عبدالحفيظ سعد يكتب: "عمامة القذافى".. تخلط أوراق الانتخابات الليبية

مقالات الرأي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

هل تخلى الروس عن حفتر بدعم سيف الإسلام؟

المجتمع الدولى يصمت عن تهديد الإخوان بتفجير الانتخابات

الدبيبة "الحصان الأسود" فى حالة السماح له بالترشح للرئاسة

 

بخطوة للأمام وأخرى للخلف، تتحسس ليبيا طريق الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمقرر إجراؤها فى ٢٤ من سبتمبر المقبل، وهى خطوة لو تحققت بنجاح ستساهم فى تحقيق الاستقرار المفقود فى ليبيا، كما يعنى عدم اكتمالها إعادة الأمور للمربع صفر فى البلد الذى يعانى التفتت وتتكالب عليه الأمم من الشرق والغرب لتقاسم ثرواته، بينما يعيش شعبها حالة من الاقتتال الداخلى وسيطرة الميلشيات والمرتزقة على جزء كبير من أراضيه.


لذلك ينظر للانتخابات التى تدعهما غالبية القوى الدولية والإقليمية علنًا، أنها مرحلة فارقة فى تاريخ البلد الذى يعانى من الانهيار منذ سقوط نظام معمر القذافى قبل عشر سنوات.

لكن على عكس ما نسمع عن مباركة المجتمع الدولى خطوة الانتخابات بعد أن تم إقرارها فى ملتقى الحوار بجنيف فى فبراير الماضى، نجد أن دولًا أخرى تهدف إلى عرقلة الانتخابات، بهدف منع توحيد ليبيا مرة أخرى، وسيادة دولة القانون فيها، وهى خطوات يعنى تحقيقها الإضرار بتواجد هذه الدول ونفوذها فى ليبيا.

ومن هنا تتجلى فى ليبيا لعبة الدول وصراعاتها من أجل السيطرة على ليبيا البلد الغنى بالنفط والخيرات المنثورة على أراضى تصل إلى ١.٨ مليون كم مربع، وشواطئ ممتدة تكاد أن تلامس سواحل أوروبا على البحر المتوسط.

 

أوراق الكوتشينة
ولذلك لا ينظر للانتخابات الليبية أنها قضية داخلية ليبية فقط، بل للأسف يحرك أوراق اللعبة فيها أطراف خارجية، وكأن البلد العربى طاولة للعب «الكوتشينة» يطمح اللاعبون فيها لتحقيق مكاسب، ولن يقبل أى منهم بوجود قيادة على رأس السلطة فى ليبيا تقف ضد طموحه ونفوذه فيها.

ونتيجة لذلك يبدو أن عملية إجراء الانتخابات على الأراضى الليبية صعبة، رغم المباركة والرعاية الدولية للانتخابات والتأكيد على الالتزام بإجرائها فى الموعد المحدد فى نهاية ديسمبر المقبل. ويظهر هنا تحرك دول ويأتى على رأسه تركيا من أجل إفشال العملية الانتخابية، وهو ما ظهر من خلال خالد المشرى، رئيس مجلس الدولة والذى أعلن من إسطنبول صراحة أنه لن يقبل نتيجة الانتخابات إذا فاز بها خليفة حفتر قائد الجيش الليبى، وأنه سيدعو غرب ليبيا لمواجهة ذلك، وهو ما حرض عليه أيضا مفتى تنظيم الإخوان صادق الغريانى بتفجير بحور من الدماء مرة أخرى فى ليبيا إذا فاز بها من لا يرضى عنه.

ومن هنا نجد أن العملية الانتخابية فى ليبيا محفوفة بالمخاطر قبل أن تبدأ، ليس فقط بسبب تلويح الإخوان ومن يقف ورائهم بالدم مرة أخرى، فى ظل صمت دولى على هذه التصريحات، خاصة تجاه الإخوانى خالد المشرى والذى يترأس مجلس الدولة التى تعد جهة قانونية.

ولكن ورغم المعوقات التى تظهر قبل الانتخابات الليبية، إلا أن عملية الانتخابات فتحت الطريق لقراءة المشهد فى ليبيا من خلال أسماء أبرز المرشحين الذين تقدموا للرئاسة والذى يعد أبرزهم المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبى، وكذلك فتحى باشاغا وزير الداخلية فى حكومة السراج السابقة، والمدعوم من مصراتة.

ونجد أن طرح كل من حفتر وباشاغا نفسيها أمر متوقع، فى ظل تقاسم النفوذ على الأرض بين الشرق الذى يسيطر عليه حفتر، والغرب الذى يمتلك فيه باشاغا نفوذا كبيرا، ويعتمد كذلك على الدعم من تركيا.


سر ترشيح القذافي
وبينما يدور الصراع التقليدى بين الشرق والغرب فى ليبيا، ظهرت مفاجأة من الجنوب فى اليوم الثانى من فتح باب الترشح للانتخابات. وتمثلت فى تقديم سيف الإسلام القذافى أوراق ترشحه لمنصب الرئيس، والذى جاء من جنوب ليبيا فى منطقة سبها.

