مي سمير تكتب: حرب باردة فى البيت الأبيض

مقالات الرأي


قصة الصراع الخفى بين الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس


نشرت محطة سى إن إن عن حالة من الفوضى والصراع التى تسيطر على أروقة البيت الأبيض، فى ظل صراع متصاعد بين فريق عمل جو بايدن وفريق عمل نائبته كامالا هاريس، التى أشارت بعض التقارير إلى أنها سوف تترشح لمنصب الرئيس الأمريكى فى الانتخابات الرئاسية القادمة بدلا من جو بايدن.


“التهميش” الشرارة األولى 
بعد أن كشف تحقيق لمحطة سى إن إن عن صراع خفى فى أروقة البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكى جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، ردت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكى، على تقارير عن تصاعد هذه التوترات واصفة هاريس بأنها «شريك حيوى» للرئيس، وتأتى تصريحات «بساكى» وسط تقارير عن تعميق الخلاف بين كبار المسئولين الحكوميين.

غردت بساكى: «أن نائبة الرئيس ليست فقط شريكا حيويا لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها زعيمة جريئة تتعامل مع التحديات الرئيسية والمهمة التى تواجه البلاد من حقوق التصويت إلى معالجة الأسباب الجذرية للهجرة».

وذكرت شبكة سى إن إن يوم الأحد الماضى - نقلا عما يقرب من ثلاثين شخصية بما فى ذلك مساعدو هاريس السابقون والحاليون ومسئولو الإدارة والمانحون الديمقراطيون وغيرهم - أن نائبة الرئيس أخبرت المقربين بأنها تشعر أنها مقيدة بشأن ما يمكنها القيام به فى ظل وظيفتها، بينما يخوض بايدن صراعا مع المخاوف التشريعية والسياسية.

وأضافت المحطة أن كثيرين فى دائرة هاريس يشعرون أنها مهمشة، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك فرصة قوية من أجل ترشحها للرئاسة بعد عام واحد فقط من الآن، حيث سيبلغ بايدن ٨٢ عاما فى عام ٢٠٢٤، عندما تجرى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعلى الرغم من أنه قال إنه يعتزم الترشح، يعتقد العديد من المراقبين أن هاريس، البالغة من العمر ٥٧ عاما، ستكون على قائمة الديمقراطيين بدلا من ذلك.

قال أحد كبار مساعدى هاريس السابقين، الذى طلب عدم الكشف هويته، لشبكة سى إن إن: «إنهم -موظفو البيت الأبيض- يرسلونها باستمرار للتعامل مع القضايا الخاسرة بالفعل أو التى لا تتناسب مع مهاراتها»، فى الوقت نفسه، قيل إن موظفى بايدن محبطون بشكل خاص من هاريس بسبب الخلافات التى يرونها ذاتية، بما فى ذلك ضحكها «المحرج» عندما سئلت عن زيارة الحدود الجنوبية للولايات المتحدة فى يونيو، وتقوم هاريس بانتظام برحلات إلى الحدود الجنوبية للقاء المسئولين ومعالجة قضايا الهجرة هناك، لكن قيل إن المنظمات غير الحكومية وغيرها من المنظمات التى تعمل على الحدود الجنوبية تشكو مرارا من عدم التزام مكتب نائبة الرئيس بوعوده، على سبيل المثال، التقى فرناندو جارسيا، المدير التنفيذى لشبكة الحدود لحقوق الإنسان، بهاريس خلال زيارتها إلى إل باسو، تكساس، هذا الصيف، وقال لشبكة سى إن إن إنه متفائل بشأن تأثيرها المحتمل على سياسة الهجرة، لكن بعد شهور، قال العامل فى المنظمة غير الحكومية إنها «اختفت»، وأضاف جارسيا: «لم نسمع أى رسائل موضوعية لدفع سياسات هجرة أفضل»، «لم نر ما يدل على قدراتها القيادية».


ترميم ما أفسده بايدن 
كان من المتوقع أن يكون منتدى باريس للسلام، الحدث الذى عقد فى العاصمة الفرنسية الأسبوع الماضى، حيث اجتمع قادة العالم لمناقشة القضايا العالمية مثل تغير المناخ والهجرة وحقوق الإنسان- المنصة التى ستطلق هاريس ملفها على المستوى الدولى من خلالها، ومع ذلك لم يكن لدى نائبة الرئيس فرصة تذكر للتواصل مع الجمهور الفرنسى ولم تلق اهتماما إعلاميا شعبيا،على الرغم من كونها أول امرأة تتولى منصب نائب رئيس الولايات المتحدة وأول سيدة ملونة تحتل منصب رئيسى فى البيت الأبيض، حسبما أفادت مجلة بوليتيكو.

على ما يبدو ردا على تقرير بوليتيكو، غردت المتحدث باسم هاريس، سيمون ساندرز، يوم الأحد: «من المؤسف أنه بعد رحلة مثمرة إلى فرنسا أعدنا فيها تأكيد علاقتنا مع أقدم حليف لأمريكا وأظهرنا قيادة الولايات المتحدة فى الفضاء العالمى، وفى أعقاب إقرار مشروع قانون تاريخى للبنية التحتية من الحزبين سيخلق فرص عمل ويعزز مجتمعاتنا، يركز البعض فى وسائل الإعلام على القيل والقال، وليس على النتائج التى قدمها الرئيس ونائب الرئيس».

