيه ضربة قوية لسمعة رئيس الوزراء، يقول فورد إن هذا يرجع جزئيا إلى حدوثها بشكل متكرر، يعنى القفز من أزمة إلى أخرى أنه فى كل مرة تحدث فيها فضيحة يمكن أن تؤثر على الرأى العام.


3- وصمة عار
ومع ذلك، قد تضيف الفضائح المتلاحقة إلى التأثير التراكمى الذى يؤدى بالناخبين إلى فقدان الثقة فى الحزب بمرور الوقت، فى حين أنه من غير المرجح أن يكون لفضائح الفساد الفردية تأثيرًا كبيرًا على الناخبين، يقول فورد إنه يمكن أن يكون هناك «تأثير تراكمى للفضائح التى تسفر عن مشاعر سلبية تتسرب تدريجيا إلى الوعى العام».

هذه هى المنطقة التى قد يبتعد عنها رئيس الوزراء وحكومته الآن، تضمنت التحقيقات الأخيرة فى موارده المالية تقارير عن مساعدة متبرعين محافظين لرئيس الوزراء جونسون على دفع تكاليف تجديد شقته والتى وصلت تكلفتها إلى ٢٠٠ ألف جنيه إسترلينى - بما فى ذلك ورق الحائط الذهبى «٨٤٠ جنيهًا إسترلينيًا لكل لفة» الذى اختارته زوجته كارى جونسون.

فى ٥ نوفمبر، أشار تقرير لجنة المعايير البرلمانية عن تجاوزات سلوكية لرئيس الوزراء بما فى ذلك رفضه الكشف تكلفة عطلة قضاها هو وعائلته فى الصيف فى فيللا إسبانية مملوكة لعائلة زميله المحافظ زاك غولدسميث، ثم فى الأسبوع الماضى بدت حكومته وكأنها تتجاوز عن أخطاء عضو برلمانى تربح من منصبه، ومحاولة تفكيك لجنة المعايير البرلمانية فى هذه العملية.

حسب تقرير «فرانس ٢٤»، قد يكون الجمهور قادرًا على تبرير عدم كفاءة الحكومة البريطانية، ولكن من الصعب التسامح مع الفساد، خاصة عندما يرفض المتهمون الاعتذار، على سبيل المثال، فى حالة باترسون، أكد فى بيان استقالته أنه «بريء تماما» من أى مخالفة، على الرغم من إثبات أنه مخطئ.

قد يكون لجونسون قدرة أكبر من غيره على ارتكاب الأخطاء دون توقع تراجع شعبيته، جونسون، كما يقول فورد، «نوع من السياسيين الذى لا يلتزم بالقواعد، لذا فإن الناخبين يضعون فى اعتبارهم مستوى معينًا من السلوك السيئ، فليس الأمر كما لو أن أى شخص منح صوته لجونسون فى عام ٢٠١٩ سيصاب بالصدمة والفزع لاكتشاف أنه كان مراوغًا بعض الشيء».

لكن من غير المرجح أن يستمر حظ جونسون إلى الأبد، فى أعقاب ما تم الكشف عنه هذا الأسبوع، انخفض معدل التأييد الشخصى لرئيس الوزراء إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، وفقا لاستطلاع للرأى أجرته صحيفة الأوبزرفر، فى تلك الأثناء، تراجع تقدم المحافظين على حزب العمل إلى نقطة مئوية واحدة.

يعد الفساد جزءًا من الحياة السياسية البريطانية، ويبدو أن الشعب البريطانى لم يعد يهتم كثيرا بمثل هذه الفضائح، ولكن إلى أى مدى يمكن أن يتغاضى الشعب عن هذا الفساد هو سؤال يجب أن يبحث «جونسون» عن إجابة له.