محمد مسعود يكتب: ننشر تفاصيل مسلسل "ليلة السقوط"

مقالات الرأي

محمد مسعود
محمد مسعود

ميزانية المسلسل ٥ ملايين دولار ودعم لوجيستى من الحكومة العراقية بـ١٠ ملايين دولار والإنتاج مشترك بين قيس الرضوانى ومحمد عشوب

المؤلف مصرى والمخرج سورى ومدير التصوير تونسى والنجوم من مصر والعراق وسوريا والأردن

العراق يدفع بجميع القوات الحقيقية التى حررت الموصل وسنجار والتصوير بالأسلحة الحقيقية والذخيرة الحية

التصوير فى المواقع الحقيقية لحى الموصل القديم ولا يوجد مشهد واحد تم تصويره داخل الاستوديو

15 مليون دولار لتوثيق جرائم «داعش» قبل سقوطه فى الموصل

عانينا مع الأهالى من أجل التصوير فى الأماكن الحقيقية كونهم لا يريدون استرجاع المأساة

عشوب: قلت للرضوانى كيف يكون العراق بكل هذا التاريخ والحضارة ولا توجد صناعة فنية وستشاهدون عملًا جديرا بالمشاهدة


المسلسل يستعرض للمرة الأولى مأساة الفتيات الإيزيديات وصبا مبارك فازت بالبطولة

باسم ياخور يلعب دور صحفى يستشهد فيتجمع حوله أطياف الشعب.. وطارق لطفى أحد أمراء التنظيم وشهرته «الدباح»

المنتج قيس الرضوانى: عندما شاهدت الجزء الأول من «الاختيار» قررت إنتاج المسلسل والموافقة على اقتراح

صديقى محمد عشوب.. واستعنت بمجدى صابر لأنه مسيحى من أجل «الحياد»

انفجار لغم حقيقى فى آخر أيام التصوير حطم الكاميرا ولا توجد إصابات بشرية

 

ويبدو أن من هذه اللحظة التى فجر فيها عشوب لغم الرغبة فى الإنتاج داخل قيس الرضوانى؛ بدأت الفكرة تدخل حيز الاختمار داخل رأسه؛ وكما قال لى الدكتور قيس الرضوانى (بحكم عملى فى الإعلام؛ كنت مع قوات مكافحة الإرهاب أثناء تحرير الموصل؛ بعدها حضرت إلى مصر؛ واكتشفت أن جميع الصحف العربية تكتب عن الأمر بشكل غير دقيق ومن وجهة نظر غير حقيقية؛ ولم يكن فى بإلى مسألة الإنتاج لكن بتشجيع صديقى الدكتور محمد عشوب الذى اقترح علىّ الدخول إلى عالم الإنتاج من خلال عمل وطنى؛ ودرست الموضوع؛ ووقتها شاهدت بالمصادفة الجزء الأول من مسلسل «الاختيار»؛ فقلت ليه لأ؛ لماذا لا أدخل إلى عالم الإنتاج بغية خدمة وطنى؛ من خلال ملحمة وطنية مليئة بالرسائل وبوجهة النظر الحقيقية؛ كيف احتل الإرهاب الأسود ثلث العراق ومدينة الموصل بالتحديد؛ وكيف تم تحريرها).

كان المنتج محمد عشوب فى غاية العجب؛ كيف تكون دولة مثل العراق وآخر ما تم تصويره فوق أراضيه قد مر عليه أكثر من ٣٥ سنة منذ فيلم «القادسية»؛ لذا قال للدكتور قيس (لماذا لا يكون هناك صناعة سينما وفيديو؛ وكيف لا ينافس العراق بالفن؛ ولماذا لا يكون هناك تعاون فنى بين مصر والعراق؛ علينا أن نفتح سوقا فنيا جديدا فى الوطن العربى؛ كنت أراه مثقفا وفنانا؛ ومؤهلًا لأن يحمل راية الفن العراقى؛ قال لى لكن لو أنتجت مش هنعمل أى حاجة؛ يجب أن تكون أعمالا هادفة وقومية وتاريخية؛ فوجدت أننا على نفس التردد؛ فأنا الوحيد فى مصر الذى تحمس لإنتاج فيلم غنائى للفنانة الكبيرة وردة فى وقت كانت السينما أعطت ظهرها للأفلام السينمائية).