لكن فى مقابل تقرير بوليتيكو، أكد الكاتب ديفيد أنديلمان على موقع سى إن إن فى مقال بعنوان «حققت كامالا هاريس نجاحا كبيرا فى باريس» أن بعد أكثر من شهر من اندلاع عاصفة نارية بين الولايات المتحدة وفرنسا بسبب نسف إدارة بايدن غير المدروسة لصفقة غواصة فرنسية-أسترالية كبرى، هبطت نائبة الرئيس فى باريس لمحاولة إصلاح الأمور، وقد نجحت فى تنفيذ المهمة.

حسب الكاتب أنديلمان، ظهرت هاريس والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون سعداء برؤية بعضهما البعض أمام قصر الإليزيه الرئاسى يوم الأربعاء الماضى، وقال ماكرون فى بداية اجتماعهما الثنائى «أستطيع أن أقول لك إن الشعب الفرنسى فخور للغاية بوجودك هنا»، استمر عقد اجتماعهم الأول لفترة طويلة لدرجة أن مساعديه حاولوا التدخل واختتام الاجتماع، وقام ماكرون باصطحاب هاريس فى جولة لمشاهدة القصر الرئاسى.

فى صباح اليوم التالى، خلال حفل كبير فى قوس النصر-احتفالا بالجندى الفرنسى هوبرت جيرمان، آخر مقاتل فى المقاومة فى الحرب العالمية الثانية، الذى توفى الشهر الماضى عن عمر يناهز ١٠١ عام- ركزت كاميرات التليفزيون الوطنى على هاريس، فى وقت لاحق من فترة ما بعد الظهر، جلس ماكرون وهاريس، فى الصف الأول من منتدى باريس للسلام، يتجاذبان أطراف الحديث باستمرار، مما عكس توطيد العلاقات الفرنسية الأمريكية بعد التوترات الناتجة عن صفقة الغواصات الأسترالية.

خص ماكرون لاحقا هاريس فى خطابه قائلا: «أنا سعيد جدا، سيدتى نائبة الرئيس، بعودة الولايات المتحدة إلى نادى التعددية، هذه أخبار رائعة، لأننى أعتقد أن هذا هو المكان المناسب الولايات المتحدة الأمريكية»، وكان من الواضح أن كلًا من ماكرون وهاريس يأملان فى أن يتمكنا من طى صفحة القضايا السابقة، قال ماكرون عندما التقى لأول مرة بالرئيس الأمريكى جو بايدن فى إنجلترا لحضور قمة مجموعة السبع فى يونيو: «القيادة هى شراكة»، كانت تلك بالطبع اللحظة ذاتها التى كانت فيها الولايات المتحدة تتفاوض بشأن اتفاقية الغواصة مع أستراليا والمملكة المتحدة، مما أسفر عن وفاة اتفاقية مدتها ٥٠ عاما مع فرنسا، وقد أقدم بايدن على ذلك دون التشاور مع ماكرون أو الفرنسيين (اعترف بايدن منذ ذلك الحين بأن الولايات المتحدة كانت «خرقاء» فى تعاملها مع فرنسا)، حسب السى إن إن، نجحت هاريس فى إصلاح ما أفسده بايدن فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية الفرنسية.


حرب صحفية 
هذه التقارير الصحفية المتضاربة حول كواليس البيت الأبيض وكفاءة هاريس والتى كشف عنها مؤتمر باريس الأخير، حيث وصف البعض هاريس بأنها قدمت أداءً رائعًا، بينما انتقد البعض أسلوب تعاملها مع المؤتمر، وهو فى حقيقة الأمر يبدو وكأنه صراع بين الرئيس الأمريكى ونائبته حول من سيفوز بدعم الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة ٢٠٢٤، والمؤكد أن حظوظ بايدن تتراجع فى ظل حقيقة تقدمه فى العمر، ولكن على الجانب الآخر تبدو هاريس وكأنها تحتاج لكى ترفع من كفاءة أدائها لكى تمثل الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة القادمة،وفى ظل هذه المعضلة يتبادل فريق بايدن الاتهامات مع فريق هاريس، حيث يتهم الأول نائبة الرئيس بأنها لم تقدم الأداء المنتظر منها، بينما يتهم الثانى الرئيس بأنه لم يعط نائبته الفرصة، لكى تتألق على النحو الذى يتناسب مع قدراتها السياسية.

فى ظل هذا الصراع، يبدو أن الحزب الديمقراطى هو من يخسر، فكان من المفترض أن تكون هاريس نائبة الرئيس التى ستأخذ الشعلة من جو بايدن الذى يقترب من العقد التاسع من عمره، وتتواصل أجندة الإدارة بينما تصبح أول امرأة على الإطلاق وأول امرأة من أصول إفريقية تستولى على البيت الأبيض كرئيسة رقم ٤٧ للولايات المتحدة الأمريكية.

اليوم تظهر استطلاعات الرأى تراجع شعبية كل من بايدن وهاريس، حيث أظهر استطلاع أجرته جريدة يو إس إيه توداى - جامعة سوفولك، أن ٢٨ بالمائة فقط من الناخبين - أقل من ٣ من كل ١٠ - يشعرون بالرضا على أداء هاريس، هذا أقل بـ ١٠ نقاط من رئيسها (٣٨ بالمائة يوافقون، ٥٩ بالمائة غير موافقين) على أداء جو بايدن.