وبالقطع يعيد ترشيح سيف الإسلام القذافى للانتخابات، والذى حرص أثناء تقديمه أوراق الترشح، وهو مرتدى «عمامة» والده القذافى. ويحمل طرح سيف الإسلام نفسه كرئيس قادم لليبيا عدة مفاجآت ليست فقط فى أنه يطرح نفسه، وهو أمر أعلن عنه فى السابق.

وتعد أولى هذه المفاجآت أن قرار ترشيح سيف الإسلام حمل مباركة من روسيا الحليف القديم لوالده والتى تتواجد قوات لها حاليا فى ليبيا، خاصة فى قاعدة الجفرة، بالإضافة لقوات «فاجنر» الروسية التى تستخدم فى الصراع.

ومن هنا نجد أن سيف الإسلام والذى تعرض للاعتقال عقب سقوط والده من القوات الثائرة ضده، وتم الاحتفاظ به وعدم قتله كما حدث مع القذافى الأب، نتيجة حماية وضغوط أمريكية على الميلشيات بضرورة الحفاظ على حياة سيف الإسلام، والذى كان يعد نفسه قبل الثورة أن يرث والده فى حكم ليبيا وفى سبيله لتحقيق ذلك فتح قنوات اتصال مع الأمريكان على عكس توجهات والده، ولكن قيام الثورة وانهيار حكم القذافى حطم طموح الابن فى قيادة ليبيا.


لعبة الروس
ولذلك يفتح تحرك سيف بمباركة روسية، تساؤلات عديدة عن ترتيبات القوى الكبرى لما يحدث فى ليبيا، فرغم أن روسيا كانت تعد نظام القذافى حليفا لها، ومن أهم مستوردى السلاح منها، إلا أن تغير نظامه، دفع فى سبيل أن تبحث عن حلفاء آخرين لها فى ليبيا، ومن هنا جاء دعمها لقوات الجيش الليبى بقيادة خليفة حفتر، وذلك فى مواجهة دعم تركيا لميلشيات الغرب فى طرابلس.

ومن هنا يمكن النظر إلى أن تحفيز الروس لسيف الإسلام للترشح أنها تريد اللعب بأوراق مختلفة وتغير من قواعد تحالفاتها ولا تقتصر فقط على دعمها للمشير حفتر، خاصة أن عمره يقترب من الثمانين.

ولا تقتصر المفاجآت فى عملية ترشيح القذافى الابن على الدعم الروسى فقط، بل نجد عملية ترشيح سيف لا يجد معارضة من تركيا بشكل كبير، خاصة أن علاقة سيف الإسلام بالتنظيمات الإسلامية، كانت قوية قبل سقوط والده، وعلى رأسها الجماعة الليبية المقاتلة، التى يرجع الفضل إلى سيف الإسلام، أنه قاد قبل سقوط والده بسنوات عملية المصالحة معها وقام بإخراج كوادرها من السجون بل وفر لهم عملية دعم ورواتب لأعضائها، تمهيدا للحصول على دعمها فى خلافة والده.

ويضاف لذلك أن منطقة الغرب والميلشيات فى ليبيا تتقبل فى الفترة الحالية إمكانية وجود سيف الإسلام، خاصة إذا كان هو الحل الوحيد للوقوف ضد خليفة حفتر، والذى يسيطر على الشرق الليبى، ويتمتع بنفوذ قوى فى منطقة الجنوب وأيضا مقبول من عناصر النظام السابق، وهو ما يدعم فرص فوزه بالانتخابات إذا تمت.

ولكن وجود سيف الإسلام كمرشح من الجنوب، حيث تتواجد قبيلة القذاذفة، وكذلك جذبه عناصر نظام والده، سيعمل على تكسير قوة حفتر، وهذا لا يعنى أن سيف الإسلام أصبح الورقة الرابحة فى الانتخابات، خاصة أنه ملاحق دوليا من قبل المحكمة الجنائية، وهو ما يعنى صعوبة وجوده فى رئاسة ليبيا فى ظل النفوذ الأممى فيها.

ولذلك وفقا للتحليلات وقراءة للواقع فإن عملية طرح سيف الإسلام ستربك الأوراق لخليفة حفتر، وهو ما يدعم من فرص رئيس الحكومة الليبية الحالية عبدالحميد الدبيبة، والذى نجح خلال الفترة الأخيرة من تقلده السلطة فى أن يفتح علاقات جيدة مع جميع القوى الدولية والإقليمية فى ليبيا، وتركز عمله خلال الفترة الماضية على تقديم خدمات لليبيين، فهل سيكون الدبيبة الورقة الرابحة القادمة فى ليبيا؟ وهى إجابة ستحددها السماح له بالترشح وتعديل فى نصوص اتفاق الحوار السياسى بعدم السماح بالترشح فى الانتخابات من يتولى منصب فى الفترة الانتقالية، وهو نص يتوقع تغييره قريبا، مما يمهد للدبيبة الطريق أن يتحول للحصان الأسود فى الانتخابات الليبية.