ظل المنتج قيس الرضوانى طوال عامين كاملين يدرس الأمر؛ ويتبادل وجهات النظر مع المنتج محمد عشوب؛ فقرر أخيرا إنتاج مسلسل بعنوان «ليلة سقوط الموصل»؛ قبل أن يتم تغييره إلى «ليلة السقوط»؛ تبعا لوجهة نظر المنتج الذى رأى أن الموصل لم تسقط؛ بينما من سقط هو التنظيم الإرهابى الأسود.

 

قرر قيس الرضوانى بناء على ترشيح محمد عشوب الاستعانة بالكاتب المصرى الكبير مجدى صابر؛ والحقيقة أن الاختيار لم يكن بسبب خبرة المؤلف فقط بينما كان لكونه مسيحيا؛ فستكون وجهة نظره محايدة؛ حسبما أخبرنى المنتج (عندما عرضنا عليه كتابة المسلسل وافق؛ وسافر معى ومعنا الدكتور عشوب إلى العراق وقضيا معى هناك شهرين كاملين فى اجتماعات مستمرة مع أصحاب الشأن من السياسيين والعسكريين والضحايا؛ والفتيات الإيزيديات؛ علاوة على عقد لقاءات مع أسرى التنظيم الأسود بالعراق؛ شهرين من البحث والتقصى؛ بعدها بدأ الكاتب فى كتابة النص الدرامى مستغرقا نحو ستة أشهر؛ وهو عبارة عن دراما وطنية عسكرية اجتماعية سياسية؛ تظهر وحشية الإرهاب وهمجية داعش فى حق الحضارة والإنسانية؛ وتؤكد على أن الإرهاب ليس له وطن؛ ففى كل القرى الأرضية يوجد إرهابيون).

كانت اللغة المستخدمة على لسان الممثلين فى المسلسل محل حيرة؛ إلى أن تم الاتفاق على استخدام اللغة العربية البيضاء؛ أى الفصحى المخففة؛ علاوة على اللغة العراقية السهلة التى يتحدث بها أهل بغداد؛ وتطرق السيناريو لأول مرة إلى قوات البيشمركة التى كانت تقاتل الجيش العراقى منذ نحو ٧٠ عاما؛ فعندما تفرقت العراق دخل داعش؛ وعندما اتحد العراق على قلب رجل واحد نجحوا فى دحر الإرهاب.

 

كان التفكير فى البداية ينحصر نحو مخرج عالمى يونانى الجنسية؛ لكن لكون العمل باللغة العربية كان من الأفضل اختيار مخرجا عربيا؛ وهنا وقع الاختيار على المخرج السورى الكبير ناجى طعمى؛ صاحب الأجزاء الثلاثة الأخيرة من المسلسل الشهير «باب الحارة»؛ علاوة على مدير التصوير التونسى الشهير «محمد مغراوى»؛ والمونتير رءوف ظاظا ومن أشهر أعماله مسلسل «عمر بن الخطاب»؛ وأثناء جلوس المنتج محمد عشوب معه فى غرفة المونتاج وجده مبهورا (المونتير كان مبهورا من أداء طارق لطفى فى شخصية الدباح؛ قال لى إنه يستخسر أن يستبعد أى شوت لطارق من المسلسل؛ واعتبر أن دوره يمثل نقلة نوعية فى مشواره الفنى؛ فهذا العمل يضيف له الكثير وقد أداه كعادته بمنتهى البراعة).

استعان المنتجان قيس الرضوانى ومحمد عشوب والمخرج ناجى طعمى بمجموعة من كبار النجوم فى الوطن العربى؛ على رأسهم طارق لطفى فى شخصية «الدباح»؛ وأحمد صيام قاضى قضاة داعش الذى يسيل لعابة على أى امرأة؛ ومن سوريا باسم ياخور ويلعب شخصية «قيس» وهو صحفى يعمل فى وكالة أنباء فرنسية وينجح فى التسلل إلى الموصل بالتعاون مع المخابرات العراقية؛ وعند استشهاده على يد داعش يتم عمل جنازة رسمية من الحكومة العراقية تحضرها كافة طوائف الشعب؛ فكانت الشهادة رمزا للانتصار.

بينما تلعب النجمة الأردنية صبا مبارك شخصية الطبيبة «جوانا» الإيزيدية التى يتم أسرها على يد التنظيم؛ وهى المرة الأولى فى الدراما العربية التى يتم تقديم دور لفتاة إيزيدية؛ فيما تقدم الممثلة السورية الشابة كنده حنا دور «كرستين» ابنة القاضى الذى يحكم بالإعدام على «الدباح» طارق لطفى؛ لكن الأخير يأسرها ويقتل والدها القاضى الذى لعب دوره الممثل العراقى جواد الشكرجى.

