عائشة نصار تكتب: الوجه النسائى لداعش تونس

مقالات الرأي

عائشة نصار
عائشة نصار

داعشيات تونسيات نجحن فى تجنيد «أمنيين» تجسسوا لصالح التنظيم
تونس تفكك «خلية نسائية» لصالح «أجناد الخلافة».. وزوجة قيادى تونسى تفجر نفسها مع رضيعتها

 

قبل أقل من شهر أعلنت السلطات الأمنية التونسية، عن ضبط خلية إرهابية نسائية، تتبع تنظيم داعش الإرهابى وفرعه فى تونس»أجناد الخلافة»، وتنشط فى المنطقة بين محافظتى الكاف شمال غربى البلاد وتوزر الواقعة فى جنوبها الغربى.


كشفت التحقيقات أن العناصر النسائية فى هذه الخلية الإرهابية، على صلة مباشرة ووثيقة بعناصر تنظيم «جند الخلافة» الذى برز بعملياته الإرهابية على الساحة التونسية منذ عام ٢٠١٥، وأدرجته الولايات المتحدة الأمريكية على قوائم الإرهاب عام ٢٠١٨.

وتتولى الخلية استقطاب وتجنيد النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعى داخل الأراضى التونسية، لصالح التنظيم الداعشى.

وركزت وسائل إعلام محلية وعربية على أنها وإن لم تكن المرة الأولى التى يتم إلقاء القبض فيها على عناصر نسائية، تدين بالتبعية والولاء، وتضطلع بأدوار لصالح التنظيمات الإرهابية المسلحة فى تونس، إلا أنها المرة التى يعلن فيها الأمن التونسى عن تفكيك «خلية إرهابية نسائية» تعمل بشكل منظم داخل البلاد، فى نقلة نوعية فى الأداء التكتيكى والحركى لـ»أجناد الخلافة».

يمكن أيضًا فهم خطورة ومحورية الدور الذى كانت تتولاه هذه الخلية النسائية، إذا وضعنا فى الاعتبار أن تونس يتم تصنيفها كواحدة من أكثر الدول العربية استخدامًا لوسائل التواصل الاجتماعى، خاصة بين الشباب والفتيات، وأيضًا إذا كان التجنيد الإلكترونى يأتى فى مقدمة المهام التنظيمية التى تحتل الأولوية حاليًا لدى تنظيم داعش، خاصةً بعد انهيار «دولة الخلافة» المزعومة، فى سوريا والعراق.

هذا إلى جانب وجود تقارير أمنية واستخباراتية دولية، أطلقت تحذيراتها أكثر من مرة من تكثيف التنظيمات الإرهابية لنشاطها عبر وسائل التواصل الاجتماعى، استغلالًا لحالة العزلة التى فرضها وباء كورونا، ما حتم زيادة عدد الساعات التى يقضيها الشباب فى العالم الافتراضى للتواصل مع الآخرين.

فحذرت شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية مؤخرًا من ما أطلقت عليه «عاصفة كاملة» من التطرف.

 

من ناحية أخرى تتصاعد خطورة الدور النسائى للتونسيات المنتميات لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وفرعها «أجناد الخلافة» على المستوى المحلى، بعد سقوط «دولة الخلافة» وتوقف موجات الهجرة إليها، كما كان الحال خلال السنوات الماضية.

حيث احتلت النساء التونسيات النسبة الأكبر عربيًا داخل صفوف التنظيم الإرهابى فى سوريا والعراق، وتقلدن المناصب القيادية النسائية والحساسة داخل التنظيم، كل وفق مستواها التعليمى، ومؤهلاتها الدراسية.

وعرف عن الداعشيات التونسيات، أنهن أخطر نساء داعش، وأكثرهن احترافية، وانضوين تحت قيادة الداعشية «أم مهاجر» المسئولة عن كتيبة « الخنساء الشهيرة فى مدينة الرقة السورية عاصمة الخلافة الداعشية، قبل زوالها.

فضلًا عن أن عددا كبيرا من النساء التونسيات المنضمات من المراهقات أو الشابات الصغيرات كن يتم تجهيزهن كانتحاريات فى صفوف التنظيم ويتم الدفع بهن فى الخطوط الأمامية فى المعارك، وفق المركز الأوروبى لدراسات الإرهاب والاستخبارات.

