طارق الشناوي يكتب: حديث الهوية

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

بدأنا نقرأ تصريحات للنقابة والنقيب من نوعية الحفاظ على الهوية وواجهة مصر الغنائية، وكأن من أطلقوا عليهم “مطربو المهرجانات”، من الممكن أن يهددوا هويتنا، الضاربة فى عمق التاريخ، لا شىء يهدد مكانة مصر، فمن يستطيع أن يمحو من الذاكرة سيد درويش وأم كلثوم وعبد الوهاب وبليغ والموجى وشادية والشيخ زكريا ووردة وعبد الحليم والطويل ورامى وبيرم ومأمون الشناوى وحسين السيد ومرسى جميل عزيز؟.. هذه فقط عينة، الأمر ليس له أدنى علاقة بالهوية.

المأساة الغنائية فى مصر أنه لم يعد هناك توجه لإقامة الحفلات لتقديم نوع آخر من الغناء، والنقابة مستسلمة لا تحرك ساكنا ولا تسعى لمخاطبة المسؤولين، ولهذا ليس أمامهم سوى التلويح بالشطب والإقصاء والإبعاد والإيقاف، هذه هى المفردات التى يتعاملون بها، بينما من تمنعهم النقابة من الغناء فى الداخل هم المطلوبون خارج الحدود، ومن يصفون أنفسهم بأنهم حماة الغناء الرصين غير مطلوبين فى الداخل أو الخارج. عمق الصراع يتلخص فى أن من يعانى البطالة لأنه لم يطور أدواته يحاول إزاحة من يعمل، مع الأسف من المستحيل أن يتم الإفصاح عن سبب الصراع بهذا الوضوح، فلا بأس أن ترتدى النقابة قناع الحفاظ على الهوية.

فى كل زمان ومكان يوجد هذا النوع من الغناء، وبمسميات أخرى، قبل بضع سنوات تنبهت الدولة إليه، ولدينا فى الإذاعة الرسمية- أكرر الرسمية- محطة اسمها (شعبيات)، تقدم هذه الأغانى ولا أحد يعترض، وكلمات الأغانى والأداء تشبه كثيرا ما يردده حمو بيكا وشطة وكسبرة وحنجرة وغيرهم، من الذين يسارع النقيب أمير الغناء العربى بين الحين والآخر لإقصائهم.

يواجه هؤلاء «الموقوفين» حالة من التنمر على (السوشيال ميديا) تسخر من أسمائهم، وهى بالمناسبة أسماء شهرة، وحتى لو كانوا مقيدين بها فى الرقم القومى، فما الذى يعيبهم؟.. المطربان الكبيران فريد وعلى، الأول لقبه الأطرش والثانى الحجار، طبعا لا أقارن، ولكن ما أرمى إليه، أن الاسم ليس سُبة أبدا.. كما أن هناك سخرية من ملامح أو ملابس بعضهم.

اُضطر المطرب حسن أبو الروس أن ينشر صورا لهانى شاكر فى مرحلة السبعينيات وهو يرتدى ملابس بمفهوم الزمن غير لائقة، وبتسريحة شعر أيضا كذلك، هكذا دائما هناك نظرة للجيل الأسبق ضد ما يتعامل به الجيل الحالى، فى الملابس والأغانى، وأيضا بعض المفردات المستخدمة من الممكن أن أراها أنا شخصيا منفرة عندما أستمع إليها بذائقتى، ولكنى أعلم أن هناك من يتقبل ذلك، ولهذا يجب تنحية استخدام سلاح (الذوق العام).

النقابة لا تتدخل فى هذا الشأن، التجاوز يجرمه القانون الجنائى، ولدينا مطربتان فى الأعوام الأخيرة تم إيداعهما السجن، بسبب الخروج عن الآداب، ولم يكن للنقابة أى دور، الأجهزة الأمنية فى الدولة تولت هذا الأمر، وأخذ المذنب عقابه.

تبديد الطاقة فيما لا طائل من ورائه، هذا هو مأزق نقابة الموسيقيين، هم يعانون البطالة، وعدد كبير من أعضاء مجلس النقابة صاروا منذ زمن بعيد خارج نطاق الخدمة، ولهذا تصور البعض لو أن الخطة نجحت، من الممكن أن يفسحوا المجال لهم، وهو رهان خاطئ تماما، الفنان الذى لا يعمل لأنه قد تجاوزه الزمن سيظل واقفا على الخط، حتى لو استيقظ مبكرا ونظر حوله فلم يجد سوى نفسه، سيكتشف أيضا أنه لن يستمع إلى نفسه، وسيبحث عن مطرب (بنت الجيران)!!.

[email protected]

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).