طارق الشناوي يكتب: ثقافة الاختلاف المأسوف عليها!!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

عندما أقول أنا ضد منع مطربى المهرجانات من الغناء، فهل هذا يعنى أن الوجه الآخر للعملة أننى أوافق، بل وأدعو لتفشى الإسفاف، تعودنا أن أحكامنا يا أبيض يا أسود، رغم أن الحياة رمادية تتدرج فيها كثافة اللون، لدينا قدر من التبسيط فى أحكامنا، تميل للتطرف والوصول إلى أقصى التناقضات.

أتذكر قبل 20 عاما أننى كتبت مقالا عنوانه (ضد الفيلم مرة وضد المصادرة ألف مرة).

كانت إيناس الدغيدى قدمت فيلمها (مذكرات مراهقة) بطولة هند صبرى، وكان لى رأى سلبى فى الشريط، واكتشفت أنه تحت قبة البرلمان، وكانت الفنانة الكبيرة فايدة كامل رئيسة لجنة الثقافة والإعلام، يريدون منع عرض الفيلم واستندوا إلى عدد من المقالات، وبينها مقالى، لتصبح المصادرة مسببة وبيد المثقفين وليس مجلس الشعب، فكان لا بد من التوضيح أننى أختلف فنيا، ولكن سلاح المنع والمصادرة لا يمكن إشهاره فى وجه من نختلف معهم، يسمح الفن بتلك المساحة من التباين فى الآراء، حدث أيضا شىء مشابه مع فيلم (اللمبي) وأرادوا مصادرته بسبب ما اعتبروه وقتها سخرية من أغنية أم كلثوم (حب إيه اللى أنت جاى تقول عليه)، وتزعم د. زكريا عزمى طابور الغاضبين، واعتبر أن مجرد غناء محمد سعد لهذا المقطع فى الفيلم يعد سخرية من أم كلثوم والغناء المصرى.

حدث شىء مشابهه مع فيلم (عبده موتة)، كان لى مقال انتقدت فيه الفيلم، وأقيم عرض لأول مرة فى التاريخ المصرى- فى حدود علمى- داخل مشيخة الأزهر بحضور المفتى الأسبق د. على جمعة، وعلمت من نقيب السينمائيين مسعد فودة أن ترشيحى تم بناء على رغبة من فضيلة المفتى، كان الغرض الأساسى من هذا الاجتماع حذف أغنية (يا طاهرة يا أخت الحسن والحسين) ترقص فيها دينا، وهو ما اعتبروه يحمل شيئا من السخرية، رغم أن هذه الأغنية يصاحبها واقعيا الرقص فى الموالد الشعبية، ولم يحدث أن شعر الناس بأى إهانة لمقدس دينى، هذه هى طبيعة الغناء الدينى، جزء كبير مما نسمعه استبدال لكلمات ووضعها على لحن شعبى، مثلما حدث فى أغنية عبدالحليم حافظ (قولولو الحقيقة) التى صارت (روحولو روحولو روحولو المدينة/ روحولو وشاهدوا وباركو وعهدوا محمد نبينا)، هذا هو المفهوم الشعبى للمديح، ولا يمكن أن نُسقط عليه أحكامنا الأخلاقية أو الدينية.

وشاهد المفتى (عبده موتة) مع صناع الفيلم وبحضور نقيب الممثلين وقتها أشرف عبدالغفور وكل من الفنان سامح الصريطى والمخرج عمر عبدالعزيز، وأعد د. على جمعة قرارا يقضى بحذف الأغنية، وأشار، فى البيان، إلى أن هذا الإجراء يتم بعد اتفاق كل أعضاء اللجنة المكونة من السينمائيين والنقاد، قلت لفضيلة المفتى أنا الناقد الوحيد المشارك فى اللجنة، وأنا ضد حذف الأغنية وطلبت منه إعادة صياغة البيان.

أعلنت أيضا فى حضور فضيلة المفتى أن دخول المؤسسة الدينية كطرف فى مراقبة الأعمال الفنية سابقة خطيرة سندفع ثمنها جميعا. سلاح المنع، مهما تعددت أسبابه، وهو دائما يتدثر بغطاء دينى أو أخلاقى، سيضعنا جميعا فى مواجهة تستنفد طاقتنا، ثقافة الاختلاف واحترام حقوق الآخر، هى ما ننشده وهى الفضيلة الغائبة عن حياتنا الثقافية.

[email protected]

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).