وتسببت داعشيات تونسيات فى صدمة للشارع التونسى، وقد ظهرن منتصف أبريل ٢٠١٩ من داخل مخيمات التنظيم فى سوريا، يرددن أمام الكاميرات أنهن غير نادمات على الانضمام لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وأن عقيدتهن باقية وتم غرزها فى أطفالهن ولن يمكن اقتلاعها أبدًا.

 

الوضع إذن أصبح يزداد خطورة فى الداخل التونسى الآن، حيث تحولت تونس، قبل سنوات، من مجرد ساحة خصبة للتجنيد والاستقطاب، إلى ساحة «جهاد» بالفعل ينفذ فيها تنظيم «أجناد الخلافة» عملياته الإرهابية ضد الأمنيين والمدنيين على حد سواء.

وقد شهدت تونس مطلع أبريل الماضى، واقعة بشعة تجسدت فيها بجلاء فاعلية الدور النسائى، وخطورته وقت اللزوم، على المستوى الدموى أيضًا.

فأعلنت أجهزة الأمن التونسية نجاحها فى القضاء على أحد العناصر الإرهابية القيادية فى تنظيم «جند الخلافة» والمتورط فى عدة عمليات إرهابية، ويدعى حمدى ذويب، وكان بصحبة زوجته وابنتيه لحظة ضبطه. فما كان من الزوجة إلا أن فجرت نفسها بحزام ناسف كانت ترتديه، أسفر عن مقتلها ومقتل ابنتها الرضيعة التى كانت تحملها، فيما نجت ابنتها الثانية من الموت.

إلى جانب ذلك فقد كشفت الحالة التونسية، عن نجاح داعشيات تونسيات بالفعل فى استقطاب عناصر أمنية، داخل مؤسسات أمنية تونسية وتجنيدهم فى عمليات تجسسية لصالح تنظيم داعش. كما سبق وأن تولت النساء مناصب قيادية داخل التنظيمات الإرهابية داخل تونس، وأبرزهن فاطمة الزواغى أو «أم قتادة» رئيس الجناح الإعلامى لتنظيم أنصار الشريعة الإرهابى، والتى نجحت عبر وسائل التواصل الاجتماعى وبواسطة حساب حمل اسم «صبرى توبة»، فى تجنيد عدد كبير من الفتيات التونسيات، لصالح التنظيم الإرهابى، وتبين أنها كانت على اتصال وثيق ومباشر مع زعيم التنظيم مباشرة، سيف الله بن حسين المكنى بأبى عياض.

كما اعترفت الزواغى فى التحقيقات أن دورها التنظيمى تمثل فى تأمين التواصل بين عناصر أنصار الشريعة، فضلًا عن استقطابها الشباب عبر موقعى فيسبوك وسكايب للإنضمام لصفوف التنظيم، ودفعهم إلى التوجه إلى جبل الشعانبى للمشاركة فى العمليات الإرهابية ضد الجيش التونسى.

 

ولا تزال ظاهرة انضمام الفتيات التونسيات إلى التنظيمات الإرهابية مثارا لحالة تعجب واندهاش، فى الأوساط العربية، خاصة أن غالبية هذه العناصر من الطالبات المتفوقات الحاصلات على تعليم متميز، بالتوازى مع كل ما تتمتع به المرأة التونسية من انفتاح وحقوق اجتماعية ودستورية، من المفترض أن تحصنها من الانجراف وراء الأفكار المتشددة.

ففى كثير من الأحيان لا يكون الدافع للانضمام هو التبعية أو التأثر بالرجال، بل إن بعض هؤلاء المنضمات للتنظيم، يكن أشد دموية وشراسة من الإرهابيين الذكور، وأكثر عنفًا فى الدفاع عن أفكارهن، بل وأحيانًا مايتحولن إلى «مصائد» لاستقطاب الرجال للانضمام للتنظيمات الإرهابية.

وهو مايدلل بجلاء على خطورة الآلة الدعائية لتنظيم داعش تحديدًا والتنظيمات الإرهابية الحديثة بالمنطقة، ومدى الاحترافية المسمومة لهذه التنظيمات، ومجاراتها لأسلوب وأفكار هذا الجيل، وقدرتها على صياغة لغة خطاب مناسبة لكل تركيبة واقتناص نقاط ضعفها، وأيضًا كل مناخ ثقافى مغاير لضحاياها باختلاف مجتمعاتهم.