المسلسل يلعب بطولته من العراق ٥٠ نجما على رأسهم جواد الشكرجى؛ رياض شهير؛ ذو الفقار خضر؛ آلاء نجم؛ ريهام البياتى؛ وبيداء المعتصم؛ بينما يشارك من سوريا ميلاد يوسف؛ ومن مصر نورا عبدالرحمن.

 

بدأ تصوير المسلسل فى شهر يوليو الماضى؛ فى وقت وصلت فيه درجات الحرارة إلى ٥٧ درجة مئوية؛ وكان العمل صعبا للغاية خاصة أن التصوير تم فى الأماكن الحقيقية التى شهد الدم والألم والذكريات المفزعة؛ سألت المنتج قيس الرضوانى عن سبب اختيار الأماكن الحقيقية فقال (منذ سنوات تمت صناعة فيلم عما حدث فى العراق بدولة المغرب؛ واستعانوا فيه بالجرافيك؛ فكان يبدو مصنوعا وغير واقعى؛ لذا اتفقت مع الدكتور عشوب أن يكون التصوير فى الأماكن والمواقع الحقيقية التى شهده استيلاء التنظيم الأسود على الموصل قبل تطهير العراق؛ ولم نصور مشهدا واحدا فى المسلسل داخل استوديو؛ صحيح أن الأمر كان صعبا من حيث التنفيذ؛ لكن كان الأكثر صعوبة هو إقناع الأهالى بالخروج من منازلهم كى نستأجرها ونصور فيها؛ صحيح أنهم كانوا يريدون توثيق ما حدث؛ لكن الذكريات المؤلمة والمفزعة التى عاشوها جعلتهم يرفضون قبل أن نقنعهم أخيرا؛ أردت أن يكون التصوير فى الأماكن الحقيقية لأن ما حدث بالموصل كان أشبه بما حدث من خراب فى اليابان عندما ألقى عليها القنبلة النووية؛ فقد تم تدمير أضرحة الأنبياء عليهم السلام يونس وشيت؛ ومقام سيدنا الخضر علاوة على مقامات عشرات من أولياء الله الصالحين والصحابة؛ وسرقة المتحف وإحراق شارع النجفى الذى كان يضم آلاف الكتب النادرة فى مدينة الموصل التى تدمرت بنسبة ٩٠٪؛ علاوة على هدم الكنائس وسرقة ممتلكات المسيحيين؛ وحتى يكون التصوير طبيعيا فى جميع المراحل فقد دفعت الحكومة العراقية بالأسلحة الحقيقية؛ فوصلتنا أكثر من ٧٠ آلية عسكرية متنوعة؛ بخلاف القوات المختلفة ممن شاركوا بالفعل فى تحرير الموصل؛ وكذلك قوات البيشمركة أثناء تحرير سنجار وكانت برئاسة الرئيس مسعود برزانى فى كردستان؛ بالإضافة إلى قوات الرد السريع والشرطة الاتحادية والحشد الشعبى؛ وكانت مشاهد المعارك طبيعية وتم استخدام الذخيرة الحية فى جميع المشاهد؛ لدرجة أن حالة من القلق انتابت الشعب العراقى؛ خوفا من تجدد الاشتباكات؛ وسأدهشكم عندما أقول إن نفس الخطة العسكرية الحقيقية فى التحرير هى التى تم تصويرها بالمسلسل الذى اعتبره ملحمة درامية؛ والحقيقة لولا هذا الدعم لوصلت ميزانية المسلسل إلى نحو ١٥ مليون دولار؛ بسبب كثرة الأسلحة والمدرعات والاربيجيه؛ فما تم رصده من ميزانية ٥ ملايين دولار؛ ونحو ١٠ ملايين كدعم لوجيستى ).

 

قال لى المنتج محمد عشوب تفاصيل ما حدث فى آخر أيام تصوير المسلسل عندما انفجر لغم حقيقى؛ كان الجنود وقتها يبعدون نحو خمسة أمتار فقط؛ بينما كان المنتج قيس الرضوانى والمخرج ناجى طعمى على بُعد عشرة أمتار؛ كان المخرج يريد دخانا كثيفا يخرج من سرداب محطم؛ فأشعل الإكسسوار «فردة كاوتشوك» وهبط إلى السرداب لوضعها؛ لكنه لم يكن يعلم أنه وضعها فوق لغم مدفون؛ فما إن خرج حتى انفجر اللغم محدثا دويا هائلا ما أدى لتحطم إحدى الكاميرات؛ لكن لم يكن هناك أية خسائر بشرية.