عبدالحفيظ سعد يكتب: رمز الجيل

مقالات الرأي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

«توك.. توك.. توك»، «بوم.. بوم.. بوم» على هذا النغمة أو النشاز، كما يفضل أى شخص أن يطلق عليها، تأتى غالبية ألحان أغانى المهرجات.

وأسف هنا لكلمة «ألحان» لأنها لا تمت للموسيقى بشىء، مجرد خبط ودق على آلات موسيقية، ممزوجة بألعاب إلكترونية، تغير من نغمة الصوت.

هى ليست بمزيكا ولا تمس الفن «الراقى» بشىء، وهو ما يعترف به حتى من يقوم بأدائها.

الوصف السابق لأغانى المهرجانات والموقف المسبق منها أخلاقيا وفنيا، لا ينكر حقيقة أنها أصبحت أغانى «البريمو»، التى تكتسح السوق وتحقق أعلى المتابعات والمشاهدات، تتصدر تلك الأغانى نسبة أعلى معدلات التصفح على مواقع الاستماع واليوتيوب.

تقريبا.. خلال العشر سنوات الماضية لا يخلو فرح أو مناسبة سعيدة أو أى مظاهر احتفال من هذه الأغانى، ليس ذلك فحسب بل عندما تسير فى الشارع بالتأكيد سوف تسمع تلك الأغانى الهابطة صادرة من محل عصير أو مطعم.. قد يقتحم صوتها أذنك من سيارة من جوارك، أو تأتى من شرفة جارك المزعج..

ستلاحقك هذه الأغانى من حيث لا تحتسب بعد أن تغلغلت وخرج من شرنقتها الطبيعية، التى وضعت فيها «التوك توك» وغزت الشارع والحارات والبيوت والحانات والكافيهات..

وبكل أسف وحسرة، دعونا نعترف بأن أغانى المهرجانات أصبحت رمزًا لعقد زمنى كامل، إنه عقد المهرجانات، تربعت فيه هذه الأغانى.

دعونا نعترف بأننا نعيش عصر «التوك توك»، والذى تحول من مجرد وسيلة مواصلات سهلة تمر بين الأزقة والحارات فى الأحياء الشعبية والريفية، إلى ظاهرة غزت المدن والشوارع الكبيرة.

يلخص غزو التوك توك والمهرجانات الصراع المتناقض الذى يعيشه المجتمع، والذى يتحدث الملايين عنه ليلا ونهار على مواقع التواصل عن الذوق العام ورقى تصرفات البشر، بينما يعيش حياته الحقيقية خارج واقعه الافتراضى، بكل ما تحمله ملامحه من ثقافة التوك توك والمهرجات.

وبدل من أن نواجه الحقيقة أن ثقافة فن المهرجات وثقافة التوكوك، أصبحت مسيطرة على تصرفات وسلوكيات الناس، اخترنا الحل السهل، وهو أننا نعتبر أنه هذه الأغانى الهابطة وسلوكيات التوك توك، تعد السبب فى تدنى الذوق العام يدمر الذوق العام للمجتمع، بدلا من أن نعترف بأن هذه الأغانى الهابطة والسلوكيات العشوائية، ما هى إلا تعبيرًا عن ثقافة المجتمع.

قد يكون الرأى قاسيًا، لكن علينا أن نعترف بالحقيقة والتى تقول إن الفن والموسيقى تحديدا معبرا على روح وثقافة العصر الذى نعيش فيه. ومثلما كان سيد درويش ومن بعده الجيل الذهبى لعصر الطرب المصرى من عبدالوهاب لأم كلثوم، معبرا عن تلك الحقبة، كانت عبدالحليم حافظ ونجاة وغيرهم معبرا عن عصر حقبة الستينيات، ومثله كان عدوية معبرا عن عصر الانفتاح. ويمكن أن نعتبر أيضا هانى شاكر ظاهرة لميوعة بداية حكم مبارك، كما كان شعبان عبد الرحيم رمزا لترهل عصر مبارك فى نهايته.

فأغانى المهرجانات، تعبر عن واقع، صحيح هذا الواقع لا نرضى به وكل محب للقيم والفن عليه أن يشمئز منه لكن الأمر هنا ليس بمنعه، كما فعل نقيب الموسيقيين هانى شاكر مؤخرا عندما أصدر قرارًا بمنع عدد من يقومون بأغانى المهرجات من الغناء، وذلك بحجة الحفاظ على الذوق العام.

الغريب أن قرار نقيب الموسيقيين الأخير سبق أن أصدر مثله قبل عامين، عندما اتخذ قرارًا مماثلًا بمنع مغنى المهرجانات من الغناء، عندما ذاع صيت أغنية حسن شاكوش «بنت الجيران»، فهل حقق قرار نقابة الموسيقيين شيئًا فى محاربة ما تراه «فنا هابطا»..

النتيجة نعرفها جميعا مزيدا من أغانى المهرجانات الهابطة، ومزيدا من انهيار الذوق العام، فإذا كنا نسعى بجد للصعود به، فالطريق هنا ليس فى المنع، بل المواجهة بفن آخر يرتقى بالذوق العام، وقبل كل ذلك لن يتحقق شىء إلا برفع رقى سلوكيات وقيم المجتمع كله، قبل أن يتحول لشاكوش وبيكا وربيبكا.. يا أصحاب الفضيلة.